احمد عمر الاهدل -
صحيح أن الحرب في مفهومها السياسي عبارة عن صراع مسلح بين طرفين يحاول فيه الطرف المنتصر املاء شروطه على الطرف المهزوم ، لكن الحرب في مفهومها الاجتماعي تظل ظاهرة اجتماعية ملازمة للمجتمع كصفة اجتماعية ووسيلة سياسية يستخدمها الاقوى من زمن الصراع بين هابيل وقابيل ،بل ان مفردات الحرب كالعدوان والافساد في الارض وسفك الدماء واهلاك الحرث والنسل أقدم من بني البشر على وجه الطبيعة ، كما جاءت الاشارة اليها في الحوار الرباني مع ملائكته، في قوله تعالى، (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ويهلك الحرث والنسل) وطالما والحرب مسلَّم بها كمصير محتوم وقدر لامفر منه، في حياة الامم الحية، فإنه لاخلاف ولاجدال من أن هناك فرقاً بين القتال الذي يقتضي منه المواجهة بالوجه واليد، وبين الحرب التي يقتضي فيها استنفار الطاقات واستراتيجية الافكار وبنوك الآراء ومراجع البلاغة ومخازن الخبرات ومستودعات القوة ، وإدارة الاساليب ومراكز المهارات، وقنوات الاعلام ومحلات الكذب ،
ومهما يكن تظل للحروب قواعد واساليب واخلاق يتمسك بها المتحاربون ،كما ان الحرب بكل انواعها ومسمياتها يظل اندلاعها مقيداً بقيود اجتماعية وقانونية قوية تتمثل في وجود الفكرة والقوانين المصاحبة لها سواء سماوية أو وضعية، مع وجود عوامل القوة والرغبة الجامحة لدى صاحب الفكرة ،والاسباب والدوافع المقنعة للحرب ، وفيما لو حاولنا مقارنة الحرب السعودية العدوانية على اليمن ،مع الاسباب الرئيسية للحروب ، فإنه لايوجد لها أي دوافع أو أسباب مقنعة حيث لم يسبق الحرب أي صراع سياسي او مناوشات عسكرية على حدود الدولتين ، بل كانت حرباً غادرة خرجت عن كل قواعد واخلاق الحروب، لممارسة عدوان سافر على دولة جارة مسالمة ، هكذا، بكل بساطة، وبلا أسباب أو تبريرات مقنعة، وبلا رحمة أو إشفاق على جارها الشقيق الفقير حتى الجوع، والذي أسهم أبناؤه في إعمار وبناء بنيتها التحتية ، أطلقت السعودية طيرانها الحربي في طلعات جوية متتالية على امتداد أربعة أسابيع حتى الآن، لتقصف مدن اليمن قيد الانشاء وقراه الفقيرة التي تتسلق الجبال والتلال الجرداء.. فتصيب مستوصفات ومستشفيات وأسواقاً شعبية ومدارس فضلاً عن البيوت التي ارتقى بها أصحابها المرتفعات حيطة وتحسباً. من امثال هذا العدوان البربري المحتمل..
وحتى لا نذهب بعيدا في تفاصيل الحرب في المفهوم السياسي سنحاول قدر الامكان في هذه العجالة تسليط الضوء على أساليب الحرب السعودية واهدافها من الناحية العسكرية، لإعطاء القارئ حصيلة ثقافية واضحة عن اساليب وأهداف هذه الحرب التي خرجت عن كل قواعد وأخلاق الحروب والأعراف والتقاليد المتعارف عليها والمعمول في الحروب.
