عبدالرحمن مراد -
دلَّتْ تجاذبات الأحداث التي مرَّ ويمرُّ بها الوطن أن المؤتمر هو الحزب الوطني الوحيد الذي يخلص الاخلاص كله لليمن الأرض والانسان.. وقالت تلك الأحداث إن المؤتمر لا قضية تشغله سوى القضية الوطنية من حيث الاستقرار والنهوض وقد رأينا كيف تفاعل مع تموجات اللحظة رغم امتلاكه زمام المبادرة ومفردات اللعبة لكنه آثر التناغم والاستقرار حباً في الوطن وليس ضعفاً أو استسلاماً للشروط الموضوعية التي فرضها الواقع،
بل أكاد أذهب الى القول إن المؤتمر كان جزءاً مفصلياً وحيوياً في شروط اللحظة السياسية، ولم يكن من الضعف بالمكان الذي يقبل المبادرات بل كان في المكان الذي يصنع المبادرات ويفرضها كواقع له مرجعياته القانونية والدستورية ولكنه ذهب الى التوافق طمعاً في استقرار اليمن.. في حين آثرت بقية الأحزاب استمرار حالة الفراغ أملاً منها في تشظي الوطن، وارتهنت أخرى لأجهزة استخباراتية خارجية وعملت على تمديد فترة الفراغ الدستوري بقصدية واضحة ومفضوحة وكانت تهدف من اطالة مدة الفراغ الى تمتين خط الدفاع الأخير في «نخلا» والسحيل» واستغلال حالة الفراغ في تعزيز جبهاتها القتالية ظناً منها أن تلك المعركة- وهي معركة قادمة ومتوقعة ولن يطول أمد انتظارها أو انفجارها- ستكون هي الحاسمة التي تحمل رايات الثأر السياسي وتعيدها الى كراسي السلطة والهيمنة التي كانت عليها قبل «21 سبتمبر 2014م» ولا أرى أولئك إلاّ واقعين في وهم كبير وقد تغرهم أمانيهم، وغرور الأماني مهلكة كل حركة اجتماعية أو ثقافية أو سياسية نشأت في كل حقب التاريخ المختلفة.
ولعل أغرب موقف كان موقف اللقاء المشترك فالمبرر الموضوعي له هو خوف عودة المؤتمر الى السلطة من خلال المرجعيات الدستورية ومثل ذلك الموقف دال على حالة «العَمَهْ» الثوري الذي تحدثنا عنه كثيراً على صدر هذه الصحيفة، وسيرى أولئك أي منقلب سينقلبون، فالقضية لم تعد بالقيم المنفلتة والمبادئ المطاطية ولا هي بالتضليل نفسه الذي كان عاملاً مهماً في التمكين لهم إبان الأزمة السياسية الأولى «11 فبراير 2011م- 21 سبتمبر 2014م» بل قد تقشعت الغيوم بعد «21 سبتمبر» عن قضايا لم تكن تدور في بال أحد وهي قضايا عملت على ترميد مستقبل بعض القوى، ولذلك فخيار الحرب الذي تذهب اليه في مأرب هو خيارها الوحيد، وكعادته الاصلاح يخوض حروبه تحت اسماء وهمية أو كيانات مؤسسية سواءً أكانت رسمية كالجيش كما حدث ذلك في عمران أو اجتماعية كالقبائل في مأرب.. ويبدو حضور قطر من خلال التهيئة للجزيرة والتواجد من قبل اشتداد أوار المعركة وتكاد أن تكون الحدث هي الموجه الاستخباراتي والناطق باسم قبائل مأرب وبين قوسين الاصلاح، وأمام كل ذلك الصلف والغباء الذي مثله اللقاء المشترك في تفاعله مع الأحداث يبقى المؤتمر هو الطود الوطني الشامخ الذي يمتد بجذره الثقافي والحضاري الى اليمن التاريخي.
لقد راهن الذين خرجوا على المؤتمر في 2011م على فناء المؤتمر لكن المؤتمر ظل عصياً على الفناء والتماهي وتكمن قدرته على البقاء في تمثيله للهوية الوطنية فهو الحزب الوطني الوحيد الذي يتفاعل مع محيطه الاقليمي والعالمي من منطلقات وطنية وليس له امتدادات اقليمية أو عالمية ولكن امتدادات حضارية وثقافية وتاريخية تشكل عوامل قوة واستمرارية وطاقة متجددة قادرة على التفاعل وعصية على الترمُّد والفناء، والترمُّد الذي طال ما يماثله من الأحزاب في الدول التي شهدت حركة الاضطرابات إبان عام 2011م كان بسبب اغتراب تلك الأحزاب عن واقعها الجديد وواقعها التاريخي وامتدادها الثقافي والحضاري، كما أن حالة الانكسار التي تشهدها الأحزاب والتنظيمات التي قادت حركة الاضطربات في 2011م في كل دول ما يسمى بالربيع العربي قد دلت على غياب المشروع النهضوي ودلت على حالة التنافر والتضاد مع النسيج الاجتماعي والامتداد الحضاري والثقافي للبلدان، والأمَرّ من كل ذلك هو ما كشفه الواقع لنا، فقد قالت متواليات أحداثه ومظاهرات هيكلة الجيوش أن الاخوان كانوا أداة تدمير وفوضى بيد الأجهزة الاستخباراتية بهدف تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال منهج «الفوضى الخلاقة».
ويبقى المؤتمر هو الحزب الوطني الرائد الذي يثبت مع كل طلعة شمس أو تفجُّر حدث أنه التعبير الأمثل والصادق عن هذا الوطن اليمني الكبير والعصي على الانكسار والهزيمة.