الميثاق نت -

الإثنين, 23-مارس-2015
بقلم/ عبده محمد الجندي -
«من لجأ الى بيت الله فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن» هكذا قال رسول الله عبر منادٍ ينادي معشر قريش عند فتح مكة المكرمة..
إنني لا أقول ذلك من باب المزايدة على الاسلام بقدر ما أجد به موعظة يجب أن يتعظ بها أولئك الذين يختارون بيوت الله لتصفية حساباتهم وخلافاتهم السياسية بصورة متزامنة مع أداء المسلمين لصلاة الجمعة التي اصطفاها الله من بقية أيام الاسبوع لتكون بمثابة عيد يحتفي به المسلمون جيلاً بعد جيل ما بقيت الحياة على الأرض.
أقول ذلك وأقصد به أن المساجد لعبادة الله وحده ولا يجوز لأتباع الدين الاسلامي الحنيف من كل المذاهب الشافعية والزيدية والسنية والشيعة أن يتخذوا منها مساحات للقتال والاقتتال والإرهاب نظراً لما يترتب على ذلك من الذنوب والآثام التي تغضب الله ورسوله والمؤمنين، خصوصاً إذا كان الدافع الى الإرهاب ينطلق من رغبات جهادية وإيمانية حريصة على الجنة.
إن أي عمليات إرهابية تستهدف المنشغلين بعبادة الله لا يمكنها أن تكون عمليات استشهادية تندرج في نطاق الواجبات الجهادية التي هي نوع من أنواع العبادات الأكثر قدسية، لأن من يسقطون ضحايا لهذا النوع من العمليات الانتحارية هم مسلمون يؤدون ما عليهم من الصلوات الخمس المفروضة على كل مسلم ومسلمة لا ناقة لهم ولا جمل في الخصومات السياسية.
إن المشكلة في الجمهورية اليمنية هي مشكلة سياسية بامتياز لا علاقة لها بالصراعات والحروب الطائفية والمذهبية والدينية، لأن أبناء الشعب اليمني عرب ودينهم الاسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة لا فرق بين الشوافع وبين الزيود، عاشوا عبر التاريخ في تعاون وتكافل يستدل منه على التناغم والانسجام ولم يحدث قط في تاريخ الصراعات والنزاعات السياسية على السلطة والثروة أن شهدت اليمن -الأرض والانسان- أي نوع من انواع القتال والاقتتال الذي يستحل فيه المسلم الشافعي دم أخيه المسلم الزيدي.. لإدراك الجميع أن الاسلام هو المرجعية لهذه الاجتهادات الفقهية تُحرم على الجميع دماؤهم وأموالهم، وأن الوطن والسلطة يتسعان للجميع لا يسأل فيه اليمني عن طائفته ومذهبه بقدر ما ينحصر السؤال في نطاق عقيدته الاسلامية في مجتمع يعتبر الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للتشريع بعد سؤاله عن وطنيته ويمنيته وعروبته لأن الدين الاسلامي يتسع للهوية اليمنية والقومية، والأهم من ذلك ما هو مؤهله العلمي وما هي خبرته العملية وما هو سلوكه وأخلاقياته ونزاهته.
أقول ذلك وأقصد به أن هذا النوع من القتال والاقتتال السياسي من الأساليب والوسائل الإرهابية الدخيلة على المجتمع والشعب اليمني الذي يستمد اصالته ومعاصرته من الاندماج القوي بين العروبة وبين الاسلام، على نحو يجعل خيار السلام هو الأكثر حضوراً في حياة الشعب اليمني وتبادله للتحية في حله وترحاله وعلاقاته في غداته ونهاره بحيث نجد اليمني يسستيقظ من نومه في منزله إلاّ ليحيي أفراد أسرته بتحية الاسلام قائلاً: السلام عليكم، فيردون عليه: وعليكم السلام.. أي أن قيم الأمن والسلام لا يمكن التقليل منها في ترسيخ العلاقات الأسرية والأخوية والاجتماعية نظراً لما تنطوي عليه من آداب التعامل المحقق لثقافة التعاون والاحترام.
وإذا كانت الأمة العربية قد أُبتليت اليوم بآفة الإرهاب، فإن المتفق عليه بين علماء الاسلام أن الإرهاب الأسود لا دين له ولا وطن.. وأن التصدي له واجب من أقدس الواجبات الموجبة للوحدة في نطاق رحمة الاختلاف حتى لا تحل اللعنة بصناعه والمروجين له من الذين ينتهجون الأساليب الإرهابية لتحقيق مكاسب سياسية لا تخلف للمشتغلين بها سوى العقوبات العاجلة والآجلة في الدنيا وفي الآخرة، نظراً لما ينتج عنها من عملية قتل جماعية للمدنيين الأبرياء على قاعدة العقوبات التي تفرضها القوانين الوطنية والدولية المحددة للإبادة الجماعية وفي مقدمتها تلك المستمدة من الشريعة الاسلامية التي وردت الإشارة إليها في القرآن الكريم كقوله تعالى: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم»..
أعود فأقول إن اليمن الذي عرف أبناؤه بما ميزهم به رسول الاسلام وآخر الأنبياء والمرسلين محمد «صلى الله عليه وسلم» بقوله: «جاءكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة.. الايمان يمانٍ والحكمة يمانية» لا يمكنهم أن يفقدوا صوابهم في التمادي باحقادهم الى الحد الذي يغادرون فيه المعاني العظيمة للدين الاسلامي الحنيف، دين الأخوة والمحبة والتعاون والأمن والسلام والاستقرار، لأن العلاقة بين الإرهاب والقتل لا تتفق مع الحكمة والايمان بأي حال من الأحوال.
