بقلم/ عبده محمد الجندي - < يعتقد المتجبرون والمستكبرون أنهم- بحكم ما لديهم من الثروة والقوة- الأقدر على فرض هيمنتهم على البلدان المجاورة وعلى شعوبها المستضعفة استناداً الى حسابات ملكيتهم للآلة العسكرية المتطورة جواً وبراً وبحراً، ولعلهم يجهلون أو يتجاهلون أن القوة تصبح عند نقطة صمود تضحيات قتال معينة عاجزة عن القتل لأن القائمين والمستخدمين لهذه الآلة هم بشر تحكمهم مجموعة من القيم والمشاعر الوطنية والقومية والدينية والإنسانية الكابحة لهذا النوع من الوحشية.
وبالمقابل فإن الشعوب المستضعفة والعاجزة عن التصدي لهذا النوع من غطرسة التحالفات الدولية للآلة المميتة لديها من القيم والمشاعر الوطنية والقومية والأخلاقية والدينية والإنسانية ما يجعلها رافضة للاستسلام، مستعدة للمقاومة التي تمتزج فيها قيم الحق في الحياة العادلة وقيم الحرية والرغبة في الاستقلال والسعادة على نحو يصبح فيه الموت أفضل من الحياة والشهادة أقرب الطرق الى نعيم الجنة، فيتحول الضعف أو العجز الى قوة لا تقل فاعلية في الصمود والصبر والتضحية عن الفاعلية القتالية للآلة العسكرية المتطورة، بصورة تجبر جبابرة القوة والثروة على مراجعة مواقفهم والاعتراف بحق المستضعفين في الحياة والحرية والحق، وذلك ما يجعل التفاوض السياسي هو البديل لكل النزاعات والصراعات والحروب العدوانية في عصر يقال عنه عصر المساواة والديمقراطية والإعلام والانترنت والقنوات الفضائية وفي عالم يقال عنه عالم ما بعد الذرة والخلية من الجينات والالكترونات أو عالم الاتصالات والمواصلات والعولمة التي تجعل العالم غرفة واحدة.
لقد نجحت الضربات الجوية العدوانية في تحويل الشعب اليمني الى كتلة موحدة لمواجهة ما يحدثه العدوان من أوضاع إنسانية مأساوية صعبة.. أطفال ونساء ومسنون يُقتلون.. الاهداف المدنية في الصدارة مثل مخيم النازحين ومصنع الألبان وضحايا محطات البنزين والبترول وضرب القاطرات المحملة بالنفط والمواد الغذائية وما ينتج عنها من عشرات القتلى ومئات الجرحى.. مساكن تهدم على رؤوس ساكنيها في المدن والأرياف.. المستشفيات تعاني من نقص المواد العلاجية والكوادر الطبية.. جرحى ينزفون حتى الموت ومصابون بأمراض مزمنة يموتون دون أبسط الأدوية.. منشآت حكومية ومصانع عامة وخاصة تدمر.. مؤسسات خدمية وخيرية تدمر وتجمد أنشطتها.. مدارس وكليات وجامعات تغلق أبوابها وتتحول الى أهداف للضربات الجوية.. معسكرات تحولت الى أطلال وتحول أفرادها الى مليشيات.. مسافرون عالقون في المطارات ومرضى يموتون نتاج عدم قدرتهم على السفر ومرضى عالقون في المطارات الدولية ممنوعون من العودة الى بلدهم.. انقطاعات الكهرباء وآثارها السلبية على الخدمات الطبية لأمراض الكلى والسرطان.. التأثير على الدوام واستهداف المسافرين بين المدن والأرياف.. بوادر أزمة غذائية تهدد بحدوث مجاعات بين ذوي الدخل المحدود والذين لا دخل لهم على الاطلاق، وقد أوردت صحيفة «الميثاق» الاسبوعية تفاصيل إحصاءات حتى يوم الاثنين الماضي أكدت أن ستة ملايين طالب وطالبة توقفوا عن الدراسة وأن 636 منزلاً تعرضت للقصف وأن 80 منشأة ذات طابع خدمي تم تدميرها وأن 20 ألف أسرة نزحت من المدن الى الأرياف، وأن 857 شخصاً سقطوا شهداء منهم 160 طفلاً و32 امرأة و135 مسناً، يقابلهم 1234 جريحاً منهم 208 أطفال و86 امرأة و23 مسناً، وان خمسة آلاف يمني عالقون في مطارات العالم بأوامر الرئيس المقيم في الرياض.
