حـوار / عارف الشرجبي - البروفيسور سيف العسلي لـ«الميثاق»:إغلاق الدول الراعية سفاراتها في اليمن هروب من تحمل المسئولية تجاه الشعب اليمني
قال الخبير الاقتصادي الدكتور سيف العسلي إن اليمن على شفا حرب لا تبقي ولا تذر محملاً الدول الراعية لاتفاق التسوية السياسية والأحزاب نتائج الأزمة الراهنة.
وأشار العسلي الى أن هناك محاولة لربط ما يجري في اليمن بما يجري في سوريا.
وأوضح أن البلاد يعاني من تدخل خارجي خطير أحد قطبيه إيران ومن لف لفها والقطب الآخر دول الخليج وحلفائها أمريكا والغرب. أكد أن العملية السياسية بما فيها «انقلاب أنصار الله» قد فشلت ولا حل للمتحاورين سوى البحث عن مخارج لعملية سياسية جديدة، وهذا يعني غض النظر عن المبادرة الخليجية ومخرجات واتفاق السلم والشراكة وما يسمى الإعلان الدستوري.
ونصح الدكتور العسلي أنصار الله «الحوثيون» قائلاً: لقد فشلتم وخسرتم فلا تعاقبوا الشعب بجره الى مربع الفشل، فالشعب لم يخذلكم بل أنتم الذين خذلتموه. وأضاف: لقد أوصلتم البلاد الى خيارين لا ثالث لهما إما أن تعترفوا بأخطائكم وتكفروا عنها بالدعوة لانتخابات ليقرر الشعب مصيره وإما الحرب.. إلى التفاصيل:
> كيف تقرأ المشهد السياسي الراهن على ضوء التطورات الأخيرة؟
- أشكركم في صحيفة «الميثاق» لسان الشعب اليمني بكافة توجهاته واغتنم هذه الفرصة لأوجه رسالة ربما تكون الأخيرة للاخوة في أنصار الله «الحوثيين» من باب النصيحه لعلهم يرجعون، لقد فشلتم وخسرتم فلا تعاقبوا الشعب بجره الى مربع الفشل والخسارة، فالشعب لم يخذلكم بل أنتم الذين خذلتموه حين توهمتم أنكم تتذاكون على الذكاء، فتخيلتم أن لديكم قدرات خاصة تمكنكم من الجمع بين المتناقضات، أي الجمع بين القوة والانقلاب والشرعية واللاشرعية والسلم والحرب والدكتاتورية والديمقراطية والله والشيطان والشعب والطائفة، والجهل والعلم، والفوضى والنظام، والشراكة والإقصاء، والرجعية والتقدم، والتخلف والتطور، فمن يكون هذا سلوكه ودأبه فإن مصيره الفشل المحتوم..
أقول لكم يا أنصار الله لقد ضللتم الطريق، فلا تكونوا كالذي استهوته الشياطين فأصبح في الأرض حيران، ها أنا بصدق أدعوكم إلى أن تفكروا بصدق فيما أنتم سائرون عليه، والاعتراف بالخطأ يؤدي الى الندم ولكن حين لا ينفع الندم.. ها أنتم فرطتم في ثورة كان يمكن أن تكون ثورة عظيمة وقد أرعب الله الفاسدين وأخرجهم من صنعاء وسلمها لكم سلمياً لينظر ماذا ستفعلون، لكنكم استغللتم ذلك لتتاجروا في سوق النخاسة وليت الأمر كذلك ولكن أسوأ من ذلك، ممن سرنا معكم ضدهم بعد أن أعطيتمونا الوعود بأنكم مع الشعب وأنكم لن تتفاوضوا سراً ولن تبيعوا ولن تشتروا وأنكم سوف تستمرون كذلك حتى لو تطلب الواقع أن تضحوا بأنفسكم ودمائكم ولكن يا للحسرة لم تمضِ سوى بضعة أيام فبدأت الروائح تفوح من اجتماعاتكم السرية والعلنية، وإذا أنتم بعتم هذه الثورة بثمن بخس، محافظ هنا أو مسؤول هناك، والآن وبعد أن اتضحت حقيقتكم لله والناس تحاولون الآن تحويل الثورة الى انقلاب، ولاشك أن ذلك انتكاسة كبيرة، وأصحاب الأهداف العظيمة لا يرضون بديلاً عنها مهما كانت الظروف.
أقول لكم يا أنصار الله بكل صدق وأمانة لقد أوصلتم البلاد الى خيارين لا ثالث لهما إما أن تعترفوا بأخطائكم وكل الناس يخطئون ويكفّرون عن ذلك الخطأ بأن تدعوا الى انتخابات حرة ونزيهة ليقرر الشعب مصيره بنفسه، وإما الحرب التي ستأكل الأخضر واليابس، فإنَّا لا نريد لكم الهلاك.
