د.علي مطهر العثربي -
القوى السياسية الوطنية هي التي تجعل مصالح الوطن العليا فوق المصالح الخاصة، وتقدم درء المفاسد على جلب المصالح وتمنع حدوث الكوارث السياسية وتحول دون وقوع الوطن ضحية للأهواء والرغبات والنزعات المناطقية والمذهبية والحزبية، وهي التي ترفض العصبية الجاهلية وتمنع العنصرية وتحقق المواطنة المتساوية وتعزز قوة الوحدة الوطنية وتحمي النسيج الاجتماعي من أية اختراقات وتعظم من شأن الوطن اليمني الواحد والموحد بكل مكوناته السكانية والجغرافية ولا تقبل بالتجزئة أو التقسيم أو التشطير وتتجاوز الرغبات الذاتية وتسمو فوق الجراحات وتعمل على حقن دماء أبناء الوطن الواحد وتقدم التنازلات الواحدة تلو الأخرى للوطن اليمني الكبير وترقى الى مستوى الولاء الوطني الذي هو ولاء لله رب العالمين ثم لقدسية التراب اليمني الواحد والموحد الذي لا يقبل الانشطار والتشظي.
إن المواطن اليمني البسيط والعادي الذي لا ينتمي لأية قوى سياسية قد بلغ سن الرشد السياسي وتقدم كثيراً فكره الاستراتيجي الذي يحلم ببناء الدولة اليمنية الواحدة والقادرة والمقدرة وبات المواطن اليوم على علم بتاريخ الامبراطوريات اليمنية الكبرى التي بناها السالفون من الأجداد والعظماء الذين سجلوا أنصع صفحات المجد والألق اليماني في سفر الإنسانية، وأصبح المواطن اليمني منذ أحداث 2011م الكارثية يرقب حوارات الاحزاب والقوى السياسية ويقيم الرؤى والمواقف ويقارن بين الماضي والحاضر ويرسم في عقله الكبير طموحاته المشروعة ويحدد ملامح المستقبل الذي تنتظره الأجيال القادمة ويتوق اليه أحرار اليمن، وهو يقف بجدية مطلقة أمام ممارسات الاحزاب والقوى السياسية ويقارن بين أقوالها وأفعالها ويضع الاستنتاجات التي ستحدد بدون شك مستقبل تلك القوى السياسية، وقد أصبح المواطن البسيط والعادي على علم ومعرفة بمن يخدم الوطن ويقدم الصالح العام على الخاص ومن يمتلك من تلك القوى الرؤى الوطنية الواضحة والمحددة لملامح مستقبل اليمن الواحد والموحد، وأدرك كذلك القوى الانتهازية والنفعية التي لا يهمها وطن ولا دولة ولا جيش ولا أمن ولا يهمها سوى مصالحها الخاصة وهي على أتم الاستعداد للتفريط بالوطن مقابل رغباتها الشيطانية وتجارتها الخاسرة.
نعم ذلك هو المواطن اليمني البسيط حيث قادتني الصدف الى الحديث مع مواطن عادي وبسيط في إحدى وسائل المواصلات فلمست لديه نضوجاً فكرياً في غاية الأهمية فقد ساق لي روايات له في أحداث 2011م وتحدث من قلب ساحات التغرير وقال ما هي إلا أيام وفاق أحرار اليمن على وجود قوى انتهازية عنصرية نفعية لا تضع قدراً لأحدٍ بقدر ما تخدم مصالحها الذاتية وقال حتى الدماء الطاهرة التي سفكت لم يكن لها قدر في ميزان النفعيين والانتهازيين على الاطلاق، بل كانت تلك الدماء وسيلة لفرض رغباتهم وأهوائهم الخاصة، وقال ما كان يدور في كواليس النفعيين والانتهازيين لا علاقة له بالشعارات التي كان المغرر بهم يرفعونها، بل أنه كلما أصر المغرر بهم على شعاراتهم كلما أذاقوهم صنوفاً من العذاب والاتهامات والاذلال التي لا حدود لها.
إن العودة الى تلك المشاهد الفاجرة تمنع المفكرين والعابثين في علم السياسة من تصنيف ما حدث في 2011م بأنه ثورة من حيث الشكل لأنه شكل انقلابي ولا ينطبق عليه أكثر من هذا المعنى، أما جوهر ما حدث في 2011م فإنه أخطر بكثير من اللفظ الشكلي «الانقلاب» ونحن بحاجة علمية الى دراسة أحداث الساحات من الداخل ومعرفة مجريات الحركة والتخطيط الذي استهدف الوطن اليمني وزوال الدولة برمتها والقضاء على مكارم الأخلاق.
