بقلم/ عبده محمد الجندي - < كشف السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي رئيس جماعة أنصار الله في نهاية خطابه الأخير عن نفس طويل وخيارات متعددة لم يحدد ماهيتها في رسائل واضحة ومبهمة لأعدائه الذين اعتقدوا خطأً أنهم قد حققوا 95% من خطتهم العدوانية على الشعب اليمني، فإذا بهم بعد مرور سبعين يوماً على البداية التي انطلقوا منها مستخدمين كل ما لديهم من القوة ومن الثروة ومن العلاقات والتحالفات الدولية التي أقحموها في عدوانهم، يفاجأون أن عدوهم يتحدث عن نفس طويل وخيارات متعددة ولم يتوقف الأمر عند الحدود الدنيا للأبعاد الخطابية النظرية، بل تجاوز ذلك الى بداية لتطبيقات عملية تمثلت حتى الآن بتجريب ثلاثة أنواع من الصواريخ التي قيل إنها صناعة محلية تعكس الإبداع المشترك لأبناء القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية التي تحكم السيطرة على جميع الجبهات القتالية في الداخل اليمني وترد على العدوان في المناطق الحدودية السعودية التي اعتقد المعتدون أنها مناطق آمنة وأكد العدوان أنها مناطق مستهدفة..
أقول ذلك وأعتبر ما قاله السيد في حرب الأعصاب يتفق مع ما قاله الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام في مقابلته الأخيرة مع قناة «الميادين» واصفاً هذا العدوان الجوي بأنه يستطيع هدم المنازل السكنية الآمنة على رؤوس ساكنيها ويستطيع قتل ساكنيها من الأطفال والنساء والشيوخ، ويستطيع تدمير ما لدينا من الطائرات والمصفحات والدبابات والمنشآت الخدمية كالمستشفيات والمدارس والمعاهد والجامعات والموانئ والمطارات والمصانع والمزارع.. الخ، لكنه لا يستطيع اقتلاع 25 مليون نسمة من الجوار يتكون منهم الشعب اليمني في جنوب الجزيرة العربية، ومعنى ذلك أن النفس الطويل في خطاب السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي هو ما لدى الشعب اليمني من قدرة على الصمود والتصدي للعدوان بدوافع ناتجة عن رغبة في الانتقام والثأر لما ألحقه العدوان من مساس بالشرف والكرامة والسيادة اليمنية، أقلها حقه في الدفاع الشرعي عن النفس كواحد من هذه الخيارات المتعددة التي نستطيع القول إن أقلها معلوم وأغلبها مجهول، من الناحيتين الكمية والنوعية في حركة السالب والموجب.
أقول ذلك وأقصد به أن المنطق العلمي الذي تؤكد عليه القوانين الجدلية لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه طالما كانت القوة نسبية والحرب سجال يوم لك ويوم عليك، ويوم لا لك ولا عليك قد يكون للتعادل وقد يكون جميع الأطراف اليمنية المعتدي والمعتدَى عليه الى الحوار والهدنة الإنسانية من أجل التوصل الى تسوية سياسية يقبل بها المجتمع اليمني والمجتمع الدولي على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