بالتأكيد أن هذه الأعداد والأرقام قابلة للتزايد نظراً لما تقوم به الطائرات العدوانية من حركة قتالية نشطة استجابة لما يتعرض له الطيارون من ضغوطات سعودية تحت مخاوف من الاحتجاجات الاقليمية والدولية التي تنظمها المنظمات الحقوقية والمدنية والمنظمات الإنسانية الصاخبة والغاضبة من بشاعة العملية العدوانية المجردة من الرحمة، بدأت تظهر بشكل مطالبات دولية بوقف العدوان وفي مقدمتها روسيا وإيران والصين والامبراطورية اليابانية وبعض الدول التقدمية في أمريكا اللاتينية المحبة للسلام.
أقول ذلك وأقصد به ان الاصرار على تحقيق الاهداف المعلنة لدول العدوان لم يعد عملية مجدية ومقبولة قياساً على ما قدمه الشعب اليمني من التضحيات البشرية والتضحيات العسكرية والتضحيات الاقتصادية والتضحيات الاجتماعية التي ضاعفت حجم الكارثة التي سوف تتحول الى مأساة محفورة في عقول وقلوب اليمنيين جيلاً بعد جيل تجعل من حكم عبدربه منصور هادي السبب الأول وتحمل حكام المملكة العربية السعودية المسؤولية التالية بحكم الاستجابة لذلك المطلب المجنون على قاعدة إذا كان المتحدث أو المطالب بالتدخل الخارجي لضرب الشعب اليمني مجنوناً- ويقصد به هادي الفاقد للشرعية- فإن المستمع أو المستجيب لذلك الطلب اللامعقول واللامقبول لابد أن يكون بعقله مهما كانت لديه من المخاوف السياسية والأمنية على بلده بشكل خاص وعلى بقية البلدان الخليجية بشكل عام.
أقول ذلك وأقصد به أن أيام العدوان العسكري الجوي باتت معدودة، وخيار إعادة عبدربه منصور هادي الى حكم اليمن باتت منعدمة من الناحية الشعبية.. لذا من مصلحة المملكة العربية السعودية ومن مصلحة الرئيس هادي المسارعة الى وقف العدوان على الشعب اليمني مقابل إعطاء الرئيس وحاشيته الجنسية السعودية مثلهم مثل بيت حميد الدين، مقابل عودة المكونات السياسية الى الحوار من النقطة التي توقفوا عندها وبرعاية مندوب الأمين العام للأمم المتحدة السيد جمال بنعمر الذي اتسم موقفه من هذا العدوان بعدم التأييد وبعدم الرفض لأنه يدرك أن بعض الدول دائمة العضوية أو معظمها شبه مؤيدة من خلال السكوت علامة الرضا، ومجاهرة الولايات المتحدة الامريكية بأنها ستدافع عن أراضي السعودية من أي عدوان إيراني محتمل، ولإدراكه أيضاً أن الحرب بقرار دولي من مجلس الأمن عملية مستحيلة لوجود معارضة روسية، لذلك أكد في مكالمته الهاتفية المسربة مع الشيخ حميد الأحمر على استبعاد الخيار العسكري وحصر المفاوضات في نطاق الحوار السياسي، ملقياً بمسؤولية الفشل على التجمع اليمني للإصلاح الذي ينتهج سياسة متقلبة بين الانبطاح في جلسات الحوار والرفض المعلن بعد مغادرة قاعة الحوار وإلقاء المسؤولية على السيد جمال بنعمر، ومبرراً للتنظيم الوحدوي بأنه لا يمتلك قاعدة شعبية مؤثرة على طبيعة الحوار.
واضح أن التجمع اليمني للإصلاح كان على علم بوجود نية غير معلنة لهذا العدوان الجوي وأن السيد جمال بنعمر لم يكن على علم بما تخطط له القيادة السعودية وحلفاؤها من عدوان استند الى طلب الرئيس عبدربه منصور هادي منذ اللحظة الأولى لتهريبه من صنعاء الى عدن بإمكانات كبيرة باعتباره المدخل الوحيد لتمرير العدوان الهادف للقضاء على أنصار الله والرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح الذي رفض ما عرض عليه من المساومات التي قبل بها التجمع اليمني للاصلاح وبعض شركائه الذين تمسكوا بشرعية الرئيس هادي لهدف في نفس يعقوب.
