الميثاق نت -

الأربعاء, 08-أبريل-2015
جميل الجعدبي -
* حينما أرادت المملكة العربية السعودية تجنيب اليمن ويلات الحروب والدمار في ذروة الأزمة السياسية 2011م، دعمت تسوية سياسية (المبادرة الخليجية) حققت من خلالها مطالب طرفي الصراع على قاعدة لا غالب ولا مغلوب حينما استجابت لمطالب الساعين لإسقاط النظام (الشرعية الدستورية) ومطالبة أنصار "الشرعية الدستورية" المشترطين صندوق الانتخابات طريقاً آمناً وحضارياً لتحقيق التغيير ونقل السلطة سلمياً في انتخابات رئاسية مبكرة شهدها العالم في الـ21 من فبراير 2012م ودعمتها السعودية وحلفائها اليوم، حتى أن بعض المحللين السياسيين في تلك الدول شهدوا بنزاهة تلك الانتخابات رغم أنها بدون مرشح منافس، لكنها شكلت في تلك الظروف نموذجاً فريداً بين الدول التي عصفت بها رياح ما سمي بالربيع العربي..
* وحينما أرادت نسف التسوية السياسية برمتها انحازت إلى أحد أطراف الصراع السياسي وحشدت قواتها الجوية ودعت حلفائها بمن فيهم (رعاة المبادرة) لشن حرب شعوا ظالمة ، وتجريب أحدث أسلحتها على رؤوس اليمنيين ، وتدمير مقدرات بقايا بلد يعاني الأمرين منذ مطلع الأزمة السياسية عام 2011م لتضاعف بذلك معاناة اليمنيين وتفاقم مآسيهم ، وتجسد بعدوانها السافر واحتشاد حلفائها العشرة من الأشقاء والأصدقاء على بلد فقير واحدة من أبهى صور الاستكبار والاستعلاء العربي على الاقربون والجيران .
* تستطيع السعودية وحلفائها تجديد شرعية الرئيس هادي المنتهية شرعيته بدعم ورعاية انتخابات برلمانية ورئاسية (جديدة) وتكبح من خلالها جماح تمدد جماعة الحوثيين (أنصار الله) وإبطال مفعول عنصر توسعهم في المحافظات وتجريدهم من أسلحتهم وإحراجهم أمام الأحزاب والمجتمع المدني وإجبارهم بطريقة غير مباشرة على التحول طوعيا من جماعة مسلحة إلى جماعة سياسية تستمد قوتها وتأثيرها من برامجها السياسية والاقتصادية والثقافية التنموية ومدى قدرتها على كسب ثقة الناخبين ، كما أن الجارة الشقيقة ستتمكن بهذه الخطوة من دعم حلفائها في اليمن واعادتهم بطريقة غير مباشرة إلى السلطة بشرعية دستورية وثقة جماهيرية شعبية ، وبهذه الخطوة يمكن القول أن السعودية ستضرب عدة عصافير بحجر واحدة وربما لن يكلفها ذلك 10% من إجمالي تكلفة (عاصفة الهدم لليمن) التي بات مؤكداً أن من أول نتائجها توسيع شعبية جماعة الحوثي وزيادة أنصارهم.
* تُخطى المملكة وحلفائها ومحلليها على قنوات التلفزة حينما يبررون شن هذه الحرب الجائرة على اليمن أرضاً وإنساناً وتاريخاً وحضارة، تحت ذريعة أنها بطلب من الرئيس هادي، فالسعودية وحلفائها في المبادرة والحرب على فهم واسع بحقيقة وطبيعة الصراع في اليمن، وأن الرئيس هادي انتخب رئيساً توافقياً لإنجاز مهام مرحلة انتقالية مزمنة، وأن شرعيته سقطت عملياً بانتهاء فترته ، وانتهاء فترة التمديد لولايته ، وسقطت فعلياً بفشله في إنجاز مهامه وعدم الوفاء بالتزاماته، وسقطت واقعياً بتقديم استقالته لمجلس النواب، وسقطت شرعية هادي للمرة الخامسة بخيانته للقسم الدستوري وتفريطه بالمكتسبات الوطنية ..
* وإذا كانت قرارات وبيانات مجلس الأمن، وبيانات رعاة المبادرة الخليجية ، وكل الأطراف السياسية في الداخل ترفض وتدين بشدة استخدام أحد الأطراف السياسية في الداخل للعنف والسلاح لتحقيق مكاسب سياسية، فمن المعيب- قياساً على ذلك- الموافقة على استعانة طرف سياسي بسلاح دولي لتحقيق مكاسب سياسية، وبمعنى أوضح إذا كنا لا نجيز اللجوء للعنف واستخدام سلاح "محلي" لتحقيق مكاسب سياسية، فكيف نقبل باستخدام سلاح "خارجي" لتحقيق مكاسب سياسية ايضا ؟.
