بقلم/ عبده محمد الجندي - كم نحن بحاجة الى مراجعة ما يصدر عنا من أقوال وأفعال لنتبين أين وكيف أصبنا؟ وأين وكيف أخطأنا؟ وهل كانت الايجابيات والسلبيات وليدة ما لدينا من الوعي والعلم الذي يسبق القول والفعل؟ أم أنها كانت وليدة الجهل والتجاهل السياسي الذي لا وجود فيه للوعي وللعلم المسبق والمسخر للمصلحة الذاتية؟
في الحالة الأولى تكون الأخطاء غير معقولة وغير مقبولة.. وفي الحالة الثانية تكون الأخطاء معقولة ومقبولة وقابلة للتصويب عكس الأولى غير القابلة للتصويب، لأن الإرادي في الحالة الأولى يشبه القتل العمد وقد يتجاوز ذلك الى القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.. كل عقوبة فيها تصل الى الإعدام الأشد قسوة من سابقتها، أما في الحالة الثانية الناتجة عن الجهل فهي تندرج في نطاق اللاإرادي الذي يشبه الخطأ الذي لا تصل عقوبته حد الاعدام مهما بلغت شدتها.
وإذا كان الحفاظ على شرعية ناقصة ينطوي على التمسك بشرعية دستورية كاملة بعد عامين من الاتفاق وهو الممكن الوحيد، فإنه لا بديل لأية عملية حوارية سوى التقييم والتقويم العلمي لحوارات القوى والمكونات السياسية في اليمن بما ينطوي عليه من الإيجابيات والسلبيات يكاد يكون مزيجاً من التداخل بين العلم المسبق والجهل المسبق الذي يضع المتحاورين أمام ما لديهم من الحسابات الموضوعية كبديل وحيد للحسابات الأنانية المبنية على التأرجح بين الانحياز للموضوعي والانحياز للذاتي فيه من الايجابيات قدر ما فيه من السلبيات وفيه من العلم قدر ما فيه من الجهل.
البعض منهم يحاول أن يقدم الموضوعي على الذاتي والبعض منهم يحاول أن يقدم الذاتي على الموضوعي، والبعض منهم يحاول الموازنة بين الذاتي والموضوعي وبين الخاص وبين العام عن علم أو عن جهل، وفي الحالات الثلاث تبدوالعملية الحوارية صائبة حيناً وخاطئة حيناً آخر يتداخل فيها الايجابي مع السلبي ويتقدم فيها السلبي على الإيجابي، وقد يتقدم الايجابي على السلبي .. الخ.
طبقاً لما لدى المكونات السياسية من تضارب الحسابات وتناقضها بين العام والخاص وبين الذاتي والموضوعي.
غاية المتحاورين التوصل الى حلول لما يعتمل في الواقع المأزوم من تداعيات ناتجة عن الأزمة، ولكن حسب ما لديهم من المعلومات والقناعات المتباينة الى درجة تجعل فضيحة الذين يعلمون بما يقومون فيه من انحياز لأنفسهم على حساب الإضرار بشعبهم أكثر إحراجاً وخزياً من الذين لا يعلمون والذين يعلمون ولا يعملون، ومعنى ذلك أن المسؤولية الأدبية تكون كبيرة ومتوسطة وصغيرة حسب ما لديهم من علم كلي وقد يكون حسب ما لديهم من علم جزئي وجهل جزئي وقد يكون حسب ما لديهم من جهل كلي بصورة تجعل الإحراج والخزي قابلاً للتبرير المقنع وللتبرير المقنع غير المقنع وما يلحق به من تبرير مقبول يُلقي بالمسؤولية على الجهل.