اولاً: استخدم العدو اسلوب الغدر ، إذ لم يسبق لهذا العدوان أي صراع سياسي او مناوشات عسكرية بين الجيش اليمني والسعودي ، وبالتالي فهذا الاسلوب محرم شرعا إذ لا يجوز في القوانين العسكرية الاسلامية الاغارة على العدو المحارب الا بعد انذاره ، والتأكد من رفضه لمضامين الفكرة التي هي من عوامل الحرب , وبالتالي نلاحظ ان الشعب اليمني وجيشه الوطني غير منزعج من هذا العدوان ويتعامل معه من منطلق الصمت والحركة على الارض ،جعل السعودية رغم القوة العسكرية التي حشدتها تسير في حالة ارتباك لايضمن للمعتدي نصراً، ويعطيه القدرة الكافية في املاء شروطه على المعتدى عليه ، وهذا يكشف للعيان من أن طبيعة الحرب فرضت على السعودية فرضاً عاجلاً معتمدة على خطط عسكرية غير دقيقة نسجتها- سابقاً- مخابراتها العسكرية من منطلق الوهم والتخمين ، مادفعها وبدون مراجعة للخطة الى تشكيل تحالف "مذهبي" يضم دولاً سنية لحشدها ضد عدوّ شيعي يتمركز في مواقع غير محدد ة ويختلط انصاره بنسيج اجتماعي ذات كثافة سكانية هائلة ، وهذا يطعن في أخلاقية هذه الحرب وجدواها في تحقيق الاستقرار، كما أن العدوان فيما هو ظاهر ، جاء كرد فعل على تمدد الحوثي في جنوب اليمن، والمعلوم في اعراف الحروب أن قيام الحروب على أساس ردود الأفعال يعتبر هزيمة في حد ذاته، لانه يُعطي المبادرة للخصم أن يفعل ما يشاء ويقرر ما يشاء مهما كان ضعيفاً.
ثانياً: الهجوم الجوي المكثف الهمجي الهستيري الذي يقصف المدن والاسواق الشعبية والابرياء ومصانع التغذية والجسور ومزارع الدجاج، والمصحوب بهالة ومكنة اعلامية واسعة وتقنيات حديثة ، بقصد ضرب المعنويات للجيش اليمني وإحداث حالة نفسية مخيفة في اوساط الشعب ، بما يساعد العدو على ايجاد عناصر عميلة على الارض ، تساعده على التدخل البري ، فالعدوان السعودي من اول يوم ، يحاول تكريس التدمير النفسي وتمزيق روابط الثقة بين الجيش وقياداته من جهة وبين الشعب من جهة اخرى ، وتظهر مساوئ هذا الاسلوب الخسيس ، من خلال الطلعات الجوية المعادية ، فهي كما يقول الناطق الرسمي للعدوان بأن اليوم الاول من العدوان السعودي كان معدل الطلعات الجوية المعادية (40) غارة اما في اليوم الثاني فقد كانت بمعدل (80) وفي الايام التي تليها تضاعفت الطلعات الى (120) في اليوم الواحد .اذاً: هذا الاسلوب الرخيص لم يفد شيئاً على ارض الواقع اليمني ، بل اصبح العدو هو من يعاني من حالة نفسية مزرية تجعله في حالة عجز فكري ونفسي عن تقدير الخسائر في الحروب..
بدليل اننا لو حاولنا ألقاء نظرة عسكرية دقيقة على ارقام هذه المعدلات لطلعات العدوان السعودي ، واخضاعها للتكتيك الثلاثي للحرب الجوية ، تجسس / رصد / تدمير) فإن طلعات العدو في اليوم الاول كانت (120) طلعة بمعدل (40) غارة قاتلة ،أما في اليوم الثاني فسوف تكون (240) طلعة بمعدل (80) غارة قاتلة في اليوم الواحد ، في حين الايام التي تليها فسوف تكون (360) طلعة في اليوم الواحد بمعدل (120) غارة قاتلة في اليوم الواحد ، وهذا يتجاوز كل استراتيجيات الحروب ، بل ويتجاوز حتى الاستراتيجية الامريكية التي تعتمد على كثافة النيران، مايعني ان اهداف العدو انقلبت ضده ، فبالاضافة الى العداء والحقد الذي رسمه العدوان في قلب كل يمني، اصبحت قيادة العدوان السعودي تعاني من حالة نفسية واضحة التأثير حتى على الطيار الذي يضغط زر الاطلاق لقصف وتدمير اليمن ومقدرات جيشه الوطني..