المبادرة فشلت
> ماذا عن المشهد السياسي الراهن؟
- لقد كانت مؤشرات فشل العملية السياسية واضحة منذ البداية ووضعنا ذلك للناس مراراً وتكراراً، أما الآن فإن فشلها أصبح واضحاً وواقعاً معيشاً، فلقد حملت المبادرة الخليجية بذور فشلها بنفسها ذلك لأنها ضد الديمقراطية وضد الحكم الرشيد ولم تلتفت لهموم ومعاناة الشعب ولذلك فقد اجهضت ما تبقى من الدولة وكان المفترض أن تعمل على إصلاح هذه الدولة وتقويتها ذلك انها جاءت لخدمة الخارج أكثر مما تخدم اليمن، وأغرت الحكام الجدد وجعلتهم ينبطحون أمام الخارج فأصبحوا عبيداً لهم.. وإني أحمّل كل القوى السياسية مسؤولية ما حدث اليوم، والمسؤولية الأكبر تقع- من وجهة نظري- على عاتق الدول العشر الراعية للمبادرة فلا أدري ما رعت هذه الدول، فلا هي رعت مصالح الشعب اليمني ولا مصالح عبيدها في الداخل ولا حتى مصالحها، إذ نراها اليوم تفر كالغنم حين تفر من الذئب، فكيف صدقناها أنها دول راعية وكيف كذبت على نفسها وعلى رعاياها أنها ترعى مصالحهم، وبما أننا لسنا مخولين أن نحاسبها لأننا لسنا من مواطنيها ولكن نأسف على ركوننا على هذه الدول في رعاية مصالحنا، لكن لابد أن نأخذ الدروس والعبر، ولاشك أننا في حاجة ماسة الى ذلك التأمل والتدبر.. اليوم سقطت كل ادعاءات الشرعية الثورية والدستورية، منذ أزمة 2011م أما تعديل الدستور حسب المبادرة فهذا مخالف للدستور نفسه لأن الشعب لم يوافق على مسألة التعديل من أساسه بل الأدهى من ذلك أن الاتفاقات السياسية والقرارات الرئاسية وغير الرئاسية بعد 2011م لم تكن تخضع للدستور ولم تراعه وعلى وجه الخصوص تلك القرارات أو التوصيات المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل ابتداءً من تشكيل اللجنة الفنية سيئة الذكر ومروراً بالنقاط العشرين والإحدى عشر التي أوجدت القضية الجنوبية وقضية صعدة من العدم، ومروراً بالقسمة «الضيزى» لعدد أعضاء المؤتمر ثم لائحته الداخلية التي أعطت لرئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي سلطة مطلقة ثم بميوعة إدارة تلك الحوارات ثم مهزلة عملية التوقيع على ما سمي بالضمانات التي تم التوقيع عليها في جنح الليل البهيم، ثم الخروج بهذا الهزال الذي يتكلم عن القمر وأحوال سكان القمر.. وليس عن اليمن وسكان وأحوال اليمن.
> ألست متجنياً بهذا الكلام يا دكتور؟
- أشكرك على هذا السؤال فقد يتوهم البعض ذلك أو يحاول البعض الآخر إلصاق ذلك بي ولكن أقول لك ولهم انظر الى الحقائق التالية.. هل تمخض عن هذا الحوار أي حل للمشاكل التي كان من المفترض أن يعالجها الحوار؟ الجواب بكل تأكيد لا.. فلا القضية الجنوبية التي أوجدوها هم تم حلها، بل أصبحت أكثر تعقيداً وأخذت أبعاداً انفصالية، وهل حلت مشكلة صعدة .. الجواب لا.. بل أضافت اليها أبعاداً أخرى أكثر خطورة مثل دماج والبيضاء وصنعاء والجوف ومأرب وإب.. وهل تمخض عن الحوار حل للمشاكل الاقتصادية التي عصفت بالمواطن المغلوب على أمره، فقد انهار الاقتصاد وازدادت حِدة الأزمات أكثر.. كان الحوار قبل الحوار مستقلاً في قراره ولكن أثناء الحوار وبعده أصبح خاضعاً للدول العشر.. لاحظوا الحالة الأمنية هل تحسن الأمن نتيجة للحوار ومخرجاته.. لا.. بل لقد تدهور الأمن.. نصبح ونمسي على حروب هنا وهناك، ويمكن القول إن المشاكل التي كانت قبل الحوار أصبحت عصية على الحل، بل لقد خلق الحوار مشاكل لم تكن موجودة، وهذا دليل واضح على فشل العملية السياسية ولا يستطيع أحد إنكار ذلك.
