محمد علي عناش -
الصحراءبيئة قلق وتوجس وبيئة كروفروفقدان الرشدوالبصيرة، وبالتالي فإن أبن الصحراء هو انسان قلق ومتوجس دائما ويعيش على الكر والفر والحيلة وتتحكم في تصرفاته وسلوكه وعلاقاته الغرائز أكثر من القيم التي غالبا ما تكون متدنية لديه وتكون مخلخلة ومتناقضة، ولذا فإن الغدر والحيلة والتربص ونكث العهود، صفات ثقافية واجتماعية لصيقة بأبن الصحراء القلق والمتوجس.. ولقد ظل هذاالإنسان في الصحراء الشاسعة في شبه الجزيرة العربية، يتوارث هذه الصفات والمكونات الثقافية في شخصيته، سواء قبل الاسلام أو بعده، فالفحولة الي كان يعتز بها أبن الصحراء والقائمة على الغدر والاغارة والسلب والنهب ونكث العهود والمواثيق التي كانت سائدة قبل الإسلام، أستمرت لصيقة به بعدالاسلام ولكت بعد الباسها بثوب الدين، والتاريخ يحكي الكثيرمن الصراعات التي جسدت هذه المسألة، كأستباحة المدينة المنورة وقصف الكعبة بالمنجنيق في حرب أبن الزبير وبن مروان، وحكاية مالك بن النويرة وإبادة عشيرته والدخول على زوجته في يوم مقتله، والحكاية لم تكن سوى أمتناع بن النويرة وعشيرته عن دفع الزكاة لأسباب متعلقة بالبيعة للخلافة بعد موت الرسول، فألبسوها ثوب الردة لقتل بت النويرة وإبادة عشيرته والإعراس بزوجته يوم مقتله، ووضع الرؤوس أثافي تحت القدور الممتلئة بالحوم كولائم للعرس، أمعانا في التنكيل والإذلال والتوظيف الميكافيلي للدين في تحقيق الأهداف والغ رائز المكبوتة.. من هذه الصحراء القاحلة وهذه البيئة، خرجت أوولدت الوهابية كمذهب ديني قلق ومتوجس ناف للآخر ومولع بالماضي والسكون فيه، في نفس الوقت الذي يحمل بداخله الصفات الثقافية والوجدانية لأبن الصحراء، فتاويها التي أباحت سفك الدم اليمني في هذا العدوان الهمجي تحت ذريعة الدفاع عن الدين والدفاع عن الحرمين الشريفين تعبير سيكولوجي عن ذلك، والصورة التي رأيناها لعلماءالوهابية مع الطيارين وهم يقبلون رؤسهم ويودعونهم قبل تحركهم لقتل أطفال اليمن، لوحة تراجيدية تجسد المخزون الغرائزي النهم للدم لأبن الصحراء المتخفي تحت ثوب الدين والعلم .
في حين رأينا الوهابية في العدوان الإسرائيلي على غزة تحرم على السعوديين حتى المسيرات التضامنية المنددة بالعدوان كون ذلك فيه ضرر على المملكة ووقوفها ضد حزب الله في حربه مع أسرائيل، صار الدين لدى هؤلاء يجسد ويعبر عن دوافع الأشخاص وثقافتهم وغرائزهم، لا القيم الإنسانية والاخلاقية للدين الاسلامي، ومن هذه الصحراء خرجت أسرة آل سعود حاملة نفس الصفات والقيم الثقافية والغرائزية، تاريخهاالمملؤ بالإغارات والتقطع والسلب تحكي هذه المسألة السيكولوجية لهذه الأسرة، ظهور النفط بهذه الكمية الكبيرة والخيالية لم يغير
فالقلق والتوجس ووعي الحيلة والتربص والخوف من الآخر وثقافة الكر والفر، كمكونات ثقافية واجتماعية راسخة في الوجدان الصحراوي الوهابي، ولقد برزت الى السطح بشكل جلي في دعم السعودية للنظام البعثي في العراق في الحرب مع ايران في الثمانينيات،ثم دعمها للتحالف الدولي الامبريالي الصهيوني الذي دمر العراق واطاح بصدام حسين والنظام البعثي في العراق في التسعينيات، كما برزت بشكل أوضح في الاحداث التي مرت بها المنطقة العربية منذ2011م حتى اليوم، بدعمها حركة الاحتجاجات في ليبيا وتمويلها تكاليف العمليات العسكرية للتحالف الدولي الذي اسقط القذافي وأسقط الدولة في ليبيا، ودعمها للجماعات الدينية الإرهابية والدفع بها من مختلف دول العالم نحو سوريا، لتدميرها واسقاط نظام الأسد، تحت مبررات واهية ومخادعة، وهي الحرية والديمقراطية، عندما تأتي من نظام ملكي أسري رجعي، غير أن الحقيقة تكمن في الخلاف الشخصي مع القذافي الذي أهان الملك السعودي في القمة العربية التي عقدت بشأن الكويت، كما تكمن في المزاج القلق والمتوجس من ايران وتمددها، هذه الفوبيا الطائفية والمذهبية المسيطرة على النظام السعودي ثقافياً وسياسياً الامرالذي جعلها تتحالف حتى مع اسرائيل لتدمير سوريا واسقاط نظام الأسد..هذه الفوبيا نفسها التي حركت الغرائز العدوانية الصحراوية لشن العدوان الهمجي على اليمن دونما مبررات، وبهذا الشكل البشع الذي يخفي مخزوناً هائلاً من الحقد والغدر، ولأن هذا النظام يحمل ثقافة الصحراء بكل ما فيها من جلافة، يشن عدواناً همجياً كراً وفراً من السماء طوال هذه الفترة من العدوان التي تجاوزت السبعين يوماً، استهدف فيها الانسان والبنى التحتية والمعالم الأثرية والتاريخية،التي تجسد الهوية الوطنية والثقافية والجمالية للشعب اليمني، الأمر الذي جعل الشعب يخوض معركة مصيرية مع عدو تجرد من كل نزعة انسانية واخلاقية وجمالية، عدو أتى من الصحراء حاملاً في داخله ثقافتها البدائية وقلقها وتصحرها.