لقد كان التجمع اليمني للإصلاح وبعض شركائه يمارسون مهمة إفشال الحوار تحت مبررات واهية لم تكن معقولة ولا مقبولة من السيد جمال بنعمر الذي حرص على نجاح الأمم المتحدة في تحقيق التسوية السياسية التي تستكمل ما بقي من المبادرة الخليجية وما نص عليه اتفاق السلم والشراكة، وكان ينظر لدور الرئيس هادي أنه لم يعد فعالاً لقيادة المرحلة الانتقالية الثانية التي تحددت ملامحها بفترة سنتين قادمتين..
إلا أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها كانوا يقومون من خلال عملائهم في الداخل ومن خلال حلفائهم في الخارج على اتخاذ سلسلة من التدابير العملية لإفشال الحوار، ولما لم يستطيعوا إصدار قرارات تحت البند السابع استخدموا مظلة الجامعة العربية لإجازة الضربة الجوية ولكن بموافقة أمريكية والى حد معين بريطانية.
من المؤكد أن العدوان الجوي أمام معتركات صعبة في تحقيق أهدافه المعلنة ما لم يرافقه عدوان بري قياساً بما حققه الجيش واللجان الشعبية من انتصارات عسكرية مذهلة لم يعد فيها هادي قادراً على العودة الى حكم اليمن الموحد، في وقت أصبح فيه فصل الجنوب عن الشمال عملية مكلفة من حيث التضحيات المالية والبشرية الباهظة، الأمر الذي يحتم على دول العدوان مراجعة حساباتها بحثاً عن أقرب الطرق لتحقيق ما أمكن من انتصارات صورية تحفظ للملكة ماء الوجه أمام الانتصارات المحسوبة لصالح القوى الداعمة لما يقوم به أبناء القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية من انتصارات وطنية تجيرها وسائل الاعلام الخليجية بأنها تخدم المصلحة الايرانية، لأن هناك متغيرات دولية سوف تجعل الولايات المتحدة الأمريكية محرجة من المجاهرة بمواقفها الحالية المنحازة للدول الخليجية بعد أن يتم التوقيع على الاتفاقية الخاصة بتحديد المستقبل النووي الايراني رغم ما كشفت عنه من مواقف مساندة للعدوان الجوي السعودي، مثلها في ذلك مثل المواقف الداعمة للحكومة البريطانية، لأن الجامعة العربية لم تكن سوى منظمة من المنظمات الأمريكية لا علاقة لها بالأمة العربية.
أعود فأقول إن المملكة العربية السعودية ودول العدوان باتت أمام خيارين لا ثالث لهما.. الخيار الأول: الهجوم البري لإيجاد موطئ قدم لإعادة الرئيس هادي الى الحكم ولو صورياً، وذلك من الخيارات الصعبة والمكلفة التي تحتمل الفشل أكثر من احتمالات النجاح.
الخيار الثاني: القبول بالمبادرة الروسية الداعية الى إيقاف العدوان وعودة جميع الأطراف الى طاولة الحوار السياسي في دولة محايدة مهما نتج عن الحوار من نتائج يستبعد منها الرئيس هادي من السلطات المطلقة التي خولتها له المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ولو عاد ستكون عودته أقرب الى الشكلية منها الى السلطة الفعلية.
وفي الخيارين معاً سيكون على التجمع اليمني للإصلاح أن يراجع مواقفه ويصوب أخطاءه ويعدل مواقفه المؤيدة للعدوان والمعادية للشعب ويكتفي بعلاقة سرية أو شبه علنية مع المملكة العربية السعودية التي كشفت عملاءها وفضحتهم أمام الشعب.
وعوداً على بدء يمكننا القول بأن عدم اللجوء الى مثل هذه الخيارات والمراجعات من جميع الأطراف المستفيدة من العدوان سوف يقابله استمرار العدوان بين قوة عاجزة عن مواصلة القتال الجوي والبحري والبري أمام إصرار الطرف الأضعف الجيش والأمن واللجان الشعبية على استمرار الصمود واستخدام ما قلنا عنه عجز القوة عن مواجهة القوة العاجزة، ومعنى ذلك أن الحرب سوف تتحول الى حرب عصابات مندفعة بما لديها من قناعات وطنية وأيديولوجية رافضة لكل ما نتج عن العدوان من إرادة استعمارية فرضت بقوة الحديد والفولاذ على الشعب اليمني رغم إرادته الحرة وستقف الى جانبهم الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب اليمني، وذلك ما لا يمكن للمجتمع الدولي القبول به نظراً لما ينطوي عليه من تأثير على الأمن والسلم الدوليين وعلى منابع الثروات النفطية في المملكة العربية السعودية والدول الخليجية.
|