ومعنى ذلك أن قيادة المملكة العربية السعودية قد أقحمت شعبها في عدوان لا ناقة له فيها ولا جمل سيكون مبررها الوحيد أنها قد خُدعت من قبل مجموعة الطابور الخامس التي طلبت منها النجدة التي أطلقت عليها التسمية الخاطئة «عاصفة الحزم» التي استدركت محتواها الكارثي بتسمية مهذبة «إعادة الأمل» بعد أن تبينت أن العواصف لا ينتج عنها الحزم المقصود به التنظيم، والتهذيب كبديل أفضل لما ينتج عن العواصف من الفوضى الناتجة عن الخراب والدمار، ناهيك عن الإبادة الجماعية المحددة بالزمان والمكان الذي تجتاحه رياح العواصف.. أما كيف تورطت قيادة المملكة- المطالبة بتعويضات قد تصل الى مئات المليارات من الدولارات- بما اعتمدت عليه من استشارات تطوعت بها فلول الطابور الخامس ونقصد بهم الهاربين من الحرب، فقد قيل والله أعلم بأن النخبة المستفيدة من دعم المملكة العربية السعودية أشارت عليها بعاصفة الحزم وأن من تطلق عليهم الانقلابيين المتمردين على الشرعية لا يمكنهم الصمود سوى عشرة أيام بلياليها وسوف يشعرون بهول وأعباء هذا النوع من العواصف ويعلنون الاستسلام غير المشروط، وما سوف ينتج عن ذلك من عودة الرئيس وحكومته المدجنة لحكم اليمن بتوجيهات سعودية مباشرة رغم أنه لا مشورة لهارب ولا مشورة لمهزومين فارين من الحروب الميدانية، لأنهم يطلقون مشوراتهم في وقت يعانون فيه من رعب هزائمهم التي جعلت ألسنتهم ثقيلة وقلوبهم حية ولكن شبه ميتة أو في حياة أسوأ من الموت، أي أنهم سكارى وما هم بسكارى يعانون من رعب شديد من غضب شعبهم أفقدهم القدرة على التقييم وجعلهم أصحاب إرادات مهزوزة يقفون في منطقة وسط بين الحياة وبين الموت، تبسّط العدوان وتقلل من صمود المقاتلين الشجعان وسباقهم على الموت - الشهادة- أكثر من تشبثهم بالحياة حتى ولو كانت مأزومة ومهزومة ملطخة بالعار والخزي الناتج عن غبار العمالة والخيانة الوطنية التي جعلتهم يحاربون بدون ثقة من شعبهم.
لقد قلت يوماً في أحد مؤتمراتي الصحفية أنه لا مشورة ولا مصداقية ولا ثقة بالفارين المهزومين من الحروب، وقلت إن التجمع اليمني للإصلاح أسدٌ علينا أي على المؤتمر الشعبي العام، وفي الحروب مع أنصار الله نعامة حتى لو استعان بما له من قوى متحالفة مقاتلة، ولم أكن سوى ناقل للحقيقة، كما سمعتها من أولئك الذين كانوا على علم بتلك الحروب وما نتج عنها من الانتصارات والهزائم الجزئية والكلية من دماج الى عمران الى صنعاء الى ذمار الى الحديدة الى عدن والضالع وشبوة الى تعز الى أبين ولحج.. بما فيها تلك الجيوب التي مازالت تحتفظ لهم بجيوب مقاومة، تستقوي بالغطاء الجوي وتستمد منه وحده القدرة على استخدام ما يتوافر لها من المال والسلاح، ورغم أن عمر العدوان وعمر المقاومة قد تجاوز كل ما هو معقول ومقبول من الثواني والدقائق والأيام والأسابيع والشهور الا أن النصر بأبعد مما حوله من المؤشرات يكشف أن قرار العاصفة قد بني على معلومات وتوقعات خاطئة تستوجب المراجعة بدافع الحرص على التصويب، لأن العدوان استكمل كل ما رسم له من الأهداف التي تجاوزت العسكرية الى المدنية، والمقاومة في حالة تقهقر وتراجع على قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة، رغم ما أُعطي لها من الدعم العسكري والمالي والغطاء الجوي منقطع النظير في تاريخ الحروب.. هذه الحقائق أصبحت واضحة أمام مجلس الأمن الدولي وأمام الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون الذي أعطيت له كامل الصلاحية في الدعوة الى هدنة إنسانية وفي تحديد الموعد الزمني للقاء جنيف التشاوري عطفاً على نقد مباشر للقوى التي حالت دون حضور موعده الأول ويقصد بها الرئيس هادي وحكومته وأعضاء مؤتمر الرياض ومن يدعمهم ويقف الى جانبهم من قوى المال والسلاح والعلاقات الدولية المركبة.
