محمد شرف الدين -
خضع العدوان السعودي على اليمن لأهواء وأطماع أشخاص داخل أسرة آل سعود، وبذلك زجوا بالمملكة في مستنقع لن تستطع الخروج منه رغم مرور ما يقارب الشهرين على العدوان.
وبدلاً من البحث عن مخرج لحفظ ماء الوجه، ذهبت السعودية الاسبوع الماضي -وفي سياق اعتداءاتها الهمجية ضد الشعب اليمني- الى تنفيذ محاولة اغتيال الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام وأفراد أسرته بإطلاق عدة صواريخ على منزله، في إصرار على اقتراف جريمة اغتيال رمز وطني وعربي بحجم الزعيم علي عبدالله صالح، ويتضح ذلك جلياً من خلال عدم الاكتفاء بتدمير منزله في القصف الذي تم تنفيذه فجر الأحد الماضي، وانما في عودة الطائرات لقصف المنزل بعدة صواريخ في ذات اليوم وعقب ظهور الزعيم على أطلال منزله، أنيقاً في ملبسه رافع الهامة وهو يتحدث في تصريح إعلامي بكل ثقة عن الجريمة ويوصل رسائل واضحة بلغة لا لبس فيها، غير مكترث بمخطط محاولة اغتياله سيما والعدوان يواصل مؤامراته لاغتيال الوطن والشعب اليمني.
محاولة اغتيال الزعيم علي عبدالله صالح مثلت إحدى الصور البشعة للعدوان ومدى اصراره على إشعال فتنة في البلاد وتفجير حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وتعميق الجراح وفتح أبواب الثارات والتصفيات والاحقاد، بعد أن فشلوا في تمزيق الصف الوطني أو إحداث تغييرات في الخارطة السياسية اليمنية تخدم أجندة المعتدين، خصوصاً وأنه بعد أكثر من أربعين يوماً من الضربات المدمرة لم تحدث أية تغييرات على الأرض لصالحهم.
هناك عدة أسئلة تطرح نفسها عن دوافع السعودية لارتكاب مثل هذه الجريمة .. ولماذا اختارت الزعيم تحديداً وليس عبدالملك الحوثي؟.. وهل لاختيار شهر رجب علاقة بنفس توقيت تنفيذ مؤامرة مسجد دار الرئاسة 2011م؟.. هذه الأسئلة وغيرها ستجيب عنها الأيام القادمة.. لكن ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن الزعيم علي عبدالله صالح استطاع خلال فترة حكمه أن ينقل العلاقات اليمنية السعودية من مرحلة سياسة البراميل المتحركة في الحدود التي أزمت العلاقات بين البلدين الى مرحلة جديدة من بعد أن تم في عهد الزعيم نزع فتيل الأزمات التي ظلت عالقة بين البلدين، والانتقال الى مرحلة جديدة من العلاقات القائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير.. لكن ذلك التاريخ الناصع والحرص الأخوي الصادق على تجاوز خلافات الماضي وفتح صفحة جديدة بين الشعبين الشقيقين والتي تجسدت بتوقيع اتفاقية الحدود بين البلدين، تقابل اليوم بإقدام أسرة آل سعود بشن عدواناً على اليمن والشعب اليمني وأبرز الرموز الوطنية اليمنية المتمثلة بالزعيم علي عبدالله صالح لأنه يدافع عن الدم اليمني الطاهر ويرفض العدوان والجرائم التي تُقترف ضد شعبه باطلاً..
لقد كانت مواقف الزعيم علي عبدالله صالح التي دافع فيها عن شعبه ووطنه ورفضه العدوان على بلاده السبب الرئيسي وراء محاولة آل سعود اغتياله.. متوهمين أنهم بذلك سوف يدخلون العاصمة صنعاء ويستقبلهم الشعب اليمني بالورود.. نفس العقدة التي يعاني منها الاخوان المسلمون انتقلت الى داخل أسرة آل سعود، وانصب حقدهم على الزعيم الذي حذرهم منذ بداية العدوان من خطورة السقوط في مستنقع دامٍ ستمتد تأثيراته على أمن واستقرار دول المنطقة وستنعكس سلبيات العدوان على مستقبل العلاقة بين البلدين الجارين فقط.
لم يحقق العدوان أهدافه، وبدلاً من أن تقيِّم السعودية نتائج عدوانها على ضوء المواقف العربية والاسلامية والدولية وفي مقدمة ذلك مواقف القوى اليمنية الرافضة للعدوان، وتعيد النظر في قرار الحرب، نجدهم ذهبوا الى محاولة اغتيال الزعيم علي عبدالله صالح اعتقاداً أنهم بذلك سيغطون جرمهم أو يرهبون القوى الوطنية اليمنية الأخرى من الوقوف ضد العدوان وفضحه إقليمياً وإسلامياً ودولياً أو يمنعون المطالبة بضرورة إجراء حوار يمني سعودي برعاية دولية كخيار لا مفر منه بعد العدوان، لأنه بات من المستحيل أن تتنصل السعودية عن جرمها المشهود مهما حاولت التملص من ذلك عبر دفع الرشاوى مستخدمةً إغراءات النفط وسيلة للهروب من العقاب، وهم بذلك لم يستفيدوا من دروس ما اقترفه الأتراك من مذبحة بحق الشعب الأرمني قبل مائة عام عندما كانت تركيا تمثل امبراطورية كبرى في العالم، والأرمن مجرد شعب ضعيف تعرض أبناؤه لإبادة بشعة وها هي تلك الجريمة تطارد لعناتها الشعب التركي جيلاً بعد جيل حتى يومنا هذا.
وإذا اعتقد البعض أن محاولة اغتيال الزعيم تندرج في إطار مخطط سعودي لإعادة ترتيب البيت المؤتمري، فحماقة كهذه لا يمكن أن نستبعدها خصوصاً وأن الخطاب السياسي والإعلامي السعودي يقدم الزعيم صالح للرأي العام وكأنه قائد للحرس الثوري الايراني وليس زعيماً يمنياً يرأس المؤتمر الشعبي العام في الجمهورية اليمنية. متجاهلين أنه سلم السلطة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في فبراير 2012م، ومن يومها أقصى الرئيس هادي كل القيادات العسكرية والأمنية من المحسوبين على الزعيم وتم إعادة هيكلة الجيش والأمن وتغيير قياداته وتجنيد آلاف الارهابيين داخل صفوف تلك المؤسستين.. ولم يتدخل الزعيم أبداً.. فعن أي جيش يتحدثون.. بعد أن مزقوه ودمروه واغتالوا قياداته وهيكلوه.. فما يجري الترويج له مجرد أكاذيب محاولين من ورائها تضليل الرأي العام لتبرير جرائمهم.
وإذا افترضنا أن رئاسة المؤتمر الشعبي العام من الاهداف الخفية لما تسمى بعاصفة إعادة الأمل.. فهذا يكشف عن تورط قيادات اخوانية في محاولة الاغتيال.. خصوصاً وأن التخلص من الزعيم علي عبدالله صالح هو حلمهم منذ 2011م، لكن السر هو كيف استطاعوا أن يدفعوا بالسعودية لتقوم بمهمة المجرم والقاتل، والتورط في مثل هكذا مؤامرة قذرة غير مدروسة العواقب؟!
وقبل البحث عن إجابات لهذه التساؤلات لابد أن نتوقف أمام مواقف القيادات المؤتمرية في الرياض والتي حشرها منفذو محاولة اغتيال الزعيم في زاوية ضيقة جداً وفي وضع يثير الكثير من علامات الاستفهام..