عبدالرحمن مراد - < كنت قد كتبت عن التفوق الأخلاقي والتأسيس القيمي للانتقال وقلت حينها إن المؤتمر الشعبي العام بتصرفاته وتفاعلاته ذات الأبعاد القيمية والتأسيسية للانتقال يقود ثورة حقيقية في هذا الوطن، وأن من سواه لا يكادون يفقهون قولاً أو علماً ولا قيمة عندهم لمبادئ التأسيس وليس في مشروعهم الا فقه الغنيمة ومبدأ الهيمنة ويفتقدون للأبعاد الأخلاقية للثورات وهي أبعاد تتجاوز الماضي لتؤسس للمستقبل، ولذلك لم يكن لهم من ظلال في وجدان الناس ولا أثر في حركة الحياة،
بل كاد الواقع أن يتحدث عن السقوط القيمي ويتجرع ويلات ذلك التمادي في الخطأ، ووحدهم العقلاء من كانوا يرون ضرورة صهر هذه المشاعر الانفعالية الثورية في بوتقة الحقيقة حتى يتمايز الناس ويمتاز المجرمون ويعرف الناس دخائل كل قوة سياسية، ويكتشفون جوهر الواقع وحقائقه من خلال التفاعل اليومي لحركة الحياة والتداخل مع اقتصاد الدولة والاقتصاد المعاشي للأفراد والجماعات.
ولعل المرء يتذكر موقف القوى الاجتماعية والسياسية والعسكرية التي ذهبت الى القول بالثورة في 2011م واشتغالها المحموم على موضوع السلطة رغم ما كانت تشهده من انقسام حاد في الشارع ولم يثنها ذلك من التصعيد الاعلامي والتصعيد الثوري الى درجة صنع الحدث وإلصاقه بالنظام أملاً في تسريع وتيرة العجلة للوصول الى القصر لإحداث الفراغ الدستوري فيه ومن ثم عمدت الى تفجير جامع النهدين مستهدفة كل أركان الدولة كمؤسسة الرئاسة والحكومة والسلطة التشريعية، وكانت إرادة الله غالبة على إرادتهم إذ ردّ كيدهم في نحورهم ولم يتمكنوا من أهدافهم، ولو علم فيهم خيراً لمكنهم ولكنهم قوم لا يفقهون، وأمام كل ذلك التعنت والصلف والتخشب كانت حكمة الرئيس حينها تدعوهم الى التبصر والانتقال السلس للسلطة فيأبى غرورهم ذلك غباءً وحقداً، ولم يهن على الرئيس حينها أن تذهب اليمن الى المجهول والى الفراغ والى الفوضى، فكان إصراره على التأسيس القيمي للانتقال عبر صناديق الاقتراع ووفق الأسس الدستورية المتعارف عليها، فتمّ له ما أراد وكانت انتخابات الرئيس التوافقي هي البعد الأخلاقي الضابط الأهم الذي حرص علي عبدالله صالح على تأكيده في البناءات التنظيمية الاجتماعية والثقافية والسياسية كبديل حضاري لمبادئ الفوضى والتدمير وكامتداد لمشروع التحديث في البناءات الذي ظل يكابد تأصيله في الواقع اليمني فيجد من الصدود والممانعة الشر الكثير ومن القوى نفسها التي ذهبت الى الثورة بشعارات مطاطية، فكان تفاعلها مع حركة التغيير دالاً على تضادها وعلى تناقضها، ومثل ذلك التناقض والتضاد، كشف الغطاء عن أدعياء الثورة والتحديث وصانعي الثورة والتحديث، فكان حظ علي عبدالله صالح هو الصنع والتحديث حتى وهو يسلّم العلم في احتفال رسمي ويودع الرئاسة وفق تقاليد لم تكن معهودة في مسارنا السياسي ولا في سياقنا الثقافي والحضاري، بل كان ابتكاراً وتحديثاً أغاظ الكثير من أعدائه، أعني أعداء علي عبدالله صالح- لأنه أظهر تفوقاً أخلاقياً عالياً ورفيعاً، وشعر أعداؤه حينها أنهم سقطوا أخلاقياً وبالتالي جماهيرياً، فكان التهافت على السلطة وغنائمها تعويضاً عن الشعور بالنقص وتبريراً لحالة الانكسار والنكوص..
لم يكن الرئيس التوافقي الذي جاء بعد الرئيس علي عبدالله صالح مدركاً للحالة اليمنية وللحالة الثورية المنكسرة التي وصل اليها القائلون بالثورة، فكان تماهيه مع الحالة الانكسارية نكوصاً إضافياً وهو الأمر الذي ضاعف من مشاعر الغضب لدى الجماهير العريضة الباحثة عن أمل الانفراج، فكانت ثورة 21سبتمبر نتيجة منطقية لمقدماتها التي لم يدركها الرئيس الانتقالي أو التوافقي الذي عمد الى كتلته السياسية الساندة - المؤتمر الشعبي العام - ليقوم بتفكيكه والتقليل من دوره وفاعليته إرضاءً لقوى سياسية واهمة فكان تكتيك هادي وبالاً عليه، ووقعت تلك القوى الضاغطة على هادي ضحية مؤامراتها فتشردت وضعفت قوتها ونالها من الهوان ما لم ينلها أحد من قبلها، وبقي المؤتمر كأقوى مما كان عليه وبقي علي عبدالله صالح كقطب تسير من حوله رحى السياسة، وذهب أولئك الطارئون في ذل وهوان صاغرين.
لم يبقَ علي عبدالله صالح في المعادلة الوطنية بسبب ذكائه فقط بل بسبب تفوقه الأخلاقي ورغبته في قيادة ثورة تحديثية حقيقية، ولذلك أصبح المؤتمر كحزب هو الخيار الجماهيري الأمثل، فبالصهر يصفو ويمتاز الذهب.
|