الميثاق نت -   الأحداث الدراماتيكية المتسارعة في العاصمة صنعاء، قفزت بالمشهد السياسي اليمني عموما من حالة الحديث عن عملية سياسية لانتقال السلطة في البلاد، والخلاف على مضمون مسودة دستور وعن اتهامات متبادلة في

الثلاثاء, 27-يناير-2015
الميثاق نت- منصور احمد الغدرة: -
الأحداث الدراماتيكية المتسارعة في العاصمة صنعاء، قفزت بالمشهد السياسي اليمني عموما من حالة الحديث عن عملية سياسية لانتقال السلطة في البلاد، والخلاف على مضمون مسودة دستور وعن اتهامات متبادلة في التنصل من تنفيذ مخرجات الحوار واتفاق السلم والشراكة، إلى الحديث عن تعدد سيناريوهات محتملة ومخيفة تتعلق بمصير مستقبل اليمن الذي صار اليوم محفوفاً بالمخاطر.لما آلت إليه الأوضاع في البلد، والفراغ الدستوري المحتمل الذي أنتجته استقالتا رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، ورئيس الحكومة خالد محفوظ بحاح، وأعضاء الحكومة، عقب احداث دار الرئاسة بين الحماية الرئاسية وأنصار الله الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء منذ الـ21 ستمبر الماضي- وانتهاء بأعلى هرم لرمزية سيادة الدولة،
من خلال استيلائهم على دار الرئاسة- واستيلائهم على معسكرات ألوية الحماية الرئاسية ودار الرئاسة، وقبل ذلك حادثة اختطاف مدير مكتب الرئاسة، الدكتور احمد عوض بن مبارك، الأمر الذي أدى بالأوضاع الأمنية والعسكرية، وتداعيات خطيرة تكاد تعصف بالمشهد والعملية السياسية برمتها.
هذه الأحداث المتلاحقة وضعت مستقبل اليمن على مفترق طرق، وقفزت بالأوضاع في البلد إلى منعطفات خطيرة، خاصة مع بروز دعوات للتفكك والتمزق والدعوات الانفصالية والنعرات الطائفية والمناطقية المقيتة.. ما دفع بعامة الناس في اليمن إلى البحث عن إجابة عن السؤال الأهم: من يقف وراء هذا الوضع الذي أوصل اليمن إلى ما وصلت اليه اليوم من مشهد محزن..؟!.
وللإجابة على هذا السؤال، أن جميع أطراف العملية السياسية بما في ذلك الرئيس هادي وجماعة الحوثيين، وكذا القوى المتنفذة واللاعبة في الساحة الوطنية في الداخل اليمني وفي الخارج- الأطراف الإقليمية والمجتمع الدولي- وفي مقدمة ذلك، مجلس الأمن الدولي والمبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، والأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وسفراء الدول العشر الراعية، فجميع هؤلاء مشاركون في الوضع الذي وصل إليه اليمن اليوم من مأزق مفتوح على كل السيناريوهات المخيفة المدمرة للمشروع الوطني في إيجاد دولة يمنية مدنية وحديثة يسودها العدل والقانون وتحفظ لليمن وحدته وتحقق له أمنه واستقراره، وبالتالي ازدهاره ورفاهية أبنائه وأجياله القادمة..
فدول مجلس التعاون الخليجي التي تبنت خطة لنقل السلطة وحل الازمة التي نشبت في اليمن مطلع عام 2011م- من خلال تقديمها المبادرة الخليجية- للاسف- مشاركة في هذا الوضع الذي تعيشه اليمن اليوم، كونها قدمت مبادرة لنقل السلطة ولم تتحمل مسئوليتها القانونية والأخلاقية في ترجمتها على ارض الواقع والإشراف على تنفيذها بنداً بنداً وخطوة خطوة وفق المدد الزمنية، والتي كان يفترض بالجميع الالتزام بها وعدم مخالفتها، بغض النظر ان كانت هذه الجماعة أو تلك الأطراف موقعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ام لا.. لان المسألة هنا تتعلق بخطة بناء مستقبل اليمن، وبالتالي عليك إما أن تكون مع القوى والمكونات التي تبني هذا المستقبل وفي إطاره العام والآليات المنظمة لتنفيذ هذه الخطة، أو أن تكون خارج الطابور، وبالتالي فلا يحق لك ان تضع في طريقه العراقيل والعقبات ولا تقترب من سوره.. كما هو حال بعض المكونات التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني، التي تتبرم عند الحديث عن ارتكابها أعمال تخالف التسوية السياسية وتتذرع بأنها لم تكن موقعة على المبادرة الخليجية التي تقوم عليها العملية السياسية في اليمن..