* وفي سياق المفارقات والوقائع الميدانية القريبة يمكن القول كذلك ، اذا كان حلفاء السعودية في اليمن (جماعة الإخوان المسلمين) وأجنحتهم العسكرية والقبلية والدينية، أعلنوا في ذروة صراعهم المسلح مع جماعة الحوثيين على السلطة عام 2014م، أعلنوا انحنائهم لما يمكن تسميتها عاصفة جماعة الحوثي وسلموا لهم مفاتيح الفرقة وجامعة الإيمان عند دخولهم العاصمة صنعاء -حقنا للدماء- كما سلم لهم الرئيس هادي مفاتيح محافظة عمران .. إذا كان انحنائهم ذلك كما قالوا نابع من المصلحة الوطنية العليا، فإن تبريراتهم اليوم تدمير مقدرات بلدهم بذريعة ضرب (شركائهم في الفوضى) بما في هذه المواقف من خزي وعار ، لا تعني هذه المواقف المؤسفة غير أن مشكلتهم لم تكن في تفجير مليشيات الحوثي لمنازلهم ومساجدهم واعتقال وملاحقة قيادتهم، وإنما كانت قضيتهم حينها في عدم وجود كفيل يواجه خصومهم بالنيابة عنهم ولا فرق عندهم أن يكون ذلك الكفيل محلياً او خارجياً..!
* المفارقة الصارخة أن معظم المباركين للحرب الظالمة على بلدهم تحت ذريعة جماعة الحوثي، هم أنفسهم من استقدموا الجماعة المسلحة من جبال محافظة صعدة إلى معظم عواصم المحافظات، وهم من أقروا أكبر جرعة حكومية (رفع أسعار المشتقات النفطية 300% تقريبا عن السعر الرسمي المعلن) وتسببوا بذلك في تشكيل تحالف شعبي واسع مع الجماعة، بل وهم أنفسهم من اعتذروا رسمياً لجماعة الحوثي عن حروب صعدة السابقة ، والتي كان الجيش اليمني يشنها ضدهم وهم في حالة تمرد تام وانقلاب مكتمل الأركان على شرعية دستورية لا التباس فيها .. وهو ما يكشف بوضوح أن مواقف هؤلاء من الحروب بشكل عام لا تقوم على أسس وطنية وإنسانية وأخلاقية بقدر ما تستند لمعيار موقعهم من السلطة فقط ، فهم على استعداد للاعتذار عن الحروب إذا كان الاعتذار سيساهم في إيصالهم إلى السلطة ، وهم أكثر استعدادا للاحتشاد في صفوف حروب جديدة إذا كانت هذه الحروب ستعيدهم مرة أخرى إلى السلطة..!!
نخاسة بلا حدود
دخلت المملكة العربية السعودية التاريخ من أبواب المجد حينما دأبت خلال السنوات الماضية على اتخاذ سياسة ترميم جدار التضامن العربي ورأب تصدعه في أكثر من منطقة ، فحينما ضربت رياح فوضى الربيع العربي اقرب جيرانها عام 2011م ، استطاعت المملكة بقيادة المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز ، وبحنكة سياسية وإرادة عربية ومشاعر أخوية ، استطاعت الإمساك بكل خيوط الصراع السياسي في اليمن ، فسعت أولا إلى رفع المعاناة عن الشعب اليمني بضخ ماقيمته اكثر من 2 مليار و700 مليون من المشتقات النفطية ، وتقديم معونات غذائية غير معلنه ، وعملت على تامين الاقتصاد بوديعة مالية .. وتمكنت بهذه الخطوات العملية من امتلاك افئدة اليمنيين بمختلف أطيافهم السياسية ، وفي نفس الوقت الضغط - بطريقة غير مباشرة- على قادة الأحزاب والمكونات السياسية المتصارعة الذين سارعوا للتوقيع على المبادرة الخليجية في مشهد تاريخي شهدته العاصمة السعودية الرياض 21 نوفمبر 2011م وأثار إعجاب العالم وخلدته الذاكرة الشعبية اليمنية عرفانا وتقديرا للملكة وقيادتها ،، مثلما سيخلد التاريخ اليوم عدوان الجارة وهى تعاقب الشعب اليمني جماعيا بحروب تدميرية لصالح فئة سياسية محدودة جدا - سيخلده- في سجلات الخزي والعار كلعنة تطارد المملكة وكل من احتشد معها وبرر عدوانها في سوق عربي لم يعد للنخاسة والاسترزاق فيه حدود ..!!
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-42675.htm