بقلم/ عبده محمد الجندي - لم يكن الإعلان الدستوري الذي أصدرته اللجنة الثورية بعد ظهر الجمعة مفاجأة غير معلومة للمكونات السياسية المشاركة في حوار الموفمبيك بالقياس الى نفاد المهلة الصادرة عن الاجتماع الوطني الموسع وما أضيف اليها من الزمن، لأن من كانوا سبباً في إفشال ذلك الحوار كانوا يعتقدون خطأً أنهم الأشطر والأقدر على تحقيق ما اعتادوا عليه من المكاسب السياسية حتى ولو كانوا في موقع المهزوم وكان من يختلفون معهم في موقع المنتصر هؤلاء الذين تبادلوا الأدوار وفرطوا في ممارسة التكتيك والمناورة لم يضعوا بحساباتهم أنهم أمام قوى صاعدة تدرك ما وراء هذا النوع من الذكاء والشطارة ولم يضعوا على الإطلاق في حساباتهم وهم يتمترسون خلف من يزعمون أنهم ثوار الأمس أن ثوار اليوم سوف يفاجئونهم بهذا النوع من القرارات الجريئة سحبت من تحت أقدامهم ما تمترسوا خلفه من شرعية ثورية وحولتهم من شركاء الى أُجراء يبحثون عن قدر ولو قليل من الشراكة في السلطة،
ولكن من موقع الأجير وليس من صاحب الحق في الشراكة الذي يقف على قدر متساوٍ من الندية.. حتى أعضاء مجلس النواب الذين رفضوا الاستجابة لدعوة رئيسهم لمناقشة استقالة رئيس الجمهورية أخذتهم العزة بالإثم ودفعت بعضهم الى مواقف متعددة ومتناقضة أفقدتهم ما بقي لهم من الشرعية الدستورية سوف يجدون أنفسهم مضطرين للالتحاق بعضوية المجلس حتى لا يجدوا أنفسهم خارج العملية الحسابية يتمسكون بعضوية سلبت منهم في لحظة تردد ناتجة عن غياب الإحساس بالمسؤولية الوطنية، وقد تكون ناتجة عن استهانتهم بما يتحملونه من مسؤولية تحتم عليهم عدم الربط بين الحسابات الذاتية والحسابات العامة.
أعود فأقول إن مواقفهم سوف تكون بالطبع انعكاساً لمواقف الأحزاب التي ينتمون اليها ولو بعد حين، لأن العملية السياسية مازالت محاطة بالكثير من الاشكاليات الداخلية والخارجية التي تجعل اللجنة الثورية التي أصدرت هذا الاعلان الدستوري أمام الكثير من الصعوبات والتحديات الأمنية والاقتصادية، لأن الاستعجال مهما كانت ضروراته قد يكون له أيضاً بالمقابل عواقبه الكارثية الوخيمة الموجبة للتعقل والصبر ومن تلك العواقب ما أعلنته الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية من قطع للمساعدات وعدم الاستعداد للاعتراف بالقيادة اليمنية الجديدة التي ستكون أمام فترة انتقالية الجهود فيها شاقة والتضحيات مؤلمة تجعل خيار عدم المشاركة في الحكم أفضل من خيار المشاركة في الحكم وتجعل خيارات الصراعات والحروب الأهلية قائمة ومدعومة من القوى الاقليمية والدولية بقوة لتصفية حسابات دولية لا ناقة للشعب اليمني فيها ولا جمل.
ومهما كانت جماعة أنصار الله متسرعة في إصدارها للإعلان الدستوري فإن الإعلان من وجهة نظرها- قد يكون أفضل من التطويل في حوار له بداية وليس له نهاية في وقت تستشعر فيه طبيعة المسؤوليات الوطنية الملقاة على كاهلها تجاه الملايين من البؤساء والمحتاجين الذين وضعوا على كاهل أنصار الله تحقيق كل ما لديهم من التطلعات والآمال التي جعلتهم يؤيدون هذه الثورة بكل ما لديهم من قدرة على التضحية بالجهود وبالمال وبالدم الذين يحسبون الغد بالدقائق والساعات والأيام، أي أن هؤلاء البؤساء الذين تقدموا الصفوف الثائرة في جميع الميادين الحقوقية والقتالية لم يعد بمقدورهم الانتظار بما سوف ينتج عن حوار الطرشان من نتائج بعيدة المنال لأنهم بأمس الحاجة الى الأفعال المحسوسة والملموسة التي يلمسونها في حياتهم ومعيشتهم اليومية، وإلا وجدوا أنفسهم متهمين بما أُتهم به من قبلهم من ثوار الإصلاح الذين وعدوا الشباب بجنة قطوفها دانية ولكنهم لم يحصدوا من حكومتهم المبجلة سوى إضافة فساد الى فساد ومعاناة الى معاناة وفقر الى فقر وظلم الى ظلم وإحباط الى إحباط أصبحوا من جراء تراكماته قاب قوسين أو أدنى من اليأس والموت.
