بقلم/ عبده محمد الجندي -
<< عاصفة هوجاء تسمية بشعة لم تخلف سوى الإبادة التي لا يتذكر عنها شعبنا سوى القتل والتدمير والفوضى التي ستبقى محفورة في الثقافة اليمنية يتذكرها الأبناء والأحفاد من الآباء والأجداد جيلاً بعد جيل ما بقيت الحياة على الأرض لا يقلل من ذكرياتها المثيرة للأحقاد قلب التسمية من عاصفة الحزم الى إعادة الأمل لأن «الديمة هي الديمة، الدمار هو الدمار»، طالما كانت الطائرات والصواريخ الأمريكية هي نفسها الآلة العدوانية المستخدمة في الليل وفي النهار، لا ينتج عنها سوى جيوش جرارة من قوافل الشهداء والجرحى الذين ازدحمت بهم المقابر رغم اتساعها، واكتظت بهم المستشفيات رغم كثرتها الى درجة لم يعد بمقدور الجنائز أن تواكب عملية الاسعافات في بحر من الدم وتحت أفق مشتعل بالنار ولم يعد في أجوائها الملوثة برياح الموت والدم بمقدار ما لدينا من كوادر طبية ومن ثلاجات ومن وسائل مستلزمات طبية على تلبية الحد الأدنى من الاسعافات الأولية وحفظ الجثث المجهولة والمحترقة وتلك التي تحولت الى أشلاء متطايرة يستحيل معها على ذويهم التعرف على أقاربهم الذين تحولوا إلى بقايا جثث متعفنة لا نسمع من حولها سوى نحيب الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل وكذلك الأبناء والآباء والأجداد الذين فقدوا أبناءهم وبناتهم وزوجاتهم وأمهاتهم واخوانهم واخواتهم.. الخ.
عزاء هؤلاء وأولئك الأحبة والأقارب المكلومين الذين تحولت حياتهم الى مسرح تتلاعب بها بشاعة اليأس والأمل ما يشاهدونه في ميادين الصمود والتصدي للعدوان من ملاحم بطولية اسطورية لأبناء القوات المسلحة والأمن وأبناء اللجان الشعبية الداعمة لهم الذين يقاتلون الأعداء بما لديهم وبأكثر مما لديهم من العتاد ومن السلاح، مسجلين سلسلة متصلة من الانتصارات التي تجعل المعتدين يفكرون مرات عدة قبل أن ينزلوا من السماء الى الأرض، مؤكدين قولاً وفعلاً صحة المقولة التاريخية المتواترة والمؤكدة حقاً أن اليمن «مقبرة للغزاة» مهما كانت خطورة وقدرة آلتهم وأدواتهم العسكرية القتالية، لأن للإرادة المستمدة من العزة والكرامة قوة صمود أشد فاعلية من قوة الحديد والفولاذ بعد أن أقنعهم إيمانهم بالله أن الشهادة ليست الموت بقدر ما هي عبور عظيم من حياة فانية بجوار الجبابرة والقتلة والمستبدين الأشرار الى جوار خالقهم الأعظم في مصاف الخلود الأبدي الحي الدائم الذي لا يموت، خالق الكون والإنسان بكل مكوناته ومكنوناته الجدلية التي يتجاور فيها السالب والموجب ويتصارعان في حالة دائمة الحركة والتغير والتطور وفقاً لقوله تعالى: «ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون» صدق الله العظيم.
أقول ذلك وأقصد به ان الشهادة لا تعني الموت بقدر ما هي عملية عبور من عالم الجدل الناقص الى عالم ما بعد الجدل الكامل، لأنها دفاع عن الحق والعدل وموقف ثابت وشامخ بوجه الاستكبار والاستجبار ومعهم عملاؤهم وأزلامهم الخونة الذين لا ينظرون للأجر الا من زاوية ما بأنفسهم من حب الأنا ودوافع الأنانية العدوانية والمصالح الذاتية الزائفة والزائلة القاتلة لحق الشعوب في الحياة والحرية والاستقلال والتنمية والأمن والاستقرار.
إنكم يا جبابرة القوة في حروبكم العدوانية على من تعتقدون أنهم الأضعف لا تفرقون بين المرأة وبين الطفل وبين الشيخ العاجز وبين الرجال والشباب وبين المدنيين والعسكريين.. تقتلون الإنسان وتقتلون الحضارة، لا تستثنون المدرسة والمعهد والكلية والجامعة ولا ترعوون عن تدمير المستشفيات والمساجد والمصحات والمراكز العلمية والتجارية والبحثية.
