الميثاق نت -

الإثنين, 26-يناير-2015
عبدالرحمن مراد -
< أتذكر أنني في 2011م أنكرت على القائلين بسقوط الإيديولوجيا في مقالات عدة نشرتها في حينه ورأيت أن الثورة التي تذهب الى زلزلة الواقع في غياب الفكرة والهدف لن تكون أكثر من عدم ولن تتجاوز حالة الفراغ الذي انطلقت منه.
لقد أصبح من الثابت القول إن القوى الاجتماعية والسياسية تحررت في عام 2011م من المقاييس القديمة، ولذلك رأينا كيف انهار التوازن، وضاعت القيم، وانطفأت أنوار الحياة، حين شاع في صفوفهم القول بسقوط الايديولوجيا وتبعاً لذلك التوجه فقدنا كل انتظام ونظام، وباتت الحدود بين الممكن والمستحيل غير معروفة، والتبس المفهوم للمصطلحات الثقافية والسياسية والاجتماعية، واختلت القدرة الذهنية على التمييز بين ما هو صائب وما هو غير صائب، وضاعت المعالم والحدود الفاصلة بين المطالب المشروعة وغير المشروعة، وقد تبين لنا من خلال التفاعل اليومي لحكومة باسندوة عدم وجود قيد على الآمال ومستويات الطموح للجماعات والأفراد..وثمة قاعدة توافق الكثير من الفلاسفة عليها ترى أنه كلما افتقدت القواعد التقليدية سلطتها.. تصبح الشهوات مسيطرة وغير قابلة لأن تكون محل سيطرة.
وفي كل الأحوال فإنّ حالة انعدام الانتظام أو اللامعيارية وصلت ذروتها بواسطة تلك الأهواء التي أصبحت أقل امتثالاً في وقت كنا نحتاج فيه الى أنْ نكون أكثر انضباطاً. وأمام مثل ذلك نما الصراع في صورته الأكثر عنفاً وضراوة، كما أنّ المنافسة اشتدت وكانت أعمق من ذي قبل، وقد تمايز الحال الى درجة أنّ كل القوى الفاعلة داخل المجتمع اليمني أضحت تتبارى مع بعضها، وتناضل بعضها لأنه لا يوجد تصنيف قائم ومعترف به لأي شيء، وقد أصبح كل جهد أقل فاعلية وإنتاجية وهو الأمر الذي أفضى باليمن الى ضعف الرغبة في الاستقرار لعوامل الخوف والتربص والترقب الباعثة لها عند تلك القوى.
ولعل الأبرز في الظاهرة اللامعيارية أو الظاهرة التي أشاعت الفوضى والتباس المفهوم هو غياب الاهتمام بحاجات الفرد عند قادة المجتمع وعند الساسة، وقد رأينا أن مثل تلك الحالة كانت بل وماتزال ترتبط بالتحامل والهجوم على القديم باعتباره يمثل المقاييس والمعايير الاخلاقية التي تبعث كوامن الألم في الضمير الجمعي، فكان التحامل والهجوم هروباً من ضرورات الارتباط بالمجتمع والاتصال المستمر به، والدفع الى الاهتمام الاجتماعي، والاهتمام بالحالة أو الصورة التي تعكس الوضع الاجتماعي والاقتصادي ومثل ذلك كان سبباً مباشراً في الاضطراب في النظام الجمعي الذي بعث كوامن الحركة فكانت ثورة (21سبتمبر 2014م) بحثاً جاداً عن حالة التوازن الاقتصادي بين الجماعات والجغرافيات.. وهناك من الفلاسفة من يرى أنه كلما كانت الحاجة ماسة الى إعادة التوافق في النظام الاجتماعي.. كان الناس أكثر نزوعاً الى التدمير الذاتي ومثل ذلك مقروء في تصريحات الجماعات المسلحة في مأرب التي هددت بالتدمير للمنشآت الحيوية المرتبطة بكل ذات وكل فرد في هذا الوطن وهي ذاهبة الى ذلك التدمير في حالتي كانت هناك رغبة في إعادة التوافق على نمو مفاجئ أو على كارثة متوقعة.
ما نحن نطمئن اليه هو أنه في كل لحظة من لحظات التاريخ.. هناك فكرة قد تعلن عن نفسها في الوعي الأخلاقي للمجتمعات تحدد القيمة المفترضة للأنشطة والوظائف والمهن الاجتماعية ويكون هناك مؤشر فاصل يشير اليها، فالصراع الذي نراه بين الشمال والجنوب هو في جوهره جدلية تكوين بين ثنائيات تحرر قواعد التحكم الاقتصادي في الشمال وهيمنتها في الجنوب قبل إعلان الوحدة اليمنية وحين جاءت دولة الوحدة تجردت الحكومات من قوة الاخضاع للهيئات الاجتماعية، كما أن التطور الصناعي السريع وحالة التوسع في السوق الأفقي والرأسي قد أفضى الى تحرر الرغبات من كل قيد واستحالة قبولها لأي نوع من أنواع الضوابط في ظل الإمكانات الهائلة لذلك التقدم السريع.
وأمام مثل ذلك ظلت حالة الأزمة واللامعيارية هي حالة دائمة ومستمرة ولم يكن عام 2011م الا تعبيراً عن اكتمالها واشتعالها، فقد كان الطمع ظاهراً، والجشع منتشراً ومستمراً من قمة الهرم الى قاعه وجذوره دون أن يكون هناك حدود له، وعندما نقارن الواقع بأحلام الناس يبدو عديم الجدوى وبلا قيمة.. وأمام مثل ذلك هجر الإعلام كحامل موضوعي للواقع وبواعثه الحقيقة والتبس في خطابه المفهوم وشاعت في مفرداته نوايا الزيف والتضليل وتلك حالة ماتزال مستمرة.
ومعالجة مثل ذلك الاختلال- كما عبر عنه فقهاء علم الاجتماع- تكمن في انتظامنا من أجل أن نحقق في ذاتنا الخصائص اللازمة للنمط الجمعي، وعدم التفرد بأي شيء، فالحقيقة الثابتة أن كل شعب يصنع لذاته فكرة خاصة تعبر عن مزاجه الخاص أو تنبع منه، كما أنه يعرض فكرته طبقاً لتصوره الذاتي وهذا يفسر لنا- كما يقول علماء الاجتماع- إن لكل دولة مدرستها الخاصة في الفلسفة الأخلاقية التي تمتثل لطابعها القومي ولهوية وطنها، ولعل من أهم وظائف مثل ذلك هو منع إثارة الضمير الجمعي وبالتالي المحافظة على التضامن الاجتماعي إذا تمتعت بالطابع الأخلاقي وفي المقابل يكون التسامح إزاء الذنوب التي تهدد المشاعر الجمعية العميقة خطأ سيؤدي الى تفكك المجتمع، واختلال توازنه ومن ثم فإنه من الضروري أن تحدث مواجهة مباشرة لهذه الذنوب بواسطة الاستعانة بردة الفعل المكثف الذي يرتبط بالقواعد الأخلاقية المعبرة عن الضمير الجمعي.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:02 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-41928.htm