أمين الوائلي -
الجميع دون شك غير راض عن الغلاء وارتفاع أسعار السلع الأساسية والتموينية، وخصوصاً القمح والدقيق والغذائيات الأساسية الأخرى، هذه مسألة بديهية وحالة طبيعية وجدت قبل وجود أحزاب المعارضة وغيرها.
لا يمكن تسجيل حالة القبض وعدم الرضا في هذه الأحوال باسم جهة ما، لا المعارضة، ولا الموالاة، فهي حالة عامة متأصلة في الإنسان والكائن الحي عموما.. تقبل الرخاء والرغد ورفض الشدة وشظف العيش من الغرائز الجماعية الأساسية، ويستحيل عند هذا المستوى السلوكي والدافعية الغريزية أن يزايد أحد، أو جهة ما، على الآخرين ويمنح نفسه فضلاً زائداً أو فضيلة جماهيرية باعتباره الرافض الأوحد للغلاء وصعوبة المعيشة. ومن ثم ينتقل إلى المجاهرة بالرفض لأجل المتاجرة لا أكثر بمعاناة الناس، فيخلق عبئاً زائداً أو مضاعفاً في شكل توتر وتحريض على الكراهية وتلبيد الأجواء العامة بأزمات كيدية تفاقم من معاناة الناس وتقلق حياتهم زيادة على ما هي عليه من قلق.
أنتم، وأنا، والرئيس، وجميع المواطنين، لم ولن نصفق للغلاء.. هذا واضح، وجميعنا نتمنى وندعو الله لو يرجع سعر الكيس القمح أو الدقيق، ليس إلى سعره السابق قبل عام من الآن، بل إلى سعره قبل عقدين من الزمن، من بالله عليكم يكره هذا، أو لا يرجوه لنفسه وللناس؟!
ومع ذلك لم يقل أحد أننا أصحاب أحقية زائدة في امتلاك الجماهير ومصادرة خيارات الناس ومعاناة المواطنين لمصلحتنا الخاصة ومشاريعنا الضيقة، لا لشيء، إلا لأننا لسنا "معارضة" أو ما شابه، فهل تملك المعارضة- مثلاً- مشروعية ما، زائدة علينا، لتحويل معاناة ورفض الناس جميعاً للغلاء، إلى خاصية شديدة التحجير والتجيير باسم أحزاب بعينها أو طامحين سياسيين يبحثون عن مناسبات صاخبة لاعتلاء واجهة الأحداث وارتداء بزّة الزعامة والبطولة الطرزانية.. وكل ما هنالك مجرد خطب وصخب وهتافات مستهلكة لا يمكنها أن تقنع السوق بإعادة سعر القمح ولو ريالين إلى الوراء.
ما المسوّغ الذي يجعل جهات وجماعات لوحدها، معارضة أو غير معارضة، صاحبة هوس في توظيف قضية الرفض للغلاء وكأنها لوحدها اكتشفت هذه الخاصية أو اخترعتها من العدم، فهي بالتالي تمن علينا وتمتهن معاناة ومعيشة الجماهير والبسطاء وتحشد مشاعر العداوة والكراهية ضد خصم سياسي تحت شعار رفض الغلاء وتدهور المعيشة، وكأن هناك عاقلاً في الدنيا لا يرفض الغلاء والمعارضة وحدها هَدت الناس إلى ذلك!
ببساطة.. هناك في أحزاب المعارضة تجار ومستوردون ورأسماليون كثر، ولا أحد ينكر ذلك. وهؤلاء يجلبون بضائع وسلعاً من أسواق عالمية عدة ويبيعونها في السوق المحلية بأسعارها العالمية زائداً عليها نفقات النقل والشحن والعمال والمخازن، ومضافاً إليها الأرباح، التي قد تزيد وقد تبقى في حدود المعقول.
حسناً.. إذا لم تكن الزيادات في الأسعار عالمية أو محكومة بالسوق العالمية ، بحسب تفسير الوزارة المختصة، فلماذا ترتفع وتزيد أسعار السلع التي يجلبها تجار المعارضة ولم نشهد ثباتاً أو تراجعاً في واحدة من السلع؟ طالما وهؤلاء من المعارضة التي ترفض الزيادات والغلاء وتحشد الجماهير تحت رايتها باعتبارها صاحبة أحقية ثابتة في مصادرة حقنا في الرفض والتململ.
أين حدث وأفلحت المعارضة في إقناع تاجر من أعضائها بعدم الزيادة في سعر السلعة أو الخدمة؟ لكن الواقع يقول أن التجار أنفسهم يرفعون الأسعار ويخرجون مع أحزابهم للتباكي والجأر بالشكوى والدعاء على الحكومة.
ثم ما الذي يحدث ويستفاد من تسيير المظاهرات والمسيرات ونصب الاعتصامات إذا لم يكن لدى المعارضة البدائل أو الحل الناجع والبرنامج الأنسب لمعالجة المشكلة، وإثبات عكس ما تقوله الوزارة والحكومة من الزيادة في السوق العالمية؟ كل ما هنالك تجار يرفعون الأسعار، ومتاجرون يرفعون من معاناة الناس بالمزيد منها. هناك غلاء، نعم، وهناك مغالاة في التأزيم السياسي والكيد الحزبي.
كان ولا يزال واجب ومسئولية الأحزاب والقوى السياسية في البلاد تقديم البدائل وإعلانها على الملأ، وتقديم تفسيرات مقنعة ومواجهة المشكلة القائمة بحل عملي ممكن، وليس بمشكلة أعقد وتأزيم غير مسئول ولا مجدٍ.
لا يعني هذا بكل تأكيد رضانا واقتناعنا بالتفسير اليتيم الذي تشهره الوزارة عند كل زيادة سعرية، وهو العائد إلى "السوق العالمية"، فقد مللنا الوزارة ومللنا هذه الحجة، التي حتى لو كانت صادقة، وهي صادقة نسبياً على كل حال، إلا أن الوزارة تكون بذلك كمن يرى الإبرة ويتجاهل أكوام الحطب والخشب. هناك تلاعبات وقصور في الجانب الرقابي، والإجراءات أو التوجيهات تشدد على تفعيل هذه الآليات، وتشديد الرقابة ومعاقبة المغالين، ولا يمكن، فقط، الركون إلى التفسير اليتيم والاكتفاء به.
في المقابل ليست المعارضة وأحزابها جادة وراغبة في معالجة المشكلة، على العكس من ذلك ربما كان القوم أكثر خلق الله استفادة من الغلاء ووعاء بتفاقمه، كونه يوفر لهم عنوانا لمناكفة الحكومة والتحريض ضدها وحشد البسطاء تحت عنوان ابتزازي يتاجر بالمعاناة ويجلب المزيد منها. الغلاء، هكذا، صار سلعة المعارضة.
قد أقترح حلاً فدائياً وعملياً في هذه الحالة، وهو: لو استطعنا إذاً تغيير الوزارة المعنية.. وقبلها أو معها تغيير المعارضة!!
شكراً لأنكم تبتسمون
[email protected]