قد يقول البعض إن فضيحة صاحب العلم الكلي هي الأكبر شدة وقسوة وغلظة لأنه يعلم أنه يظلم شعبه وهو يسوق ما لديه من الآراء الخاطئة، وقد يقول البعض إن الخزي الأوسط ناتج عمَّا يسوقه من آراء تبنى نصف معلومة ونصف مجهولة بالخطأ، وقد يقول البعض الثالث إن الخزي الأصغر ناتج عمَّا يسوقه من آراء جاهلة ذنبه فيها أنه يعرف أنه جاهل ولكن يتظاهر بالعلم دون إدراك لما يترتب عليه من الأضرار في الإحراج والفضيحة في هذه الحالة ناتجة عن إقدامه على عمل كل ما يعلم عنه أنه لا يعلم شيئاً عن موضوعاته المعقدة.
أعود فأقول إن حوار الساسة في فندق الموفمبيك قد زاد عن حده.. وأن الشيء إذا زاد عن حده يتحول الى ضده، سلبياته أكثر مرات عديدة من إيجابيته، رغم اختلاف المتحاورين علماً وجهلاً فيما يصدر عنهم من آراء لا ينتج عنها سوى تطويل للأزمة من البسيط الى المركب وما بينهما من منطقة وسط أكثر من البساطة وأقل من التعقيد.
وبات الشعب الصابر والصامد يواجه الأزمات، وما ينتج عنها من التحديات والمعاناة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية ربما يجعل التعددية السياسية والحزبية مسألة مكروهة في الأوساط الشعبية التي طالما اعتبرت الديمقراطية أحد أهم الاهداف الاستراتيجية للثورة اليمنية وإذا بها بعد عشرات الاعوام من النضالات والتضحيات تكتشف هذه الحقيقة المرة أن المكونات السياسية المتنافسة على خدمة الشعب والانتصار لحقه في السيادة باعتباره مالك السلطة وصاحب القول الفصل في التداول السلمي لها عبر شرعية دستورية وانتخابات حرة يمتلك الحرية الكاملة في منح ثقته لهذا الحزب أو ذاك التنظيم من خلال ما لديهم من المرشحين ومن خلال ما لديهم من البرامج الانتخابية والسياسية التي تعد الناخبين بما سوف تحققه لهم من المنجزات خلال فترة زمنية محددة ومزمنة وقابلة للثواب والعقاب بمنح الثقة وحجب الثقة.
وفي هذا الإطار نجد الأحزاب اليمنية المعنية بالاتفاق على الكيفية التي تم من خلالها تحقيق الانتقال السلمي للسلطة والتحول من الاتفاق على التوافق والشراكة في السلطة.. هذه الأحزاب التقليدية والجديدة أصبحت في معظمها مهتمة بالاحتيال على حق الشعب تضع نفسها بديلاً له من خلال حوارات لها بداية وليس لها نهاية، لأنها تخاف من مغبة العواقب الوخيمة للدخول في منافسات انتخابية تظهرها على حقيقتها المستترة خلف هذا النوع من الحوارات البيزنطية المنتجة لسلسلة من الازمات المركبة والمسيئة للعملية الديمقراطية المعمول بها في التاريخ المعاصر والتي استقرت على التداول السلمي للسلطة، أغلبية تحكم وأقلية تعارض، ولكن بشرعية انتخابية ودستورية، ولعل ما يعيب هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية الباحثة عن سلطة بالطرق السهلة ذات الأساليب والوسائل الانتهازية التي تدور في نطاق حوار الحلقة المفرغة على قاعدة التقاسم وما يستوجبه من لعبة حوار التكتيك والمناورة السياسية ذات الظاهر والمتناقض الى حد التضاد مع ما تخفيه من أطماع باطنية ومستترة لا يمكن التفوق فيها إلا من خلال هذا النوع من المزايدات والمكايدات عديمة المصداقية والموضوعية المدمرة للتعاون والثقة بين الأحزاب والتنظيمات السياسية التي احترفت هذا النوع من الحوارات المنتجة للأزمات الدورية المدمرة للاقتصاد والأمن والاستقرار والوحدة.
لا بل قل إن تكرار المراحل الانتقالية بهذا النوع من الحوارات النظرية غير البناءة يفقد التعددية معانيها المثمرة.