قد يقول البعض إن كل ما أمكن استخلاصه والخروج به من حوارات موفمبيك المكوكية سلسلة من التناقضات التي وصفوها بنوع من السياسة الباطنية التي تظهر غير ما تبطن وتقول عكس ما تفعل.
المشترك وشركاؤه يتحاورون ويتظاهرون ويحرصون على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية السهلة وأنصار الله وحلفاؤهم يتحاورون ويعقدون المؤتمر الوطني الموسع لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية، والمؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه يتحاورون ويصرون على التمسك بالدستور وبحق مجلس النواب في إقرار اتفاق يتوصل اليه المتحاورون لتحقيق ما أمكن تحقيقه من المكاسب السياسية ولو كانت قليلة، والحراك الجنوبي السلمي يتحاور ويتظاهر برفضه للحوار ما لم تعد الأوضاع الى ما قبل 21 سبتمبر 2014م ودافعهم تحقيق ما يمكن تحقيقه من المكاسب السياسية، التي تغلب مصالح الأحزاب على مصالح الشعب، وأمام رغبة البعض في إفشال ما تم التوصل اليه من الحوار أعلن أنصار الله الإعلان الدستوري الذي قضى بحل مجلس النواب، وهكذا أصبحت المكونات السياسية اليمنية الموقعة على اتفاق السلم والشراكة تلاحق الإعلان الدستوري بعد أن أفرطت في ممارسة هذا النوع من الباطنية التي تؤكد أن لكل ظاهر باطن يتناقض معه ويستخدمه للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية التي لها بداية وليس لها نهاية تنقل الشعب اليمني من المعتركات الصعبة للمراحل الانتقالية الثورية الى مرحلة الشرعية الدستورية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الحرة.
حوارهم الآن حول المشاركة في المجلس الوطني الذي سيقوم بانتخاب المجلس الرئاسي يحل محل رئيس الجمهورية سيكون من مهامه تشكيل حكومة الكفاءات.. هذا الوضع الباطني لا ينحصر في نطاق الحركة التكتيكية للمكونات السياسية بقدر ما نجده في حالة انتقال موازية للكتل البرلمانية التي نستدل منها على تباين في المواقف بين من يعلقون اجتماعاتهم وبين من يغيرون أماكن اجتماعاتهم ويرشحون تعز أو عدن بديلاً للعاصمة بصورة مخالفة للدستور والقوانين النافذة، رغم أن الأغلبية الساحقة من نواب الشعب كانوا في حقيقة الأمر جاهزين لعقد اجتماعاتهم في عاصمة الدولة إذا وصلت المكونات السياسية الى طريق مسدود في حواراتهم التي تجرى برعاية أممية مباشرة.
أعود فأقول إن الشعب اليمني الذي أرهقته هذه الصراعات والمكايدات والمناورات التكتيكية المملة لم يعد يثق بأن هذه القوى المتشاكلة والمتخاصمة والمتهالكة على الغنائم سوف تتوصل الى الاتفاقات الممكنة والمتاحة، وإذا حدث ذلك بضغوط داخلية وخارجية وإرادة سماوية فسوف تجد نفسها أمام خلافات وحوارات جديدة حول شخص من يقع عليه الاجماع ليكون رئيساً لمجلس الرئاسة وقبل ذلك على كيفية تقاسم أعضاء هذا المجلس، ناهيك عن حوارات تحتمل الكثير من الخلافات حول رئيس وأعضاء حكومة الإنقاذ الوطني، فهبت اللجنة الثورية الى إنقاذ الوطن من الدوامة الفوضوية بهذا النوع من حوار الطرشان سنتين الى الأمام، وحتى ذلك الحين سيجد الشعب نفسه مطالباً بالمزيد من الصبر والانتظار على باب الحاجة الأحر من الجمر في وقت لم يعد لديه ما يساعده على تحمل مشاق الصبر والانتظار وقد تحولت الحاجة الى جمر تحرق ما تبقى لديه من القدرة على التضحية والصمود على ما بقبضته من الجمر والأوجاع الناتجة عن الحريق.
في وقت أكدت فيه التجارب أن الدهر لا يأتي بالأحسن من القيادات السياسية في مواقع الدولة المختلفة حيث كانت حكومة مجور أفضل من حكومة باسندوة وحكومة باسندوة أفضل من حكومة بحاح.