وإذا كان بال السيد مازال طويلاً وخياراته مازالت متعددة فإن استمرار الحرب- كما قال الزعيم صالح- مع خمسة وعشرين مليون يمني عملية مكلفة وموجبة للمراجعة والتراجع من الباطل الى الحق ومن الحرب الى السلام الشامل والدائم والعادل في منطقة تستمد أهميتها الاستراتيجية من الموقع الجغرافي ومن منابع النفط ومن الممر المرتبط بالتجارة العالمية في عصر يقال عنه عصر العولمة والمعلومات والاتصالات والمواصلات والإعلام وحرية السياسة والتجارة، لعل تعدد الخيارات بمثابة المضمون والمحتوى الموضوعي لتعدد الخيارات عند هذا النوع من المقاتلين الذين يطلقون على أنفسهم أنصار الله الذين يبحثون عن شراكة سياسية وعن شركاء يتحالفون معهم في مواجهة العدوان وفي إدارة الدولة التي تعاني من فراغ القيادات الفارة من الساحة الوطنية لا اعتقد أنهم سوف يقبلون اليوم بما سبق أن قبلوا به بالأمس لأن ما بعد العدوان من الانتصارات تستوجب المراجعة الجادة في المشاركة والشراكة التي تقوم على التمييز بين أولئك الذين دافعوا عن الوطن وضحوا بدمائهم وأرواحهم وممتلكاتهم وقدموها رخيصة من أجل التصدي للعدوان، وبين أولئك الذين خانوا الوطن ووقفوا الى جانب أعدائه مقابل ما حصلوا عليه من الأموال والسلاح والممتلكات المادية الرخيصة، ولابد للحلول أن تكون عادلة ومحكومة بقيم الإخلاص للوطن والحفاظ على الكرامة الوطنية والاستعداد للتضحية من أجله، ولابد أن تكون مجسدة للإرادة الشعبية الموجبة للإسراع في الاحتكام للديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، لأن الشعب اليمني الذي اُبتلي بهذا النوع من العمالات والخيانات غير المسبوقة لن يكون قابلاً بهذا النوع من المساومات وحوار الصفقات التي تكرر مرحلة انتقالية استطاعت فيها أحزاب الاقلية أن تدخل في صفقات مع رئيس انتقالي نصت عليه المبادرة الخليجية وكفلت له سلسلة من الصلاحيات والسلطات بالملكية المطلقة ما جعله يقدم مصالحه ويشغل بنفسه على حساب الإضرار بالأغلبية الساحقة من أبناء الشعب.
إن تكريس الاستبداد السياسي وتقديس وعبادة الأشخاص من الأفكار الشمولية التي عفى عليها الدهر وسقطت بسقوط الدكتاتوريات الشوعية، مفسحةً المجال أمام الديمقراطية القائمة على التعدد والتنوع والتنافس وتغليب الإرادة الشعبية الحرة من خلال انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة قد تكون الديمقراطية أحد تلك الخيارات التي سيكشف عنها السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في أية تسوية سياسية قادمة يربط فيها تسليم السلطة والسلاح لقيادة منتخبة من الشعب اليمني، لأن عدم تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية الانتقالي إحدى نقاط الضعف التي استطاع هادي من خلالها إفشال العملية السياسية والحيلولة دون إجراء العملية الانتخابية في موعدها الذي حددته المبادرة الخليجية باعتباره المرجعية الوحيدة لأية حوارات ولأية اتفاقات وتسويات سياسية صورية، قد تكون هناك حاجة لمجلس رئاسة مؤقت يقود ما تبقى من المهام الانتقالية، ليس لرئيسه وأعضائه الحق في ترشيح أنفسهم في أي انتخابات رئاسية لاحقة لأن منعهم من حق الترشح يجعلهم ينشغلون بالأمور الموضوعية والتنموية وإعادة البناء الاقتصادي بدلاً من الانشغال بأنفسهم كما حدث للرئيس الانتقالي الذي أباح شعبه لأعدائه مقابل عودته الى الحكم مرة ثانية.