خانوا الجيش
> يعاني الجيش من عملية تفكيك ممنهج.. هل كان ذلك بسبب الهيكلة، وماذا عن الفشل الذي أصاب كل مناحي الحياة؟
- لقد كان من المفترض لهذه العملية السياسية- الى جانب إيجاد خارطة طريق- الحفاظ على مكتسبات اليمن الوحدة والديمقراطية والجمهورية والمؤسسات الدستورية التي انبثقت عنها وتحسين أدائها ولكن للأسف لم يتم تحسينها بل العكس، فقد كانت هناك جهود متعمدة تستهدف هذه المكاسب أو على الأقل وضعها محل تشكيك، وكذلك كانت هناك تصرفات متعمدة لتقويض الدولة والقضاء على هذه المكاسب، ولعل الأخطر في ذلك ما تعرض له الجيش والأمن من تدمير متعمد تحت خطأ إعادة الهيكلة، ولا أدل على ذلك أن وصلت وقاحة أنصار الله «الحوثيين» إلى أن يبرروا تواجدهم وحصارهم للمعسكرات بأنهم يحمونها، فما قيمة جيش يحتاج الى حماية وهمية من مليشيات بل إن الجيش في كثير من المواقع تعرض الى خيانة من الداخل وأصبح الجيش مباحاً لمن يريد أن يقتل أو ينهب، ولاشك أن تصرف القيادة على هذا النحو يرقى الى مرتبة الخيانة العظمى، وهنا أقول لاخواني في القوات المسلحة أنتم لم تفشلوا بل تعرضتم الى مؤامرة كبيرة وأفشلتم المؤامرة بعدم انحيازكم الى هذا الطرف أو ذاك، فاثبتوا الشعب معكم، وقاوموا عملية الترهيب والترغيب من أية جهة كانت.. أقول لكم إن الثابت الأساس في العصر الحديث أن يكون لكل دولة جيش واحد، لذلك ستظلون أنتم جيش اليمن الموحد ولن تحل معكم المليشيات المسلحة مهما كانت المؤامرة وسيلتف الشعب معكم.
لم يكن الجيش والامن من تعرض لمؤامرة التدمير بل ان كل مؤسساتنا تعرضت للتدمير كالنخب الادارية والاكاديمية والمهنية والشرفاء في الوطن كلهم تعرضوا للظلم والاقصاء والتهميش خلال الفترة الانتقامية التي همشت الناس غير المؤطرين حزبياً لصالح الغوغائيين الذين كانوا دخلاء على هذه الكفاءات التي كان يفترض ان تخدم الوطن، اذ تم اضافة عشرات الآلاف الى الخدمة المدنية والعسكرية بدون مراعاة الكفاءات على حساب الكفاءات التي اضاعت عمرها في خدمة الوطن وهذه اهانة متعمدة كونهم خدموا الوطن بإخلاص، ومن الغريب في الأمر ان حقوق وتطلعات هؤلاء لم يلتفت اليها أحد بل انهم مهددون بالاقصاء تحت يافطة اصلاح الخدمة المدنية الشكلي والسلبي المتمثل في التقاعد القسري من غير وجود موارد مالية كافية تضمن لهم العيش الكريم والتضييق عليهم مالياً بحجة واهية وهي محاربة الفساد.
وهنا اوجه تحذيراً للاخوة في انصار الله من الخوض في تهميش هذه الشريحة المهمة في الوطن او احلال اللجان الشعبية محل هذه الكوادر.. وهنا لابد على الاخوة في الجهاز الاداري ان لايستسلموا، كما ادعوهم الى التنبه الى هذه العملية الجائرة، ولابد ان اشير الى ان القطاع التجاري والاستثماري الذي لم يسلم من عملية الابتزاز السياسي والتدمير الممنهج قد اصبح مجبراً على ان يدفع اتاوات للمتحاربين وتم اذلاله وتهميشه حتى لايكون له رأي بما يجري واصبح إما صامتاً او منافقاً، وهاهو اليوم يعاني من اسوأ حالاته اذ ان هناك تجاراً دائنين للحكومة بمليارات وترفض تسليمها، ناهيك عن المشاريع المتوقفة وانخفاض القدرة الشرائية.. واقول بكل ثقة ان اليمن على شفا الافلاس وتدمير هذه الشريحة المهمة سواء بالافلاس او الهجرة.. واذا كان اليمنيون يعانون من أعلى نسبة فقر على مستوى العالم فإن هذه النسبة مرشحة للتزايد خلال الفترة القادمة وبالتالي فإن عدداً كبيراً من اليمنيين الفقراء مرشحون للموت المحتم.
ولكن هذه الاسباب والنتائج المدمرة التي شرحتها تجعلني اقول من جديد وبصوت عالٍ ان العملية السياسية التي بدأت في 2011م قد فشلت.