وهكذا أصبح الشائع من التوقعات أن القادم هو الأسوأ على قاعدة «ليس بالإمكان أفضل مما كان».. ومعنى ذلك أن العطار لا يستطيع إصلاح ما أفسده الدهر، وأن المكونات السياسية التي أجازت لنفسها حق الاستيلاء على السلطة بشرعية ثورية سابقة ولاحقة.
أعود فأقول: إذا كان توافق المكونات السياسية على ما تحتاجه أزمة الإعلان الدستوري من الأمور المهمة بشكل عاجل وسريع للغاية فإن الأهم من ذلك أن تكون هذه المكونات المتوافقة وغير المتوافقة صادقة في تنفيذ ما تتوصل اليه من الحلول النظرية ومقتنعة بما حصلت عليه من الشراكة، لأن غياب المصداقية والقناعة سوف يعيد الأزمة المركبة الى مربع البداية السابقة للحل.
وبدون المصداقية والقناعة سوف يحتم على هذه المكونات السياسية المتناقضة أن تدخل في صراعات جديدة تضيف للشعب معاناة جديدة وأوجاع أكثر إيلاماً من الأوجاع السابقة في وقت لم يعد لديه من المناعة والقدرة على المقاومة والصمود ما يجعله قادراً على الدخول في مواجهات لا ينتج عنها سوى المزيد من الآلام والأوجاع والمعاناة القاتلة للصمود والتصدي لهذا النوع من المحن.
نعم لقد أصبح الواجب يحتم على جميع الساسة والقادة الذين كانوا يتفاوضون بسوء نية في الموفمبيك أن يقدموا حسن النية على غيره من الخيارات إذا رغبوا في العودة الى التفاوض بدافع الرغبة في الحصول على مكانة مناسبة تعيد لهم الاعتبار الذي افتقدوه في أوساطه من المؤيدين والأنصار الذين يقررون المواقع التي يحتاجون اليها في أية منافسات انتخابية قادمة، لأن المرحلة الانتقالية الثانية لا يمكن لها أن تنتهي الى مرحلة انتقالية ثالثة بعد أن أصبح الحديث عنها أو التفكير في اللجوء اليها ضرباً من المستحيلات غير القابلة للتكرار من النواحي الوطنية والإقليمية والدولية أما إذا كان الفشل الأمني والاقتصادي في هذه المرحلة سيكون أقرب الطرق الى التحول الحتمي من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية المبكرة تحت ضربات الجماهير، وقد لا تجد اللجان الثورية القدرة والسعة ما يجعلها قادرة على استكمال الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية الثانية سواء أفضت الى نجاح أو إلى فشل لأن الشعب الذي يدرك بأن حقه سلب منه بدون رضاه سوف يجد نفسه مضطراً للبحث عما هو بحاجة اليه من المعالجات والحلول الكفيلة بتمكينه من استعادة حقه في انتخاب قياداته التشريعية والتنفيذية على نحو يعيد له ما افتقده من حق الانتخاب وحق الترشيح في ظروف استثنائية فرضت عليه رغم إرادته بعض الوقت.
أقول ذلك وأدعو اللجان الثورية الى مراجعة حساباتها وتوخي الدقة في اختيار من ستقع عليهم تحمل أعباء المسؤولية سواءً في المجلس الوطني أو في مجلس الرئاسة أو في حكومة الكفاءات لأن الفشل سوف يكون مدوياً من قبل من أخرجوا أنفسهم عما وقعوا عليه من اتفاق السلم والشراكة وبدون علاقات خارجية مثمرة سوف يكون عليهم تحمل الكثير من الأعباء المادية التي تحتم عليهم إعطاء الأولوية للكفاءات الاقتصادية في أجواء أمنية مستقرة وبيئات اقتصادية جاذبة للاستثمار والسياحة في عالم لم يعد يقبل بهذا النوع من الشرعيات الثورية والأيديولوجية المندفعة بالشعارات النظرية المتطرفة.
وإن من أولويات اللجان الثورية الممسكة بزمام القرار السياسي والعسكري الابتعاد عن الدخول في صراعات وحروب ناتجة عن إحياء الثارات الانتقامية الأكثر من أن تحصى.
تحت شعار التصالح والتسامح وما ينتج عنه من شعار العمل أولاً وبعد التفلسف بعيداً عن النبش في الماضي والدخول في صراعات مذهبية وطائفية وقبلية وعشائرية ومناطقية تجعل الحفاظ على الوحدة الوطنية واستعادة ما تهدم من أركانها بعيدة المنال.
أخلص من ذلك الى القول بأن من واجب اللجان الثورية التابعة لأنصار الله أن تجعل أبواب المشاركة والشراكة مفتوحة والطريق الى التصالح والتسامح والتعاون والتكامل والتكافل مفتوحة ومعبدة إذا أرادت البقاء للأصلح والأفضل.
|