أقول ذلك وأقصد به أن الديمقراطية قد تكون في طليعة الخيارات التي يلتقي فيها مكون أنصار الله مع حلفائهم وفي مقدمتهم المؤتمر الشعبي العام، لأن العلاقة بين السيد عبدالملك الحوثي وبين السيد حسن نصر الله سوف تجعل أنصار الله يستفيدون من التجربة السياسية لحزب الله اللبناني في الاحتكام للشرعية الانتخابية وتصعيد القيادات التشريعية والتنفيذية، ومعنى ذلك أن الانتخابات المبكرة قد تكون أحد تلك الخيارات المواكبة للنفس الطويل التي قد تفاجأ بها الحكومة والقيادة المقيمة في الرياض التي ما برحت تقحم نفسها في حوار القوى السياسية والحزبية التي سوف ينتصر فيها السيد عبدالملك للشعب اليمني طالما وقد مرت عليه فترة زمنية طويلة ولم يضع نفسه بديلاً لرئيس الجمهورية ولم يضع جماعته أنصار الله بديلة للحكومات الحزبية التي تمثل الأقلية على حساب الإضرار بالأغلبية الساحقة، ويكون بذلك قد حرر اليمن من الدول المتدخلة في شؤونه التي تسببت له بهذا النوع من المؤامرات والخيانات الوطنية غير المسبوقة، لأن مطلب الديمقراطية الذي يتفق مع الاتجاهات الليبرالية السائدة في العالم هو المطلب الشرعي الكفيل بتخليص الوطن والشعب اليمني من الهيمنة الخارجية الداعمة والمساندة لهذا العدوان الذي تجاوز كل القوانين السماوية والوطنية والدولية في عالم يقوم على التعدد والتنوع والديمقراطية في السلطة والعدالة في الثروة الى غير ذلك من تعدد الخيارات الممتدة لكل الإرادات ذات الصبر والنفس الطويل.
قد يقول أتباع مؤتمر الرياض إنهم يطالبون فقط بتطبيق القرار رقم 2216 وإعادتهم للسلطة، وقد يفاجأون من قبل أنصار الله بردود معاكسة تطالبهم بتعويض ما ألحقه العدوان من خسائر مادية ومعنوية بالشعب اليمني وبقواته المسلحة وقد يستعرضون أمامهم ببيانات تفصيلية بما تم تدميره من البُنى التحتية المدنية والعسكرية وبعدد القتلى والجرحى الذين سقطوا بالعدوان ويطالبونهم بما بحوزتهم من الأسلحة التي سلمت لهم من البحر ومن الجو والتي نهبت ودمرت وسرقت مما تم الاستيلاء عليه من عام 2011م حتى هذه اللحظة وقد يواجهونهم بقراراتهم التدميرية التي دمرت المؤسسة العسكرية من بداية إعادة الهيكلة وحتى اليوم وبقراراتهم الأخيرة التي تطرقت لإلغاء القوات المسلحة واستبدالها بمليشيات هادي والاخوان والقاعدة ويضعونهم وجهاً لوجه أمام أسئلة محرجة تحتاج الى إجابات حرجة لمن يتم تسليم السلاح.. وهل تطالبني بتسليم سلاحي لتقتلني بسلاحك وسلاحي؟
وقد يواجهون ممثلي الحكومة ورئيس الجمهورية بقولهم: أنتم فقدتم الحياد وأصبحتم تمثلون طرفاً واحداً يتخذ مواقف عدائية من بقية الأطراف، فخالفتم المبادرة الخليجية جملة وتفصيلاً، لأننا بحاجة الى قيادة جديدة محايدة تم الاتفاق عليها في حوارات سابقة.. تلك خيارات متاحة في العملية السياسية تليها خيارات عسكرية تندرج في نطاق ما لا نستطيع التنبؤ به؟
ولكن في جميع الأحوال تبقى القيادة السياسية والحكومة المنحازة لطرف واحد غير مؤهلة لأن تتحمل أية مسؤوليات جديدة نظراً لما هي مسؤولة عنه من الفشل الذريع الذي لا يذكر هذا الشعب الا بالآثار السلبية للعدوان الجوي وبصواريخه وقنابله القاتلة والمدمرة، وأن الحوار بين اليمنيين لا يقبل بالتدخلات الخارجية على الاطلاق.. إذا علمنا أن عودة الحكومة الى مناطق آمنة في اليمن سوف تكون واحدة من المعجزات التي تضاف الى ما قبلها من معجزات عالمية في مراحل التاريخ المختلفة؟
|