بقلم/ عبده محمد الجندي - هل كان نائب رئيس الجمهورية رئيس حكومة المنفى محقاً أو منافقاً في زيارته للجرحى السعوديين وتقبيلهم في رؤوسهم وهو الذي لم ينطق بكلمة مجاملة بحق الآلاف من الشهداء والجرحى اليمنيين الذي قتلتهم عاصفة الحزم بمباركة بل قل بطلب منه ومن رئيسه في المنفى والذي يسعى جاهداً للعودة لحكمهم من خلال بحثه عن منطقة آمنة في طول اليمن وعرضها وبسكانها الذين يقربون من ثلاثين مليون نسمة.. وهل فكر بلحظة صدق أن المبالغة في الاعتماد على قوة الحديد والفولاذ من الجو والبحر اقتربت من اللحظة التي تصبح فيه الآلة عاجزة عن الاستمرار في القتل لمجرد الرغبة في القتل؟
في وقت أصبحت فيه الارادة المستضعفة والعاجزة ذات قوة قادرة على الانتصار لحقها في الحياة والحرية والحق والعدل والاستقلال والديمقراطية التي تكفل لها حق انتخاب حكامها..
أقول ذلك واقصد به أن القوة المميتة والقادرة على القتل الى حد الابادة والقادرة على التخريب الى حد الدمار الشامل للبنية التحتية تصبح عند احساس من يقودون هذه الآلة عاجزة عن الاستمرار في القتل شعوراً بعذاب الضمير وقد يكون خوفاً من عذاب القبر.. في وقت يتحول فيه الضعف أو العجز الى قوة مقاومة للعدوان الخارجي وما ينطوي عليه من التحدي الذي يقابله استجابة ثورية تفضل الموت على الحياة الراكعة لغير الله من أولئك الذين يتمادون في الاستجبار والاستكبار وتكريس النزعات الاستعمارية البائدة..
نعم يا خالد يا بن بحاح لقد أسأت الحساب وألحقت العار والخزي بحق هذا الشعب اليمني الأبي، الشعب الذي وصفه الرسول الأعظم بأنه شعب الحكمة والايمان، والبلد التي وصفها الله- جلت قدرته- بأنها بلدة طيبة ورب غفور، وأنت تقبل أولئك الجرحى المعتدين على اخوانك وابناء وطنك- إنْ كان فيك ذرة من الوطنية والشرف- استرضاء لسادتهم وتقلب لشهداء اليمن وجرحاها ظهر المجن بصورة لم تصدر من مسئول يمني قبلك ولن تصدر من مسئول يمني بعدك من المسئولين الوطنيين الذين يقدسون شرف الوطنية ونبلها العظيم..
لا أعتقد أن سادتكم أو من تعتقد أنك قد أرضيتهم بهذا السلوك الانتهازي سوف يرتاحون في اعماق انفسهم بحكم سلالتهم الملكية النبيلة بما تقوم به من ممارسات مستفزة لشعبك ولوطنك الذي تحدثت عنه القصص والروايات التاريخية والكتب السماوية بأجمل وأسمى الممارسات ذات القيم الاخلاقية الرفيعة والنبيلة.
منذ متى يا خالد يا بن بحاح كان العملاء الخونة لشعوبهم يجاهرون بهذا النوع من الحقارة المرفوضة بإجماع الاعداء والاصدقاء؟
لا ابالغ اذا قلت بأن الطيارين الذين يقتلون المدنيين يعانون، هم فريسة لمعاناة ومخاوف مزدوجة تتأرجح بين عذاب الضمير وعذاب القبر من مشاعر ومخاوف كلما تذكروا ما أقدموا عليه من عدوان جوي بحق شعب يعاني من الفقر والقمع بما نتج عن عدوانهم من قتل المدنيين احياء كانوا أو أمواتاً في حالة معاناة شديدة بين عذاب الضمير في الحياة وعذاب القبر بعد الحياة، لأنهم يدركون سلفاً أنهم كلفوا بمهام قتالية عدوانية غير وطنية وغير قومية تتناقض مع كل ما لديهم من المقدسات والمحرمات التي اقسموا على مراعاتها بعد تخرجهم من الجامعات والكليات العسكرية للطيران والدفاع الجوي في العالم بأسره.