ومثل هذه الازدواجية خلقت إشكالية ولامبالاة لدى المكونات والقوى السياسية، بل والتسابق على ارتكاب التجاوزات، في ظل تساهل وعجز واضحين من قبل الدول الراعية والمبعوث الدولي في ايجا د آلية تفسيرية للمبادرة واليتها التنفيذية وإجراءات رادعة لكل المخالفين، بالإضافة إلى عدم الوفاء بالتزاماتهم في تقديم الدعم اللوجستي لليمن وعلى وجه الخصوص الدعم المالي، باعتبار أن الأزمة في اليمن هي اقتصادية بالدرجة الأولى.
وساهم في تخاذل دول الخليج، تلك الخروقات والتجاوزات التي ارتكبها ممثل المجتمع الدولي والمبعوث الاممي إلى اليمن، في مخالفته للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والذهاب الى عقد صفقات واتفاقات جانبية أدت الى الانحراف بالعملية السياسية، بالإضافة إلى تقاعس المجتمع الدولي ومجلس الأمن، وعدم اتخاذه أية إجراءات رادعة من شأنها أن تساعد الأطراف على الحل وتشجع اليمنيين على المضي في العملية وإخراج اليمن من واقعه المتأزم، بل كانت إجراءات مجلس الأمن الدولي، قد شجعت الأطراف اليمنية على ارتكاب المزيد من العراقيل والخروقات للمبادرة، والتي مع الأسف- اتخذها مجلس الأمن الدولي والقوى الفاعلة في السياسة الدولية، جسرا للابتزاز السياسي من خلال توجيهها للتسوية السياسية بما يخدم مصالحهم في المنطقة، فجعلوا من العملية السياسية في اليمن سوطا لجلد من يريدون، وسيفا مسلطا على رقاب اليمنيين، ليس إلا..
وكل ما استطاع مجلس الأمن الدولي فعله هو معاقبة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام، دون ان يستطيع ان يقول للعالم حيثيات تلك العقوبات والدلائل التي استند إليها المجلس في إصدار قراراته، رغم انه يدرك مسبقا ان العقوبات وتوقيتها لا جدوى منها ولن تحل المشكلة في اليمن ولا تخدم العملية السياسية، بل على العكس من ذلك فقد عقدت الأزمة، ونسفت التسوية السياسية في البلد وأوصلت الأوضاع باليمن إلى ما نحن عليه اليوم من أزمة مستفحلة ارتفعت فيها النبرات المناطقية والطائفية القبيحة والمذمومة وأوجدت شرخا غائرا في النسيج الاجتماعي وتهدد وحدته وتمزيق اليمن ليس إلى شطرين، وإنما إلى كيانات ودويلات.
وأمام شراهة الانتقام والثأر وحالة الانتهازية المفرطة التي بدت عليها بعض القوى السياسية اليمنية، كحزب الإصلاح والذي تعامل مع التسوية السياسية وكأنها خاصة به ولا تعني الآخرين، فأظهر شراهة بالانفراد بالعملية السياسية والسيطرة على مكاسبها من خلال إقصائه للجميع بما في ذلك شركائه في تلك الأزمة التي كانت المبادرة الخليجية نتاج لها.. الا أن حزب الإصلاح بمختلف أجنحته، خاصة القبلية والعسكرية اعتبرت ان الكعكة والمكاسب التي أتت بها التسوية حق حصري وملكية خاصة به ولا نصيب فيها لبقية القوى السياسية وأطراف العملية السياسية، معتقدا انه لو لم يكن موجودا لما كان هناك احتجاجات ولا أزمة ولا انتقال للسلطة في اليمن، فذهب الى ممارسة الضغوطات على الرئيس ومخاطبته صراحة أنه هو من أتى به، وعليه الاستجابة لمطالبه مهما كانت مجحفة واقصائية بحق الشركاء الآخرين، ليصل به الأمر إلى حد تهديد الرئيس تارة باقتلاعه من كرسي الرئاسة وتارة بالإطاحة به كما حصل مع سلفه ان لم يلب مطالبه ويصدر قرارات تمكنه من السيطرة على مقاليد السلطة والقرار السياسي في البلد، وتزامن هذا مع هوس سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على السلطة في مصر، وكأن الجماعة في البلدين في عملية سباق مارثوني، الأمر الذي أثار مخاوف الشعوب والأنظمة على حد سواء في المنطقة والعالم ككل من القوى الصاعدة والمتطرفة المتمثلة بالإخوان، فكان هذا الطمع كالقشة التي قصمت ظهر بعير جماعة الأخوان وحلفائها في جمهوريات ما يسمى بالربيع العربي..