إن إدراك المواطن اليمني البسيط لأبعاد المخطط التدميري الذي دشن في 2011م قد دفع باتجاه الاعتصام بحبل الله المتين والحفاظ على الشرعية الدستورية والتمسك بالمؤتمر الشعبي العام ليس من أعضائه المدونة أسماؤهم في سجلاته التنظيمية فحسب، بل من كل وطني غيور سواءً أكان حزبياً ينتمي الى أي من الأحزاب السياسية في الساحة الوطنية أو مستقلاً، وربما الذين كانوا قد انخرطوا في الساحات وشاهدوا وذاقوا هول الكارثة التي سيجلبها النفعيون الى اليمن أكثر الناس إصراراً على التمسك بالشرعية الدستورية والاعتصام بحبل الله المتين الى جانب المؤتمر الشعبي العام وكل قوى الخير والسلام، الأمر الذي ضاعف القوة الشعبية المساندة للشرعية الدستورية وكادت أن تخرج عن السيطرة التنظيمية باتجاه المواجهة الشعبية مع المغرر بهم لولا الحكمة والتبصر والتعقل الذي قاد الى تجنب المواجهات مع من كانت عقولهم معبئة بالفجور والطغيان والقتل وسفك الدماء باسم الجنون الثوري الغادر.
إن على القوى السياسية وخصوصاً الذين تجاوزوا مكارم الاخلاق في 2011م أن يدركوا بأن الشعب كان حاضراً في كل صغيرة وكبيرة في أقوالهم وأفعالهم التي نالت من السيادة الوطنية وأثرت على النسيج الاجتماعي وسنت سنناً فاجرة ما أنزل الله بها من سلطان، وأن ذاكرة الشعب الجمعية أحصت كل شيء من ذلك القول والفعل الآثم، وأنه ليس أمامهم سوى إعلان التوبة والإقلاع عن العقوق والاعتذار للوطن ويكفي أربع سنوات من الفجور والغدر بالوطن، ورغم ذلك مازال هذا الشعب صابراً ليس من أجل شيء سوى بقاء الوحدة لأنها عز اليمن وأهلها وقوة اليمنيين ومجدهم القادم.
إن أربع سنوات من الغدر بالوطن والكيد والفجور كفيلة بأن يعلم الناس كافة خفايا المخططات الاجرامية التي حاولت القوى المعادية للوحدة اليمنية أن تمررها سواءً من خلال الفوضى التدميرية أو من خلال ما عرف بمؤتمر الحوار الوطني أو ما تلا ذلك من الحوارات المارثونية التي لم تكن تصب في مصلحة الوطن اليمني الكبير بقدر ما كانت تروج لأفكار هدامة استهدفت تمزيق الدولة اليمنية وزوالها من خارطة العلاقة الكونية وفي كل مرحلة من مراحل الفجور الذي جلبه النفعيون والانتهازيون في 2011م وحتى اليوم لم يجد الشعب أمامه من القوى السياسية سوى المؤتمر الشعبي العام وكل الذين شكلوا السوار بالمعصم من مكونات الحوار الوطني والشخصيات الوطنية من كل الاتجاهات الوطنية الذين كانوا حاجز السد المنيع الذي منع التدخل الاجنبي وفوّت على دعاته من الساحات فرصة النيل من السيادة الوطنية.
إن على القوى السياسية التي انتكست على رأسها في وحل الغواية السياسية أن تكف عن الإثارة لمشاعر الشعب اليمني الحر وأن تمتنع عن الحديث عما يسمى بالثورة أياً كانت لأن الشعب يدرك أن من يدعي الثورة الفاجرة هو من أهلك الحرث والنسل وأوقف عجلة التنمية طوال أربع سنوات من الاذلال والاكراه الذي صبر عليه اليمنيون كافة حفاظاً على سلامة أبناء اليمن ووحدتهم وأمنهم واستقرارهم، ومنعاً للتشظي والانقسام، وبات من الواجب على تلك القوى المصابة بالغرور أن تكف عن الثورة وتلتزم بالعهود والمواثيق التي صاغوها بإراداتهم ووقعوها بأقلامهم أمام العالم بأسره.. الأمر الذي ينبغي معه عدم الحديث عن ثورية 2011م لأنها فجور، ولو لم تكن كذلك لما شهد العالم على عهود ألغامها وتثبيت الشرعية الدستورية التي تمثل الإرادة الكلية للشعب اليمني الواحد والموحد.
إن على القوى السياسية أن تحترم مشاعر الشعب والعالم الذي لم يعترف بوجود ثورة في اليمن غير الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر عامي 62 ، 1963م، وأن تكف نهائياً عن منهج الانقلابات وأن تلتزم بالعهود والمواثيق التي صاغتها بإرادتها ووقعتها أمام العالم ولا يجوز استغفال عقول البسطاء من الناس، لأن السواد الأعظم يدرك تماماً بأن أربع سنوات من العذاب الأليم كافية لرفض ادعاءاتكم وعنجهيتكم وفجوركم.
إن القوى السياسية اليمنية أمام فرصة التوبة والكف عن العقوق للوطن والعودة الى جادة الصواب والقبول بالآخر والتحاور معه والإيمان المطلق بالتداول السلمي للسلطة والنزول عند الإرادة الشعبية التي تؤمن بآليات العمل الديمقراطي الذي يوصل الشعب الى حقه في الاختيار الحر المباشر عبر صناديق الاقتراع بعيداً عن المزايدات والمكايدات، لأنا الشعب أثبت صبراً عظيماً من أجل وحدته وسلامة أجياله القادمة بإذن الله.