لقد نجحتم في تدمير المساكن والعمارات السكنية والدكاكين والشوارع والحدائق والمكاتب والمكتبات وقمتم بعملية تدمير للعمارة والتجارة والشوارع والملاعب الرياضية والمنتديات والنوادي الثقافية ودمرتم المعسكرات والمنشآت والمكاتب الحكومية بما تحتوي عليه من المعدات والآثاث العسكرية والمدنية وحرمتم التلاميذ والطلاب من الدراسة في المدارس الأساسية والثانوية والجامعات العامة والخاصة ودمرتم البنى التحتية للدولة المدنية ودمرتم الكهرباء وخزانات المياه وأنابيب الصرف الصحي والمطارات والموانئ البحرية والبرية والجوية وضربتم الجسور والطرقات وقطعتم المواصلات والاتصالات البرية والبحرية والجوية وفرضتم الحصار في محاولة بائسة لكي تقتلوا بالجوع والعطش ما لم تستطيعوا تحقيقه بالطائرات والصواريخ والقنابل الذكية المحرمة.
لقد دمرتم محطات الوقود والديزل والغاز وقاطرات نقل المواد الغذائية والمشتقات النفطية والمعاهد الفنية والتقنية، ودمرتم المزارع والمصانع والمعامل تحت شعار يموت الشعب اليمني ويبقى الرئيس الفار من وجه العدالة، ودعمتم الارهابيين والعملاء بما يحتاجونه من المال والسلاح ليخوضوا معركتم البرية المستحيلة، فجعلتم اليمني يقتل أخاه اليمني.
أقول ذلك وأقصد به أنكم مهما عظمت سلطتكم وسطوتكم تستطيعون تغليب الموت على الحياة والتدمير على التعمير والتخلف على التقدم لكنكم لا تستطيعون التخلص من الشعب المجاور لكم ومسحه من الخارطة الجغرافية والسياسية التي تكونت جيولوجياً وتاريخياً، لأن قوة الشعوب جزء لا يتجزأ من قوة الله، والشعب اليمني هو وحده القادر على اختيار قياداته الوطنية وهو وحده صاحب القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة باعتباره المصدر الوحيد للشرعية الدستورية ولسيادة الوطن، وأنا على ثقة بأنكم لم تعودوا مقتنعين بشرعية ما تحت رحمتكم من أشخاص مسخرين لتلبية مطالبكم العدوانية، لكنكم تستخدمونهم كشماعات لتغليف ما تقومون به من أعمال عدوانية غير مشروعة على الاطلاق، لذلك أوعزتم للرئيس أن يستخلف رئيس حكومته كنائب رئيس يخدع به الشعب اليمني المكلوم بعد أن عرفتم أن رئيس الحكومة المستقيلة يحظى بقدر معقول من الاحترام في أوساط القوى السياسية الفاعلة، وسواءً أكان دافعكم تمريره نظراً لثقتكم به أو تشكيك القوى السياسية به فإن المؤكد أن اللجوء لمثل هذا الاجراء الاحترازي في بداية الشعور بالهزيمة وضح أمره فيما تم الإعلان عنه من خلو اليمن من الأسلحة والصواريخ البالستية التي تهدد أمن المملكة العربية السعودية وغيرتم تسمية عاصفة الحزم الى تسمية عملية الأمل.. هذا التغيير الشكلي الذي يبقي على نفس المضمون العدواني من باب الرغبة في استرضاء عملائكم والمؤيدين لحملتكم للتخفيف مما لحق بهم من الخزي والعار الذي جعل شعبهم واعياً بما أقدموا عليه من خيانة ذميمة وقبيحة غير مسبوقة.
يقول بعض فقهاء القانون في معلومة قرأتها في الانترنت إن القانون الدولي يقول: إن أية دولة تعتدي على دولة أخرى لمدة ثلاثين يوماً ولم يحدث من هذه الدولة المعتدى عليها أي ردود أفعال عدوانية.. ان واجب الأمم المتحدة يحتم عليها إلزام الدولة المعتدية بتعويض الدولة المعتدى عليها بكل ما أحدثته بحق الدولة المعتدى عليها من الخراب والدمار ومحاكمة القيادات المعتدية كمجرمي حرب في المحاكم الدولية.
وسواء صح هذا النص أو لم يصح فإن تلك هي عدالة السماء وعدالة القوانين الانسانية المستمدة من القوانين الوضعية.