أقول ذلك وأقصد به أن الشعب اليمني قد ضاق ذرعاً من هذا النوع من الحوارات المملة ولم يعد يعتقد أنها سوف توصله الى البر الآمن الذي لا مجال فيه للخوف والفقر بعد فترة طويلة من النضال والتضحيات الجسيمة الى درجة أفقدته ما هو بحاجة اليه من الثقة والقدرة المحققة لما لديه من الآمال والتطلعات المستقبلية الواعدة بالتقدم والسعادة الحياتية والحضارية المنشودة من الجميع التي راودت طموح وأحلام البسطاء والبؤساء والمحتاجين الذين أرهقتهم الصراعات والحروب وحولت حياتهم الى عقوبات لم يعد بمقدور الكثير منهم تحمل ما ينتج عنها من الآلام والمعاناة، لا بل قل إن سيطرة الأحزاب على قرارات التقاسم في التعيين واتخاذ القرارات السياسية يضع الأحزاب في موضع العداء للديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الصناديق الانتخابية.
أعود فأقول إن الأخطاء مهما كانت متفاوتة بين أطراف الحوار الرئيسية الأربعة وأقصد المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه وأنصار الله وحلفاءهم والمشترك وشركاءهم والحراك الجنوبي إلاّ أن التجربة العملية تؤكد أن المشترك كمجموعة متحالفة تتحول من كتلة واحدة الى أحزاب منفردة تتوزع الأدوار بين القبول والرفض للحصول على سهم الأسد من أي مكاسب سياسية ينتهي اليها أي حوار سياسي، مستدلاً على ذلك بما انتهى اليه حوار ما قبل وما بعد اتفاق السلم والشراكة الذي حدد الحقائب بواقع 9 للمشترك وشركائه و9 للمؤتمر وحلفائه و6 لأنصار الله و6 للحراك الجنوبي.. فدفعوا التنظيم الوحدوي الناصري الى رفض ما وقع عليه الاستاذ اليدومي في لعبة الهدف منها الالتفاف على حصة المؤتمر الشعبي العام وحلفائه باتفاق مع رئيس الجمهورية والى حدٍ ما مع مندوب الأمم المتحدة السيد جمال بن عمر، حيث انتهى هذا الاتفاق التكتيكي الى تفويض رئيس الجمهورية بتعيين ما سميت بحكومة الكفاءات التي أُقصي منها المؤتمر وخرج الى المعارضة والى حد ما أنصار الله الذين مثلوا بعناصر هاشميين لم يكونوا طرفاً في اختيارها مثلهم في ذلك مثل المؤتمر الشعبي العام وحلفائه الذين اختير لهم بعض المحسوبين عليهم دون إرادتهم، فأعلنوا صراحة منح الثقة لحكومة فرضت عليهم من قبل رئيس الجمهورية الذي خصص للمشترك أغلبيتها الساحقة نظراً لما يوجد بينه وبينهم من تحالف مبني على الخلاص من الحزب الذي يمثله الرئىس في خطوة كانت القاضية نتج عنهما تحديد موقف واضح من قبل اللجنة الدائمة التي أبعدت الرئيس من موقعه كأمين عام وكنائب أول أظهرته بذلك المظهر الضعيف الذي شجع أنصار الله على اقتحام دار الرئاسة والقصر الجمهوري ومحاصرة منزل رئيس الجمهورية بصورة أجبرت حكومة الكفاءات على تقديم استقالة جماعية مخلفة ذلك الفراغ الدستوري غير المسبوق.
المشترك يكرر ألاعيبه
ومرة ثانية عادت المكونات السياسية الى مرحلة جديدة من الحوار الذي ينقصه الثقة والمصداقية.. وفي حين كان المؤتمر وأنصار الله والمشترك قد وصلوا الى اتفاق سياسي ينطلق من الحفاظ على شرعية مجلس النواب ويخوله انتخاب مجلس الرئاسة وتسمية من يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة الا أن اللعبة تكررت من جديد وبذات الاسلوب ومن قبل نفس الاحزاب بدأت بخروج الوحدوي الناصري من الحوار ومعارضة الاشتراكي وطلب الاصلاح مهلة الى يوم السبت للتوقيع على مسودة الاتفاق الذي توافرت فيه جميع الضمانات بما في ذلك معالجة أوضاع اللجان الشعبية ودمجها في القوات المسلحة والأمن بأعداد معقولة ومقبولة تضع حداً لازدواج السلطة.