ولم يكمل الإخوان عامهم الأول في السلطة الا وقد خلقوا لهم اعداء كثر يطمحون للانتقام من الجماعة اليوم قبل الغد، فتحالفت عامة القوى السياسية من مختلف الأطياف والتيارات المتوائمة والمتعارضة في التوجهات والمذاهب للإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات والأحزاب والجماعات المتحالفة معها في دول المنطقة العربية، واليمن إحداها.. لكن الطريقة التي تم التخلص بها على الإخوان كانت خاطئة، وقراءتها سلبية من قبل كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي تحالفت مع جماعة مسلحة عنيفة ومسلحة وعقائدية للقضاء والتخلص على جماعة متطرفة وعقائدية أيضاً.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن دور الرئيس هادي ومساهمته في ما آلت إليه الأوضاع في البلد اليوم، باعتباره المسئول الأول الذي يحظى بدعم محلي رسمي وشعبي ودولي وإقليمي، كان بمقدوره أن يستغل كل هذه المقومات في إدارة شؤون الحكم، وقيادة عملية انتقال السلطة، متجاوزا كل الضغوطات والعثرات التي معظمها كانت من فعل أخطائه ومثالبه التي كانت مصدرها حالة عدم الثقة بمن يمكن ان يكونوا سنداً ودعماً له، وأحاط شخصيته بسياج صنمي من المتمصلحين الذين قادوه- للأسف- الى مثل كهذا وضع لا يسر عدو.
ورغم أن القوى السياسية في الساحة الوطنية، لم تساعد الرئيس هادي في إخراج اليمن من حالة التأزيم، التي ظلت تتمترس خلف مواقفها الإيديولوجية وتلهث وراء مصالحها الضيقة وطموحها في الاستحواذ والسيطرة على كل شيء، ما دفع بهادي إلى ممارسة أساليب مشابهة ومتفوقة على أساليبها في بعض الأحيان والتي كان من نتائجها انهيار لمؤسسات الدولة اليوم بهذه الصورة المفزعة.. والسبب الآخر في سلبية الرئيس هادي لإدارته المرحلة الانتقالية، انه لم يجعل الشفافية والوضوح والمكاشفة للرأي العام عن ما كان يتعرض له من ضغوطات من قبل اطراف في العملية السياسية ومراكز القوى، وما يدور وراء الكواليس من صفقات يضطر اللجوء اليها في مواجهة تلك الضغوطات، نتيجة غياب الثقة المفقودة فيما بين القوى السياسية، وبدلا من ان يعمل على خلق مثل هذه الثقة ذهب بنفسه مع بقية القوى السياسية إلى التمترس وراء المواقف والخلافات والخصومات الماضية مع هذا الطرف او ذاك، ما دفع في نهاية المطاف الى ان يلعب على بعض ملفات الخصومات والصراعات السياسية وتصفية الحسابات من خلال استخدام (سياسة فرق تسد)، يضرب هذه القوى بتلك، وذلك وفق حسابات خاطئة أدخلت المليشيات المسلحة الى عاصمة الدولة التي يحكمها الرئيس هادي والسيطرة على معسكرات واسلحة الجيش التي جعلت منها قوة لا يستهان بها في فرض سيطرتها على مفاصل الدولة والسيطرة على مقر كرسي حكمه.
وكان لمعايير الازدواجية وغير المنطقية التي تعامل بها الرئيس مع المؤسستين الدفاعية والأمنية، اللتان كان يفترض به ان يطوعهما لخدمته ومساعدته في إدارة البلاد، من خلال عدم إظهاره للمنتسبين في هاتين المؤسستين أي ضغينة او عداوة تستقصدهم وتستهدفهم بقرارات لا تؤدي إلى الرفع من قدراتهم القتالية، ولكنها قرارات محبطة لمعنوياتهم وقاهرة لقوتهم، ليس لشيء فقط لأن الوظيفة والأقدار جعلتهم تحت إمرة هذا القائد او ذاك، فتم تصنيفهم على أنهم من أتباع هذا الطرف أو ذاك الطرف، وهي حسابات خاطئة اودت الى تدمير المؤسسة العسكرية والأمنية التي تعتبر السد المنيع لاى تهديد لسيادة الاوطان، وحامية للنظام والأمن العام في كل الأنظمة حتى في الانظمة الديمقراطية، فالجيش والامن هما العمود الفقري وصمام الأمان لارساء وثبات الحكم.
واذ ما استخدمتا هاتين المؤسستين في السياسية كورقة ضغط في إطار لعب النخب السياسية واستخدامها في تصفية الخصوم، او يتم استخدامها للتخلص منها بطريقة سخيفة ومبتذلة، كما حدث مع قوات الجيش والأمن في الأحداث التي شهدتها الفترة الماضية في مناطق محافظة عمران وما بعدها الى ان وصل الامر الى داخل دار الرئاسة، فضلا الى كونها في الأول والأخير دماء يمنية تسفك وأرواح يمنيين تزهق، فهي أساليب وطريق مهينة لعزة وكرامة الجيش، تقتل فيه المعنويات ولا يمكن لأي قائد عسكري مهما كانت قدراته وخبراته العسكرية أن يخوض به معركة ولو كانت هذه المعركة مع الضفادع.. بالإضافة إلى انه لا يمكن لها ان تدفع عنك أي اعتداء في الغد مادام وأنت قد جعلت منها بالأمس دماء رخيصة في لعبتك السياسية وأنها مجرد مسخرة للهو ومكنت مليشيات شعبية من سلاحها..!!
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-41939.htm