وإذا كان الشعب اليمني لن يتمكن على المدى المنظور من محاكمة جبابرة العدوان الذين يتمترسون خلف العباءة الأمريكية، فإن بمقدورهم أن يحاكموا أولئك الخونة والعملاء الذين سيجبرهم أسيادهم على العودة الى اليمن ولو بعد حين من انتهاء هذه الدوامة العنيفة لهذا النوع من العدوان القاتل للحياة وللحضارة وللدولة وللبنى التحتية العسكرية والمدنية التي ستبقى حية دائمة لا تموت تذكّر أبناء الشعب اليمني بما لحق بهم من خيانات لأن الخيانات التي يقوم بها المتساقطون من باب الكراهية لشعوبهم مقابل مصالح مادية يحصلون عليها سرعان ما تتحول الى وبال لا يتوقف عند الحدود الدنيا لما تلحقه بهم من الخزي والعار بقدر ما تتجاوز ذلك الى محاكمتهم وإنزال ما يستحقونه من العقوبات القانونية الرادعة للخيانة حتى يكونوا عبرة رادعة لغيرهم من العملاء والخونة والمتآمرين على أوطانهم وشعوبهم.
أقول ذلك وأنا على ثقة من قدرة هذا الشعب اليمني المسالم على أن يثأر لضحاياه الذين قدموا حياتهم رخيصة لهذا النوع من العدوان الذي لا يفرق بين المقاتلين وبين المدنيين وبين البشر وبين الامكانات والمستلزمات والبنى التحتية للدولة المدنية.
هؤلاء الخونة يعرفون أن ما يقومون به عمل قبيح وذميم ولكن تحت شعار المقاومة، لأنهم لا يستطيعون إقناع الشعب اليمني الصابر والصامد بوجه التحديات انهم يقاومون المقاومين من أبناء القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية الذين يدافعون عن الوطن والشعب، لأن أنصار الله هم يمنيون لا يظهرون عمالتهم لإيران كما يحدث لعملاء الدولة العدوانية، لأن إيران تقف موقف المطالب بإيقاف هذه الحرب العدوانية الظالمة أقرب الى مواقف ومصلحة الشعب اليمني من أية دولة حليفة ومشاركة في العدوان، لأن الشعب لم يكن يضع من بين احتمالاته أن يتحول الى هدف للعدوان من دول عربية تربطه به الروابط والمقومات القومية المتمثلة باللغة والتاريخ والثقافة والمصالح المشتركة، ولا يجد من يدافع عنه سوى الجمهورية الاسلامية الايرانية الحريصة والمحبة للسلام.
نعم لقد تغيرت المعادلات وتبدلت المقاييس والحسابات واصبح الشعب اليمني يكتوي بنيران حرب ظالمة من قبل أشقائه وجيرانه وأخوته في العروبة والإسلام عقاباً على تهمة كيدية لا أساس لها من الصحة.. فهو لم ولن يشكل خطراً على جيرانه واخوته في العروبة والاسلام مهما توافر لديه من القوة العسكرية البرية والبحرية والجوية، ناهيك عما يعانيه من أزمات سياسية واقتصادية أكلت الأخضر واليابس تجعله مشغولاً بمشاكله الخاصة وما يسفر عنها من الصراعات والحروب والثورات الصاخبة والغاضبة تجعله على الدوام في موقع الحاجة الى ما يمكن الحصول عليه من المساعدات والقروض التي تخفف من آلامه وتوفر له مقومات الحد الأدنى من الضرورات المعيشية ذات الصلة بالأمور المعيشية، ويحاول جاهداً التغلب على أزماته الاقتصادية من خلال إخضاع السلطة للشراكة الديمقراطية وإخضاع الثروة للعدالة الاجتماعية.
لذلك لا غرابة أن يكون في موقع يحتم عليه إقامة العلاقات المعقولة والمقبولة مع جيرانه الاغنياء الذين رفضوا القبول به عضواً في مجلس التعاون الخليجي، ضاربين عرض الحائط بكل ما قدمه من التنازلات وبما قدمه ويقدمه من الطلبات، لا لشيء إلا لأنه أقل منهم ثروة وأكثر منهم عدداً.. يجاهد صادقاً مع نفسه لكي يتجاوز ما هو عليه من القصور في البنى التحتية والخدمية المدنية والعسكرية والامنية لكي يصبح مقبولاً للعضوية في مجلس التعاون الخليجي دون جدوى، لذلك يعتبر ما حدث من أخوته في الإسلام والعروبة عدواناً مع سبق الإصرار والترصد بدون أي مبرر يستوجب ذلك النوع من العدوان القاتل للحياة والحرية وللدولة وللتنمية، بلا سبب سوى الاستجبار!!