وإذا ما وضعنا روابط الأخوة ووشائج القربى وصلات النسب التي مزقها هذا العدوان بين المجتمع اليمني والسعودي جانباً، واعتمدنا الحساب العسكري المجرّد للتكلفة الحربية التي تكبدتها وسوف تتكبدها السعودية فيما بعد في حربها على اليمن ، لاكتشفنا أن ما أنفقته مملكة آل سلول، في عدوانها البربري يزيد أضعافاً مضاعفة عن مجموع ما خسرته اليمن حتى الساعة.
وبحساب بسيط يمكن الافتراض أن كلفة طلعات الطائرات القاذفة فقط من غير طلعات التجسس وطلعات الرصد ، تصل إلى حوالي المليار دولار ، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. اذ ان أرخص قذيفة أطلقت يبلغ ثمنها مئة ألف دولار... وبالتالي فكل غارة تتكلف بحوالي مليون دولار. فإذا ما افترضنا أن بين أربعين إلى خمسين طائرة قد شاركت يومياً في الغارات (على مدار الساعة) فسوف يتبيّن لنا أن كلفة الطلعات والقذائف والاستهلاك تصل إلى أربعين مليون دولار يومياً، وربما ارتفعت إلى خمسين مليوناً. هذا من دون احتساب كلفة استنفار الجيش ، والتشكيلات الامنية وحجز العسكريين ، والرواتب المضاعفة ، وكلفة الإمداد ، وقطع غيار الطائرات ، وساعات العمل الإضافية للطيارين والفنيين على الأرض.
ثالثاً: اسلوب تدمير السجون ومساعدة المجرمين على الهرب ، ومن ثم استقطابهم ودعمهم مادياً ومعنوياً بعد تسليحيهم وتشجيعهم على قتال الجيش وتدمير البنية التحية للبلاد، وهذا اسلوب رخيص لم يكن له وجود في استراتيجيات الحروب ، واول من استخدمه الجيش الامريكي في العراق ، وقد باشر العدوان السعودي قصف السجون ، وتشجيع المجرمين والقتلة على الفرار منها، في مدينة المنصورة بعدن وحضرموت وشبوة ، ويهدف العدوان السعودي من هذا الاسلوب الرخيص الى ايجاد عدوا مستميت للجيش اليمني ، لان المجرم يقاتل قتال من لايخاف الموت ولا يريد العودة للسجن ، وعلى الرغم من أن العدوان السعودي قد قام بإنزال سلاح وعتاد عسكري قتالي لهؤلاء المجرمين وباشروا القتال في عدن، وأبين، الا ان جيشنا استطاع احراز التقدم وحسم المعركة فيهما، كما لجأ العدوان السعودي الى تشجيع عناصر القاعدة ودعمهم بالمال والسلاح في حضرموت ومأرب ، الا ان الاسلوب الرخيص انكشف امام ابناء الشعب اليمني وبالتالي التفوا حول الجيش لمناصرته وإحراز تقدم واسع في صرواح مارب وحضرموت، وهذا ما أغاظ قيادة العدوان السعودي بالقصف الهمجي الهستيري لتدمير كل شيء..