هروب من المسئولية
> كيف تقرأ اغلاق سفارات العديد من الدول ومنها سفارات الدول الراعية للمبادرة والعملية السياسية في اليمن؟
- لا شك ان سؤالك من وجهة نظري إقرار بفشل العملية السياسية ونتيجة مباشرة وغير مباشرة نتجت للاحداث التي تلت احداث 21 يناير 2015م فبعد ان فشل انصار الله اضطروا للقيام بانقلاب ولكنه انقلاب غبي وفاشل تمثل في اجبار الرئيس وان كان سيئاً ان يكون دمية في ايديهم من خلال ممارسة اعمال بربرية كالاختطاف ومحاصرة دار الرئاسية ومنزل الرئيس هادي.. وما تلى ذلك من استقالة الرئيس وحكومته وفشل مباحثة احياء الموتى في اللحظات الضائعة في «الموفمبيك» كمحاولة لانعاش العملية السياسية الميتة اصلاً، ومن أجل تخلي الدول الراعية عن مسئوليتها فقد لجأت الى الهروب، ولاشك ان ذلك ليس لصالحها ولا لصالح اليمن، وكان على تلك الدول ان تعلن صراحةً فشل العملية السياسية وتقبل المسئولية الاخلاقية والقانونية والمادية تجاه الشعب اليمني وان تعمل على احياء عملية جديدة تكفي من الاخطاء السابقة.
>ما التبعات الاقتصادية لهذه العملية؟
- نحن الآن على شفا حرب لاتبقي ولاتذر، وعلينا الا نفكر بالعملية الاقتصادية فقط فالوضع أخطر من ذلك بكثير والذي يتحمل نتائج ذلك هم الدول الراعية والاحزاب التي تشبه جلود ثعابين ميتة يتخيلها الناس ثعابين وهي جلود ميتة، فمستقبل اليمن اصبح بيد الدول الراعية والاحزاب.. واليمن اليوم يعاني من تدخل خارجي خطير أحد قطبيه ايران ومن لف لفها من دول اخرى كالصين وروسيا، والقطب الآخر دول الخليج وحلفاؤها امريكا والغرب فهناك محاولة تجري لربط مايجري في اليمن بما يجري في سوريا.. وكان على انصار الله ان يدركوا هذه اللعبة لأنهم سيخسرون فإيران لن تقف معهم كما تقف مع الشيعة في سوريا وما حولها لأن هناك شيعة قريبة لأمنها القومي، وانصار الله ايضاً ليسوا شيعة اثنا عشرية..
وكان على دول الخليج ان تتعلم من الدروس القاسية التي تعلمتها من العراق وسوريا، حيث يستطيع اي انسان ان يشعل النار في اي لحظة ولكن لايستطيع اطفاءها بعد ذلك.. وهنا اقول ليس من مصلحة الجميع الربط بين ما يحدث في اليمن وما يحدث في سوريا.
تسوية جديدة
> وما الحل من وجهة نظرك؟
- على القوى السياسية في الداخل ان تتأكد ان العملية السياسية بما فيها انقلاب انصار الله قد فشلت وانه لايمكن ايجاد اي مخارج ولو ظلوا يتحاورون مائة سنة، والحل هو البحث عن مخارج لعملية سياسية جديدة وهذا يعني غض النظر عن المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار واتفاق السلم والشراكة وما يسمى الاعلان الدستوري، هذه المسميات كلها يجب ان تُلغى وتأتي صيغة جديدة لعملية سياسية جديدة.. وأرى ان تبدأ هذه العملية الجديدة بإلغاء كل ماتم في الفترة الماضية ويجب الاستفادة من تجارب الآخرين مثل ساحل العاج، جنوب افريقيا.. واعتقد انه لكي يتحقق ذلك يجب التخلي عن ازدواجية الدول العشر ومجلس الامن الدولي واسناد المهمة الى الامم المتحدة ومجلس الامن، وعلى مجلس الامن ان يمارس مسئولياته بأن يحمي مصالح اليمن التي تتعارض مع مصالح هذه الدول، ويمكن للقوى اليمنية ان تتفق بعيداً عن التأثيرات الخارجية على ان تشكل حكومة شراكة وطنية من ذوي الكفاءات، والاعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة خلال ستة اشهر بحيث يكون البرلمان ممثلاً لكل القوى اليمنية فهو الوحيد الذي سيكون له الشرعية لتحديد اولويات البلد وعمل خارطة للخروج من الازمة والولوج الحقيقي الى الديمقراطية، ولابد ان تلتزم الامم المتحدة وبقية الدول بدعم مخرجات هذه العملية وتقديم الدعم لها.
|