أحمد مهدي سالم -
يقشعر بدني كلما انداحت في أفق سمعي كلمة ثورة.. تتغير ملامحي كما لو كان هناك مس شيطاني اصابني.. ربما تقمصت حالة المتنبي الذي كان في شبابه ثائراً قرمطياً يقاتل معهم ضد جنود الدولة.. نزق وحماس الشباب ثم بعد النضج وجنيه أموالاً كثيرة من الخلفاء والولاة الذين مدحهم يهب مدافعاً عن مصالحه في مدينته عندما هاجمها القرمطيون، ويقاتلهم بضراوة وهم اصحابه القدامى.. أطرد هذه الفكرة او اللمحة لأني كما كنت لم أغنم شيئاً بل خسرت أشياء، لكن المبادئ والمثل والقيم تبقى سامية في منظوري، وعالية في فضائي ودونها خرط القتاد..
سُـئلت بسخرية ذات مرة: بصفتك أحد المهتمين باللغة ممكن تعرف لي الثورة؟ فأجبت على الفور : الثورة.. أنثى الثور ولاتحاول تلف وتدور..
خطرت على شاشة تفكيري رواية «رجال وثيران» للراحل يوسف ادريس وتوقفت عند مشهد مصارعة الثيران الاسبانية الحابس الانفاس.. حيث المفاجأة يبقر الثور بقرنه بطن الفارس المصارع فتصرخ احدى الفتيات الكوبيات متمنية لو أنه بقر بطن كاسترو.. ولكن تلك ثورة يارفيقة ثمارها يانعة وناضجة رغم وطأة حصار العم سام.
بلادي أدمنت ماتسمى بثورات الخراب والتشريد، القتل، والاغتيالات، والتدمير، فقدان لقمة العيش، وزيادة الطوابير، وفي أيدي المزامير، وفي قلبي المسامير.. الدنيا غربتني وانا الشاب الامير.. رحمك الله يامحمد رشدي.
لم يكن اكثرهم ثواراً بل ثيراناً هبوا هائجين هاجمين همجيين مندفعين بجموح طائش لعين يشق طريقه بين الجموع، ويتوهم ويحلم بغزو كل شيء حتى غرف النوم، هذه أبجديات وأهداف الثورة المزعومة في نظرهم.. لثوار بلادي حتى لكأن البردوني يصدح أمامي :
هذي بلادي وفيها كل
شيء إلا أنا وبلادي
ما استقر في عقلي وانغرس في ذاكرتي عن وطني الحبيب التعيس.. هو ان هناك ثورتين : 26 سبتمبر الأم و14أكتوبر الوليدة، أما ما عداهما خواء وهواء وبوار، إلا إذا اعتبرنا تحقيق الوحدة ثورة ثالثة فهذا أمر معقول ومقبول.
صارت الثورة او الثورات أبرز مداخل الفوضى الهدامة وغدت مفرداتها وكل متعلقاتها ممقوتة ومكروهة لدى المواطن الذي أضحى يقارن بين ما كان ينعم به، ومتوافراً له، وبين ما فقده، وحال انزلته الى أسفل قيعان الحضيض.
صديقي الثوري جداً كلما سألني عن الثورة أرد عليه : تعجبني الكورة، والقات والبورة، بالمناسبة هناك علاقة وثيقة بين توفير القات والتثوير الزائف.
كثّرنا من الثورات والفورات حتى كادت تصير مهنة من لامهنة له، ومصدر رزق مدرار للمتثورين غير المتنورين، والشيوخ المتاجرين بدماء الشباب والفتية الأبرياء الاتقياء الذين يسوقونهم كالخراف الى المجازر ثم يتظاهرون بالحزن.. القصاص ياقوم، ويشنعون ويصعدون ويزايدون في سوق المواقف الثورية والوطنية، وشعارهم الصحيح غير المعلن: كلما زاد عدد الشهداء اقتربنا اكثر من السلطة.
البعض وقد عاث خراباً في محيطه يعرفني بنفسه وهو مزهو : انا ثائر فأرد عليه مبتسماً : لا يا أخي أنت بائر وفاجر وسادر ومكابر وسائر الى أسوأ المصائر.
وربما لايعلم كثيرون ان العنف الثوري هو عبارة مفخخة سخيفة وتركيب وصفي شيطاني لطالما شرعن وقونن للقتل والسحل والارعاب والاذلال والمصادرة والقهر النفسي الشديد.
ياثوار يا أحرار يامناضلون.. الثورة فعل بناء أكثر منها معول هدم.. اعطونا فرصة نلتقط انفاسنا ونوفر ابسط احتياجاتنا.. ايش ما عندكم مهرة إلا الثوران الدائم، والفوران العائم، والجو المحتقن الغائم؟!
ارحمونا من هذا الزخم الكذوب والاسهال الشعاراتي والعجنة الثورية.. نريد ان نربي اولادنا او ماتبقى منهم ونهنأ بعمرنا او بما تبقى منه.. اقتصادنا ينهار، وبلادنا تضيع.. وسعار الشعار شغال عمال على بطال.. وكفاية.
همسات
كنا نقول : ضد الارهاب، والآن ضد الانقلاب.. بكرة نتعاطى الهباب.. ونهتف ضد الشباب.
♢ ماذا يريد هؤلاء من علي عبدالله صالح قد جمايله معهم بطول الهملايا وقمة افرست، وخطاياهم معه بطول نهر الامازون.
♢ 11 فبرائيل يوم أسود في تاريخ اليمن الحديث.. بل هو أكثر الايام اسوداداً وإيلاماً، وخراباً في العمران والنفوس، وكل شيء وفي هذه الايام بعد اربع مآسٍ ونكبات كان يجب الاعتذار للوطن والمواطن بدلاً من الاحتفاء الفاجر.
♢ مهاراتنا الفظيعة القوية في التأزيم لماذا لانستغلها في البناء وتعميم ثقافة العمل؟
♢ من يعرفني عن قرب قد يتساءل : كيف تنتقد ثورة 2011م وولدك رمزي الشهيد واحد من الشباب الذين خرجوا فيها ضد نظام علي عبدالله صالح؟ إنْ جال ذلك في الخاطر اقول : حسبي الله من الاخوان المجرمين.
♢ أتخيل الحوثي عند قدوم شهر سبتمبر وهو يسمع ايوب طارش يصدح : دمت ياسبتمبر التحرير.. يافجر النضال.. نفسي والله أعرف شعوره بصدق.. ملامح وجهه وحركته، تفاعله.. اعتبروه شعوراً فضولياً.
آخر الكلام
فإن قليل الحب بالعقل صالح
وإن كثير الحب بالجهل فاسد
«المتنبي»