نجيب شجاع الدين - يزعجني جداً أن يجد الصحافي نفسه وقد تحول إلى مادة صحافية قابلة للكتابة والطباعة والنشر والتوزيع.. إلخ.. لكني تعلمت أنه عند الكارثة لا مجال للأخبار، فكل ما تراه وما يتحدث عنه الاشخاص باختصار حينها يرتقي الى مستوى نظريات ونبوءات مثقلة بالمصير السيئ المحتوم «الموت» أو أن عناية الله لها تدخلات في اللحظات الأخيرة.. تسقط امرأة مذبوحة بقطعة زجاج تنزف حتى الموت، فيما تسقط قذيفة جوار طفلها الرضيع دون أن تنفجر. مساء الاثنين الماضي- يبدو أن الاثنين موعد قصف الجبال في اليمن- حيث قصف جبل عطان في اثنين 20 إبريل المنصرم وقصف جبل نقم في اثنين 12 مايو.
كانت طائرات قوات التحالف تحلق في أجواء العاصمة صنعاء.. مضادات الطائرات تكثف الغضب في صدور السكان كونها مزعجة في الرد ولم تسقط شيئاً لليوم الـ(44) على التوالي.. فجأة دوى انفجار عنيف في جبل نقم تطايرت على إثره صواريخ كاتيوشا وأعيرة المضادات بشكل عشوائي.. تطلق صفيراً يشبه الألعاب النارية عند استقبال عروس تنفجر هنا وهناك باثةً الرعب والهول على رؤوس المنازل.
يتدافع الناس خارج منازلهم والى داخلها في محاولة لإنقاذ نسائهم واطفالهم، في وقت زاد من مخاوف البعض رؤيتهم سحب دخان لبني اللون تتصاعد من محيط معسكر الحفا.. غازات مواد كيماوية تسوقها الرياح باتجاه وسط العاصمة، ما يعني أن «نُقُم» مكان آمن بالنظر إلى امكانية الموت في ثوانٍ من شهيق وزفير. مثلما هي الصواريخ المتناثرة في الأجواء كان الكثيرون وأنا أحدهم بلا هدف لا أدري أين أذهب.
مضى على ذلك ربع ساعة تقريباً لنكتشف أن جبل نقم يحتضن قرصاً شمسياً تتوسع دائرته وامتداد شظاياه المستعرة.. لثلاث ثوان اهتزت البيوت وخُيّل إليَّ أن اعمدة الكهرباء تحفز الاسلاك على التحليق كطائر.. حدث ما حدث وصرخ جبل نقم في وجوه الناس وامتد هدير غضبه إلى كل مكان.. مازلت على قناعة بأن ما حدث كان مجرد بروفات ليوم القيامة.. واقتنعت بالفعل بأهمية وضع شريط لاصق بعلامة «*» على زجاج النوافذ رغم أن الانفجار اقتلع بعض قمريات ونوافذ منزلنا ورماها إلى الداخل. من على سطح المنزل شاهدت لحظة الانفجار وشاهدت أن حالنا أفضل من الغير مقارنة بجارنا الذي لم يسلم حتى من قلع «العداد»، فيما تكفلت الشظايا باختراق خزانات المياه والسقوف..كما شاهدت كيف كانت الدماء تسيل من جوانب حافلة تحوي عشرات الركاب للأسف لم تفلح مساعي هروبهم سالمين بأنفسهم خاسرين لممتلكاتهم وبيوتهم. في نقم ثمة فارق لا يوصف بين مواويل وزوامل تصدح بصوت متقطع «ما نبالي ما نبالي اعلنوها حرب كبرى عالمية» وبين أن تتعالى أصوات المآذن «حسبنا الله ونعم الوكيل».
أخيراً.. للملك سلمان: «لم أمت للأسف.. لكنك دمرت غرفتي وبعضاً من مقتنياتي الشخصية».
|