من هذه المحرمات:
- الاعتداء على بلد لا وجود فيه لقوة عسكرية مماثلة أي أن أبناءها عزل من سلاح الجو ولا يمتلكون من سلاح البر والبحر ما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم في التصدي لهذا النوع من السلاح القاتل.
- قَتْل الاطفال والنساء وكبار السن من الشيوخ والمسنين العاجزين عن القتال.
- قَتْل المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمدنيين العزل عن السلاح.
- الاعتداء على المساكن الخاصة وعلى المستشفيات والمدارس والجامعات والمعاهد العلمية والمهنية ودور العبادة وآبار ومعدات المياه وكل ما له علاقة بالأمور الحياتية والانسانية.
- الاعتداء على المخيمات ومعسكرات اللاجئين التابعة للمنظمات والهيئات المعنية بالإغاثة والرعاية الانسانية.
- الاعتداء على الآثار والمدن التاريخية والمتاحف والقبور والأضرحة الخاصة بأولياء الله الصالحين.
- الاعتداء على صوامع الغلال والبُنى التحتية والمراكز الثقافية والصحفيين ووسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة.
- الاعتداء على المقابر والساحات المخصصة لدفن الموتى.
- الاعتداء على الموانئ والمطارات والجسور والطرقات ووسائل المواصلات والاتصالات الخدمية.
هذه المقدسات المحرمة على القصف الجوي والبري والبحري كلها انتهاكات تندرج في نطاق جرائم الابادة الجماعية والتدمير الشامل ويقوم بها أولئك العسكريون الذين لا يحترمون قوانين الحرب ويسيئون استخدام مسئولياتهم في تحقيق انتصارات ترضي قادتهم وسادتهم وأولياء نعتمهم الزائفة، رغم علمهم بما تخلفه لهم ولأبنائهم واحفادهم من عقوبات مادية ومعنوية عاجلة وآجلة..
أقول ذلك وأقصد به أنه تحت وطأة الاحساس بعذاب الدنيا والخوف من عذاب الآخرة يصبح هؤلاء المقاتلون المعتدون على الحياة والحرية والحق بحق من يعلنون ضعفهم وعدم قدرتهم على الدفاع عن انفسهم بهذا النوع من السلاح والدفاعات الجوية المتطورة، يصل هؤلاء القتلة الى مرحلة يطلق عليها عجز القوة المميتة ذات الأسلحة الجوية الفتاكة الى العجز عن الاستمرار في القتل، بيد أن الاعداد من الضحايا قد تجاوزت المئات الى الآلاف وعشرات الآلاف التالية، لأن التجاوز الى مئات الآلاف يفتح المجال الى دخول الملايين وما بعدها من الأرقام المهولة.. هؤلاء الطيارون قد يكونون سعوديين وقد يكونون عرباً وقد يكونون مسلمين وقد يكونون انسانيين لاشك أنهم يشعرون بفداحة اخطائهم وانعكاسها على أدائهم العملياتي من عواقب وخيمة تجعلهم عرضة لعذاب الضمير العاجل وما بعده من عذاب القبر الآجل على نحو يجعلهم غير فاعلين ومترددين عن الاستمرار في قتل عدواني له بداية وليس له نهاية فلا يجدون قوة روحية وأدبية على الاستمرار الذي يجعل القوة عاجزة عن القتل، تاركين مهمة الاستمرار في القتل للمرتزقة الأجانب الذين لا تربطهم بهذا الشعب المعتدَى عليه أية روابط وطنية أو قومية أو اسلامية أو حتى انسانية، في وقت تكون فيه عملية التحدي قد ولدت لدى المعتدَى عليهم من العاجزين عن قتال المعتدين استجابة حولت ضعفهم الى قوة اسمها قوة الصمود والتصدي للأعداء والمعتدين من جبابرة القوة الذين أصبحوا عاجزين عن الاستمرار والديمومة في العدوان خوفاً من عذاب الضمير وعذاب القبر تشبه الى حد كبير ما وصفه «تيونبي» بالصراع بين التحدي والاستجابة وتشبه الى حد التطابق ما أورده فلاسفة الجدل من صراع بين السالب