محمد علي عناش -
الحقيقة البارزة والجلية في الأزمة اليمنية المتداعية منذ فبراير 2011م والذي أخذت اليوم منحى خطيراً وكارثياً بإعلان أنصار الله للإعلان الدستوري، هي غياب المشروع الوطني وغياب العقل السياسي اليمني بأفقه الواسع والمرن، مقابل حضور وطغيان الأهداف والأجندات والمشاريع المأزومة، والعقل السياسي الانتهازي والتصفوي للآخر، وبالتأكيد في هذه الحالة يغيب الوطن وتستنزف الامكانات وتتغول المشاكل والقضايا، ويصبح الواقع الاجتماعي بيئة خصبة للفرز والاستقطاب على أساس طائفي ومناطقي وبيئة لنمو وانتشار تنظيم القاعدة الإرهابي.
ومن ناحية أخرى كان استمرار الأزمة اليمنية دونما حلول جادة ومسئولة ودونما انبثاق مشروع وطني يلتف حوله الجميع، يتضمن الحفاظ والتمسك بالثوابت الوطنية والدستورية رغم المبادرات والاتفاقيات والمؤتمرات، هو انعكاس حقيقي لأزمة أحزاب وقوى وطنية وأزمة نخب وقيادات تاريخية، هي من أفشلت المبادرات والتسويات التي كان يمكن أن تصنع لحظة يمنية تاريخية وتحقق تداولاً سلمياً للسلطة وتتلافى التداعيات الخطيرة التي حدثت وأصبحت تهدد بشمولية جديدة وتزعزع النهج الديمقراطي والسلم الاجتماعي.
فالأحزاب التي صعدت على أكتاف الشباب لم تكن عند مستوى المسئولية الوطنية، عندما نزلت الى الساحات في 2011م وعندما حكمت وعندما فاوضت وجلست الى طاولة الحوار ووقعت على الاتفاقيات، لم تتعامل مع هذه المحطات باعتبار اننا في مرحلة جديدة بما تفرضه من توجه نحو بناء الدولة وتعزيز الأمن والاستقرار لأحداث التغيير المنشود ومعالجة كافة القضايا العالقة وفي مقدمتها القضية الجنوبية وقضية صعدة، وإنما تعاملت طوال أربع سنوات بروح الانتقام وتصفية الحسابات وحياكة التآمرات ضد أشخاص بعينهم وطرف بعينه، كما تعاملت مع أخطاء وفساد هذه السنوات بسلبية ولا مبالاة وتبرير للفساد والفشل، واللجوء الى ممارسة التضليل والبحث عن كبش فداء للمخربين والفاسدين واخطاء الهيكلة وتوسع القاعدة وافلاس الخزينة والمعرقلين الحقيقيين للمرحلة الانتقالية.
حتى اللحظات الأخيرة من الأزمة التي فجرتها استقالة الرئيس هادي وحكومة بحاح،
والتي لم نكن نحبذ أن يتوجه أنصار الله باصدار الاعلان الدستوري المتجاوز للشرعية الدستورية الممثلة بمجلس النواب والتمديد لمرحلة انتقالية عمرها سنتان وقد تكون مفتوحة بحسب الظروف وحسب عدم التعارض مع الاعلان الدستوري، لم يكن الوطن حاضراً ولا المشروع الوطني ولا العقل السياسي المرن الذي ينطلق من الحفاظ على الثوابت الوطنية والدستورية وعدم المساس بها أو تجاوزها، حاضراً لدى هذه الأحزاب في موفمبيك، بقدر ما حضرت مشاريعها وأجندتها التحالفية، وحضر العقل السياسي المأزوم الذي تعود على الابتزاز والحيلة، ففي موفمبيك تكشفت الأوراق والحقائق وتعرف مواقف الأحزاب وطريقة تفكيرها وخياراتها في حل الأزمة، والقضايا اليمنية برمتها.. لتبدو في النهاية في ذروة افلاسها وأنها مجرد أحزاب تأزيم وعرقلة لا أحزاب مسئولة، بما يعني أن شقاً كبيراً من الأزمة اليمنية كان يخفي طوال أربع سنوات انكشف جلياً هذه الأيام في موفمبيك.
كان من الضروري أن نذكر هذه الأحزاب وهذه النخب بهذه المحطات من مواقفها وأحداثها طوال أربع سنوات، ذكرها بفقدانها وتغييبها للمشروع الوطني وفقدانها للرشد والتسامح وروح التصالح، وفقدانها للجدية في الحوار والتفاوض، نذكرها بأن الذي سقط هو الدولة وأن الذي تقسم هو الجيش وأن الذي تدمر هو الوطن والذي انهار هو الاقتصاد الوطني وأن الذي رحل هو الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وأن الذي تمخض في النهاية من هذه المحطات من الأزمة هو الاعلان الدستوري.
كان المؤتمر الشعبي العام واضحاً في مواقفه في كل هذه المحطات مقدماً التنازلات تلو التنازلات ومؤثراً الخيار السلمي والدستوري في حل الأزمة اليمنية منذ تفجرها في فبراير 2011م..
وها هو يجسد مواقفه الواضحة الملتزمة بالثوابت الوطنية والدستورية في البيان الذي أصدره موضحاً فيه موقفه من أزمة الفراغ السياسي الذي أحدثته استقالة الرئيس والحكومة، وموقفه من الاعلان الدستوري الذي أصدره أنصار الله، وهو بيان فيه من الحكمة والتوازن ما يتطلب من كافة القوى بما فيها أنصار الله الرجوع اليه، منعاً لأي تداعيات قد تحصل هنا وهناك، فالوطن ووحدته وأمنه واستقراره والتمسك بالخيار السلمي والخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، تعتبر من أهم الثوابت الوطنية التي يجب أن تكون معبراً للتحاور والتفاوض والاتفاقيات.