محمد شرف الدين - ثلاث سنوات إلاّ بضعة أيام هي فترة حكم الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي لليمن منذ فبراير 2012م إلى 21 يناير 2015م.. وهي فترة ثقيلة في حياة الشعب اليمني وفي حياة الأشقاء والأصدقاء نظراً لما حمله عهده من اثقال واهوال غير مألوفة..
وإذا كانت البداية لعهد الرئيس هادي غير طبيعية حيث انه ولأول مرة في تاريخ اليمن الحديث بل وفي تاريخ الجمهوريات والديمقراطيات في العالم يخوض رئيس جمهورية انتخابات رئاسية منفرداً بدون منافس، ولا احد يعترض عليه على مستوى العالم، وبالرغم من الدعم الداخلي والخارجي المنقطع النظير الذي حظي به إلاّ أنه فشل في ادارة البلاد وخرج من السلطة مجبراً بعد أن تعمَّد -مبكراً - تكريس حكمه لتدمير الجيش والأمن باسم الهيكلة قبل بدء الحوار الوطني، تاركاً البلاد مفتوحة لعبث المليشيات، خلافاً للمبادرة الخليجية التي شددت على ان تكون الهيكلة بعد الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني ليجني بذلك شرور افعاله..
فجأة لقد وجد الجنرال هادي- الذي نجح في الفرار من عدن بعد مذبحة 13 يناير 1986م إلى العاصمة صنعاء - وجد نفسه في يناير 2015م بعد أن أصبح رئيساً لليمن عاجزاً عن ان يجد له طريقاً نحو مكيراس للعودة للوضيع أو إلى غرفة عمليات معسكر بدر في عدن إلاّ بعد حوالي شهر.
تراجيديا الرئيس المستقيل هادي.. جديرة بالدراسة والتمعن في كل تفاصيلها كونها تستحق ذلك.. فما الذي جعل كل الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية تتخلى عنه..؟
ولماذا تخلى عنه وجهاء اليمن.. ولماذا تخلت عنه قبائل اليمن في الشمال والجنوب.. والاتنلجينسيا في اليمن وجنود وضباط الجيش والأمن.. وكذلك الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.. وتركوه وحيداً يواجه تلك النهاية المخزية التي لا يقبل بها الابطال ولا القادة مهما كانت التضحية..؟
الاجابة على هذه الأسئلة واحدة.. وتتضح في ان تخلّي الجميع عن الرئيس هادي ليس خوفاً أو جحوداً أو خيانة أو غير ذلك.. بل عن قناعة كاملة..
وهنا تكمن أهمية تفاصيل فصول هذه التراجيديا في تاريخنا السياسي المعاصر.. ولا يفوتنا هنا التأكيد أن الشعب اليمني الذي خرج من كل مناطق اليمن ليمنح الرئيس هادي في فبراير 2011م ثقته قد جسد بذلك أرقى صور الولاء الوطني..
نعم.. نقولها بصراحة وللتاريخ: الشعب اليمني اختار هادي رئيساً لليمن دون ان يضع للمناطقية والجهوية والحزبية أي اعتبار.. تجاوز الناخبون متاريس الاقتتال بتحدٍ واختاروا رئيساً لليمن.. يومها أقدم الشعب على اجتراح فعل عظيم وقال كلمته الفصل لمراكز القوى، وبأصبعه المتوج بحبر الانتخابات اسقط كل من حاولوا اغتصاب السلطة.. لكن ما الذي حصل.. ولماذا كانت النهاية مأساوية بهذا الشكل الذي تقشعر له الأبدان..؟ وتشبه بفصولها قصص ومسرحيات شكسبير.. وربما وعلى وجه التحديد تشبه مسرحية الملك لير.. لأن الرئيس المستقيل هادي دشن عهده لمرحلة من النفاق والدجل والتضليل والخداع والتآمرات حتى على أقرب المقربين فأضاع الحكم وأهلك اليمن.. مثله مثل الملك لير الذي أضاعت ملكه بناته.. وأدى جلال نجل الرئيس هادي ذات المهمة بامتياز..
ابنتا الملك لير تآمرتا على اختهما الثالثة.. لتستحوذا على مملكة ابيهما.. ولم تكتفيا بذلك بل سجنتا الملك وقتلتا شقيقتهما في السجن..
وفي عهد الرئيس المستقيل هادي وجدنا أنفسنا أمام وقائع وفواجع ونكبات وكوارث وطعنات غدر.. وتآمرات.. وخيانات.. ونكث وعود وعهود وأيضاً أمام قصص لممارسات انتقامية.. وضرب هذا الطرف بذلك الطرف للتخلص منهما في آن واحد.. وسارت الأيام مضمخة بالدماء وتلتها الأشهر وتسابق العالم نحو هذا الحاكم الوحيد الذي يقود تسوية سياسية سلمية يتابعها باهتمام كي لا تكرر بشاعة النموذج السوري أو الليبي..
لكن هادي الذي لم يستفد من تجربة منصب نائب رئيس الجمهورية الذي شغله 19 سنة في كيفية إدارة حكم اليمن.. اضطر منذ البداية إلى إدارة حكمه بعقلية ما قبل 13 يناير 1986م فتعامل مع الجيش والأمن بطريقة انتقامية فظيعة، مراهناً على أن بإمكانه -من خلال احد اقاربه الذي عينه وزيراً للدفاع - ان يعزز سلطته.. ولا يكرر خطأ 1986م إلاّ بتدمير الجيش الوطني وتكوين لجان شعبية «أبينية» ظلت تمثل واحدة من كوارث الثقب الأسود الذي زلزل حكم هادي..
ويتردد ان الرئيس المستقيل كان يشكو كثيراً للمقربين منه عن وجود ستة رؤساء في اليمن لا يعترفون بأنه رئىس للجمهورية.. منهم ثلاثة من أبناء المحافظات الجنوبية وثلاثة من أبناء المحافظات الشمالية.. وصار يعاني من حالة نفسية جراء هذه العقدة، غير مستشعر حجم المسؤولية الوطنية التي يتحملها لذا ظل يمارس بوعي وبدون وعي سياسة الانتقام من كل شيء حوله.. ويعيش حالة مضطربة ومواقف متناقضة ويعتبر الكل متآمراً عليه ليسقط في الأخير ضحية نفسه..
لقد ظل يردد انه يمثل شوكة الميزان بين الأطراف لاخراج البلاد من الأزمة، إلاّ أنه كان يقول ذلك كلما شعر ان ثمة غضباً شعبياً ضده أو تزايد الشكوك حول نزعاته الانتقامية لدى بعض الاطراف أو لدى رعاة المبادرة الخليجية..
|