رابعاً: اسلوب القرارات: اسلوب غير مسبوق استخدمته قيادة العدوان السعودي لاول مرة في تاريخ الحروب ،حيث تحاول مملكة آل سعود كلما اشتدت عليها الانتقادات الدولية في حربها الهمجية على اليمن ، أن تقوم بالضغط على الرئيس الهارب هادي ، لاصدار قرارات تعيين وعزل ، بقصد ايهام ابناء الشعب اليمني ، اننا نحارب من اجل شرعية هادي ، وفي نفس الوقت ضرب المعنويات للقيادة العسكرية في المقام الاول , والحقيقة وبكل صراحة هذا الاسلوب الرخيص لم تستخدمه أي دولة مع أي رئيس لاجئ سياسي على الاطلاق، وبالتالي فهو ارخص من الرخيص تحاول من خلاله السعودية الاختفاء خلفه للاحتفاظ بماء الوجه ، ولو كان الامر كذلك لكان الاجدر بإسرائيل ان تقوم من زمان باعتقال رئيس فلسطين ، واجباره على اصدار قرارات تلغي منظمة حماس والاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على فلسطين وانتهى الامر.. وبالتالي فإن اسرائيل وان كانت لا تعترف بالدولة الفلسطينية ، الاانها اكثر التزاماً وانضباطاً بالتمسك بقوانين السيادة الدولية اكثر من المملكة السعودية التي انتهكت السيادة الدولية لدولة جارة مسالمة وبوقاحة تضغط على رئيس لاجئ سياسي لديها بإصدار قرارات سيادية ..
الأهداف المنحطة للعدوان :
حمل العدوان السعودي الكثير من الاهداف- كما اشرنا سابقاً- لكن مع استمرار القصف الهمجي الذي يدخل الاسبوع الرابع ، اصبحت اهداف العدو تتضح جليا على الارض والخارطة ، واهمها كما يظهر الآن من حركاته العسكرية والسياسية ، هي :محاولة طمس الهوية العسكرية للجيش اليمني ، ويظهر ذلك جلياً من خلال اطلاق مصطلحات غير عسكرية على الجييش اليمني وتكريسها في وسائل الاعلام التابعة له مثل (مليشيات صالح والحوثي) وهذه محاولة من العدو لضرب معنويات الجيش وقوة التماسك في قيادته ، ومن ثم تشجيع العناصر الارهابية والتخريبية للدخول في محاربة الجيش وتدمير الاستراتيجية الامنية او الغاء الاستراتيجية الامنية للبلاد بشكل كامل ، بحيث يستطيع العدو فيما بعد أن يرسم لليمن الاستراتيجية الامنية كما يريدها هو , وليس كما يريدها ابناء الشعب اليمني وقيادته الامنية.
وقد خاب هذا الهدف ولم يحققق غايته ، بل على العكس فالجيش والامن والشعب اليمني اصبحوا اكثر توحداً وقوة وصلابة من السابق وأثبت الجيش اليمني أنه يتميز بطول النفس والصبر ورؤية استراتيجية عميقة في الحروب.. والمتابع للحركات والتحركات العسكرية للجيش اليمني وما يحرزه من انتصارات على الارض في جميع المحافظات اليمنية- رغم القصف الجوي الذي يشنه عليه العدوان السعودي بصورة يومية- سوف يستنتج أن الجيش اليمني أطول نفساً من خصومه سواءً على المستوى الداخلي او الخارجي، كما انه من المعلوم بل من البدهيات أن الأرض لمن عليها.. وما دامت السعودية لا تقدر على احتلال الأرض ، فلا يمكنها إذاً أن تحقق نصراً مؤزراً ، مهما بلغت خسائر اليمنيين ، فكيف إذا ما كان على السعوديين أن يحاصروا اليمن برا وبحراً ، على امتداد بحر العرب ، ثم على امتداد البحر الأحمر ومضيق هرمز ضمناً ، وهذه كلفة إضافية هائلة.
وخلاصة القول : وبالاستناد إلى الوقائع أو الذرائع التي حاولت السعودية أن تبرّر بها حربها على اليمن، فإن هذه الحملة بالنار الحارقة لا تحل المشكلة، ولا تؤدي إلى نصر عسكري.. وستبقى اليمن في مكانها ، إلى جانب السعودية، وسوف تحل الأحقاد والضغائن ونزعة الثأر محل مشاعر الأخوة.. وسوف تدفع السعودية الثمن عاجلاً أم أجلاً.
الخبير العسكري
|