والموجب بصورة ديالكتيكية لها بداية وليس لها نهاية، لا تستطيع فيها القوة العاجزة أن تتمكن من الوصول الى صنع الانتصار المطلق الذي يلحق بعجز القوة الهزيمة المطلقة على نحو يجعل الدور لرجال السياسة ورجال الصحافة.. رجال الصحافة في قدرتهم على مراقبة وتقييم الأداء القتالي والاداء الدفاعي للرأي العام.. ورجال السياسة في قدرتهم على استبدال الأساليب والوسائل القتالية بأساليب ووسائل حوارية سلمية قابلة للاستمرار والديمومة على قاعدة تحكيم الديمقراطية والشراكة في السلطة وتحكيم العدالة والشراكة في الثروة وتسوية الاسباب التي تؤدي الى استبدال الاساليب القمعية العنيفة بالاساليب السلمية الناعمة على ما بينهما من تناقض وتضاد بين رحمة الاختلاف ولعنة الكراهية والحقد، بين الرغبة المجنونة للحرب والرغبة العقلانية للسلام، بين القوة التي أصبحت عاجزة عن القتل وبين العجز الذي أصبح له قوة من المخالب والانياب، مع اختلاف في المقاصد والارادات التي تمثل المشروع وغير المشروع، نطلق عليها في الحالة الثانية العدوان غير المشروع، ونطلق عليها في الحالة الأولى حق الدفاع المشروع عن النفس.
وهكذا يتضح مما تقدم أن الحروب عبارة عن صراع بين قوى الخير وبين قوى الشر لا يمكنها أن تكون حلاً لتصفية الحسابات السياسية لكنها في الجانب المقابل حسابات خير أو شر لا يمكن استبعادها مهما بدت محببة أو مكروهة سلفاً من الناحية النظرية على الأقل إلاّ أنها من الناحية العملية تعكس طبيعة الانسان الذي يقف في منطقة وسط بين الملاك وبين الشيطان يتكون بحكم تكوينه النفسي والفيسيولوجي من مقادير متباينة ومتناقضة من الخير ومن الشر ومن الملاك ومن الشيطان في مجمل عواطفه ومشاعره وسلوكياته وانفعالاته المتأرجحة بين الارادة وبين العقل التي تحدد اخلاقياته المعقولة وغير المعقولة والمقبولة وغير المقبولة من ابناء شعبه ووطنه.
أعود فأقول إن الطيارين الذي يقودون عاصفة الحزم- بما تنطوي عليه من الاستضعاف والاستجبار، ومن الاستكبار والظلم- قد بدأوا يشعرون بخطورة ما يقومون به من مهام قتالية يتضرر منها الشعبان الجاران اليمني والسعودي على قاعدة الجوار والشراكة في الانتماء الى العروبة والاسلام، وفي هذا الاطار يمكننا القول إن الطيارين الذي شدتهم ولاءات مهنية ومتهورة للقصف اللامعقول واللامقبول لما وقع تحت طيرانهم من أهداف أغلبها مدنية واقلها عسكرية لم يعد لديهم من دوافع قتالية محركة لتهورهم وجنونهم ما يجعلهم يستمرون، بعد أن بدأت حقائق المأساة تظهر للعيان من خلال ما تكشف عنه بعض وسائل الاعلام القليلة التي استطاعت كسر الحواجز والقيود الاعلامية التي فرضتها دول العدوان على جميع وسائل الاعلام الوطنية والعربية والاسلامية والعالمية بما لديها من الامكانات والعلاقات لأن الحقيقة أكبر من أن يتم التعتيم عليها وحجبها عن الرأي العام في عالم يقال عنه إنه تحول مع تطور وسائل الاتصال والاعلام والمواصلات الى قرية واحدة.. في وقت اصبحت فيه المعلومة ملكاً لجميع الهيئات والمؤسسات والمنظمات الدولية الباحثة عن حقوق الانسان وما تتعرض له من الانتهاكات التي يفرضها الاقوياء على المستضعفين الذين يناضلون من أجل الارتقاء بمجتمعاتهم الى المستوى المعقول والمقبول الذي يمثل الحد الأدنى من الحقوق التي تنص عليها القوانين السماوية والوضعية الوطنية والقومية والاسلامية والأممية والانسانية..