غير أن أنصار الله- الذين كانوا قد دعوا الى عقد المؤتمر الوطني الموسع كانوا قد حددوا ثلاثة أيام للمتحاورين في «موفمبيك» ما لم سوف يلجأون الى الحلول الثورية وبعد تمديد المهلة تأكد لهم أن المشترك وشركاءه يعملون على إحباط ما تحقق من نجاحات وإفشال ما تم التوصل اليه من الاتفاقات، فكان رد فعلهم قوياً ومتسرعاً في الاعلان الدستوري الذي أصدرته اللجنة الثورية من القصر الجمهوري، حيث قام الاشتراكي ومعه حزب الحق بتأييد ما أصدره أنصار الله من حل لمجلس النواب واستبداله بالمجلس الوطني وفي حين كان الاصلاح يضع يداً مع بقاء مجلس النواب واليد الأخرى مع حله انحصر الخلاف بين أنصار الله وبين المؤتمر الشعبي العام المتمسك بالشرعية الدستورية على نحو استوجب الحوار الثنائي بموافقة بقية المكونات، وبعد حوار شاق تم الاتفاق على بقاء مجلس النواب ويقابله مجلس الشعب الانتقالي الأول يحتفظ بأعضائه المنتخبين والثاني يستوعب المعينين الذين حددهم الاعلان الدستوري بـ250 عضواً وبتقاسمون عملية تشريع القوانين الانتقالية من خلال مجلس وطني يستوعب أعضاء المجلسين 551 ولمدة عامين، ويبقى مجلس الشورى باعتباره هيئة استشارية مرتبطة بمجلس الرئاسة لا علاقة لها بالتشريع ومنح الثقة وسحب الثقة من الحكومة بالاضافة الى مهامه الرقابية، وبعد الاتفاق مازالت هناك ملاحظات تهدده بالانهيار، خصوصاً حين نسمع من المشترك أن لديهم ورقة مقابلة للورقة المقدمة من المؤتمر وانصار الله التي أعلن عنها المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي كان على علم بهذا الحوار الثنائي الذي باركته جميع المكونات السياسية.
وهنا لا بد من التريث وعدم الاستعجال في الحكم على هذا الاتفاق الذي استوعب جميع الآراء وحفظ لمجلس النواب شرعيته واستحدث مجلس شعب انتقالي يستوعب الاعضاء المعينين حسب النسب التي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني بواقع 50% للجنوب و30% للمرأة و20% للشباب يتم توزيعها بين القوى السياسية غير الممثلة في مجلس النواب كل بحسب ما تمثله من الوزن والفاعلية.
أخلص من ذلك الى القول إن الوقت لم يعد يتسع للدخول في هذا النوع من المهاترات والمكايدات السياسية الهادفة الى إفشال الاتفاق، لأن التطويل يجعل اليمن عرضة للعقوبات الدولية التي يتوقع البعض أن تكون سياسية واقتصادية ويتوقع البعض الآخر أن تكون عسكرية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حين تستعد اللجنة الثورية للقيام بسلسلة من التعيينات التي قد تشمل مجلس الرئاسة وتصل الى تسمية أعضاء الحكومة ولكن بشرعية ثورية.
في وقت لم تعد فيه الأغلبية عملية مخيفة لأن قرارات مجلس النواب والشعب توافقية من المجلس الوطني الذي سوف يلتقي فيه جميع الأعضاء المنتخبين والمعينين على حدٍ سواء.
أقول ذلك وأقصد به ان اتفاق الخطوة الاولى الذي أعلن عنه السيد جمال بنعمر لم يعد قابلاً لأية عملية تسويف وتعطيل إذا علمنا أن البديل سيكون كارثة حقيقية بحق الشعب اليمني.
|