وفي هذا الاطار تشهد بعض المدن اليمنية مع تفاقم أزمة الصراع على السلطة حركة إرهاب نشطة تمارس القتل لمجرد القتل لتحقيق ما لدى القتلة من الأجندة السياسية لخدمة الدول الخارجية التي تصفي حساباتها وثاراتها بدماء يمنية يستفيد منها البعض على حساب الكل بما يقدمونه من أرواح يزهقها العنف ودماء غزيرة يسفكها الإرهاب الأعمى.
فها هو العنف الذي ضرب بالأمس العاصمة الاقتصادية عدن الحبيبة يضرب اليوم العاصمة السياسية والتاريخية للدولة في سلسلة من العمليات الانتحارية التي استهدفت بعض المساجد المحسوبة على الزيدية مؤذنة ببداية حرب طائفية ومذهبية مستوردة من الخارج ومفروضة على الداخل في ظل استهداف وتغييب متعمد لأجهزة الدولة العسكرية والأمنية وبشكل متزامن مع ما يحدث في الساحة الوطنية من إقلاق للأمن واشاعة للفوضى وتدمير للمؤسسات الدستورية وعرقلة متعمدة للحوارات السياسية لا يمكن الفصل بينها وبين تلك العمليات العسكرية والإرهابية الغادرة والجبانة وما يرافقها من تغطية إعلامية وسياسية داخلية وخارجية لا تتسم بالحرص على الدماء اليمنية الزكية والطاهرة.
كيف لا وقد جندت للدفاع عن هذا النوع من الإرهاب العسكري والسياسي والإعلامي والفكري قنوات فضائية عربية ذات شهرة لا يستهان بها بحجم «الجزيرة والعربية» وجعلت في نطاق أهدافها المعلنة زج الشعب اليمني في حرب طائفية ومذهبية تشبه تلك الحرب الأهلية المجنونة التي نشاهدها في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي مصر وفي تونس وفي غيرها من البلدان العربية التي يعيش ابناؤها تحت أفق مشتعلة بالنار وعلى بحر من الدماء المسفوكة يستدل منها على بشاعة الدول الداعمة والممولة لهذا النوع من الإرهاب الذي يستبيح كل ما هو محرم من القيم والمثل والمقدسات الاسلامية ولا يجدون من يقول لهم أوقفوا هذا النوع من الإرهاب والحروب الطائفية التي يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها سوى اعداء الأمة العربية والاسلامية.
وإذا كان سلاح المال والانفاق على هذا النوع من الارهاب هو العامل الأكثر تأثيراً في شعللة هذه الحروب الكارثية فإن سلاح الإعلام لا يقل أهمية عن توفير الديمومة والاستمرار لهذه الحروب الطائفية والمذهبية الحقيرة، فإن واجب النخبة السياسية أن تضع نفسها في الجبهة المناهضة لهذا النوع من الصراعات والحروب المذهبية الكارثية بدلاً من المشاركة فيها تحت وهم ما لدى هذه الأحزاب والجماعات من أطماع سياسية واقتصادية لا رابط لها ولا زمام.
لقد آن الأوان للمتحاورين في «موفنبيك» برعاية أممية ودولية أن ينتقلوا من الدبلوماسية والحوار بلغة تظهر غير ما تبطن إلى الحوار بالكلمة الصادقة ذات الظاهر المتطابق مع الباطن والتحول من هذه اللغة الكيدية الى اللغة الصادقة التي تنتقل من غير المباشر الى المباشر ومن الأساليب التكتيكية التي لا ينجم عنها سوى الخداع والمناورة الى الشفافية المحققة للوضوح والمكاشفة والصراحة بعيداً عن التمترس خلف شرعيات وهمية لا يستفيد منها سوى اعداء الوحدة اليمنية واعداء الحياة والحرية والأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية المحققة للرخاء والسعادة.
لقد آن الأوان للمتحاورين في «موفنبيك» أن يضعوا النقاط فوق الحروف ويتقدموا خطوات الى الأمام نحو الحلول السياسية الكفيلة بإخراج اليمن من الدوامة الضيقة للفراغ والإرهاب حتى لا يجدوا أنفسهم أمام تحديات جماهيرية غاضبة تسقطهم من كل الحسابات المستقبلية، لأن الحقيقة لم تعد خافية على أحد من المراقبين المحايدين لما يحدث في عدن وصنعاء وأصبح بمقدور أي مواطن أن يربط بين التنوع في الاساليب السلمية والإرهابية، إنها نابعة من مصادر موحدة هي القوة الخفية الممولة والداعمة بالمال والسلاح والسياسة والإعلام.. ولا خيار أمام هؤلاء وأولئك المستفيدين من عدم الاستقرار سوى الاعتراف بفشلهم والقبول بما هو معقول ومقبول من الحلول المحققة للشراكة أو افساح المجال أمام الشعب ليقول كلمته الفاصلة وينتخب قياداته بمحض ارادته الحرة اذا عجز الوفاق والاتفاق عن فرض خيارات الحزبية والسياسية القائمة على الاقناع والاقتناع.
أخلص من ذلك الى القول إنه قد آن الأوان لهذه الدماء أن تنتهي مفسحة المجال أمام عهد من الأمن والاستقرار والسلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية على قاعدة الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة والتجارة والعدالة وحقوق الانسان، لأن الشعب لم يعد قادراً على انتهاج الصمت إزاء ما يحدث من اجرام يكرس قيم الاستبداد والاستغلال والارتهان والتبعية لهذه الدولة أو لتلك التي تنظر لليمن من زاوية الأتباع الذين لا حول لهم ولا قوة، لأن الشعب هو وحده الصانع لأمجاده وتطلعاته بعد أعوام من الاستبداد والحرمان والمعاناة.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-42429.htm