وكان هؤلاء الطيارون المقاتلون الذين نفذوا تلك الأوامر العدوانية الصادرة عن سادتهم المعتدين يقولون لهم إنه لم يعد لديهم أهداف عسكرية أو حتى مدنية موجبة للقصف وأنهم قد افسحوا الطريق أمام العدوان البري القادر على تحقيق أهدافهم المعلنة في عودة القيادة والحكومة الى عاصمة الدولة اليمنية أو حتى الى مدينة من مدنها الرئيسية الجنوبية أو الشمالية أو الشرقية أو الغربية، لكنهم ينصحونهم بأن هؤلاء المستضعفين الذي كانوا يعانون من عدم وجود ما هم بحاجة اليه من القوة الجوية والدفاعية قد أصبحوا في وضع مختلف يمتلكون قوة العجز في مواجهة القوة العاجزة عن الاستمرار والديمومة لتحقيق الأهداف المعلنة للعدوان وأنهم يفضلون التحول من الاساليب العسكرية المكلفة التي لا تحقق ما هو مطلوب منها من انتصارات مطلقة تفرض الاستسلام والهزيمة المطلقة على الشعب المعتدى عليه، وأن الأفضل للطرفين استبدال القوة العاجزة وعجز القوة بالاساليب والوسائل السياسية والحوارية السلمية من أجل الوصول الى حلول سلمية يقبل بها جميع الاطراف على نحو يحقق الشراكة الوطنية في السلطة والثروة وصولاً الى إعمال الديمقراطية في السلطة والعدالة في الثروة عملاً بما يحدث في جميع الديمقراطيات الناضجة والناشئة والمستقلة التي بدأت تجاربها بهذا النوع من الصراعات والحروب الدامية والمدمرة وانتهت الى نبذ الحروب والاحتكام لما لدى شعوبها من ارادات حرة ومستقلة في انتخاب ما هي بحاجة اليه من قيادات تشريعية وتنفيذية تعكس ما لديها من القناعات في عملية ديمقراطية تقوم على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الانسان وتعددية اقتصادية قائمة على تعدد القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة والمختلطة تقوم على المنافسة الحرة وتفاوت العائدات الحكومة بجوهر العدالة الاجتماعية.
لقد آن الأوان لهذا العدوان أن ينتهي ولهذه الحرب أن تضع أوزارها وللأطراف المتحاربة أن تراجع اطماعها وأهواءها، وتتراجع الى حوار سياسي برعاية الأمم المتحدة، ولمؤتمر جنيف أن يشرع في التشاور الذي يتفق فيه على الحوار بين جميع الاطراف على قاعدة لا غالب ولا مغلوب ولا منتصر ولا مهزوم وعلى عودة جميع الاطراف الى مواقف مسئولة تضع النقاط فوق الحروف وتحدد بصدق الجهة المسئولة عما لحق بالوطن الأرض والانسان من الخراب والدمار ومطالبتها بتعويض ما ألحقته بالشعب اليمني من الابادة الجماعية والدمار الشامل بعيداً عن التضليل والتدجيل والمغالطة التي تقوم بها جهات محسوبة على أبناء الشعب اليمني اختارت أن تعيش على ما دفعه من الدماء والدمار والدموع فأكلت لحمه حياً وميتاً وبوقاحة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العمالات والخيانات القديمة والوسيطة والحديثة والمعاصرة على الاطلاق.
أخلص من ذلك الى القول أن عجز القوة عن مواصلة القتل والتدمير تجد نفسها مضطرة الى التقارب مع قوة العجز المتمثلة بالتضحيات الاسطورية وما رافقها من الصبر والصمود والاستعداد المطلق للمقاومة حتى النصر أو الشهادة، لأن المعتدين تحكمهم مخاوفهم على ما لديهم من المصالح السياسية والاقتصادية، ولا يحكمهم ما يدَّعونه من حرص على الاشخاص الذين جعلوا انفسهم أوراقاً متساقطة بوجه العدوان القاتل لوطنهم وشعبهم بدافع الطمع في السلطة والثروة لا علاقة له بالمثل والمبادئ وبالقيم الثورية والاخلاقية.
|