نجيب شجاع الدين -
< على الرغم من الأحداث التي واجهتها وتواجهها البلاد فإنه لا يمكن تغيير حياة الناس الى الأسوأ لأنهم ببساطة يقعون في الدرك الأسفل من المعاناة، البؤس، الشقاء.
استغل أحدهم الورق الدعائي المقوى لتقويم العام الميلادي الجاري في سد فراغ نوافذ منزله المهشمة.للأيام شبكة خطوط أعدت سلفاً بحيث لا يختلف المربع الخاص باليوم الـ130 عن المربع الأول.
على النافذة تعتلي صفحة كل شهر صورة لمحافظة يمنية رائعة التكوين تشرق بالابتسامة في وجه ناظرها رغم استغرابه كيف أن هذا الحال يعطيها القدرة على إخفاء كل العيوب.
قطعاً هي صورة قديمة.. جميعنا يعلم أن صنعاء، عدن، إب، تعز، صعدة، مأرب، البيضاء، الضالع، لحج، أبين، شبوة.. وغيرها لم تعد كما كانت في الصور.
أشياء كثيرة حدثت في اليمن السعيد ولاتزال - أكثرها غرابة- تحدث وتعصف فيه بأدوات الهول والرعب.. طائرات في السماء وصواريخ وقنابل على الأرض.
حتى المواقع الأثرية التي لا عمل لها سوى التذكير بأن اليمن كان سعيداً ذات مرة قبل 18 قرناً قبل الميلاد لم تسلم من التدمير.
مع ذلك وبعد كل ذلك ثمة إنجاز تاريخي واضح المعالم ويجعل من عدة مناطق يمنية معرضاً لجثث الموتى والأرواح البريئة الهائمة المتوجسة خيفة.
لليوم السبعين يتكرر سؤال بلا إجابة عمّاذا جنى الشعب اليمني كي يصبح موته رخيصاً ولكي تتعامل دول عدة مع أرضه فقط من منظار هدف عسكري.
لعله شيء مؤلم أن يلعب الإعلام العربي والعالمي دور شاهد زور إزاء المآسي التي نشهدها، إضافة الى كيانات لمجتمع دولي ومنظمات دولية تتابع عن كثب وترصد وتحقق وتؤكد ثم تقلب اسمها (صلاح) وتضع مسألة وفاة 2000 مواطن يمني في سجل الهفوات والأفعال المنسية لا محالة.
حقيقةً.. إن على بان كي مون اتخاذ قرار سريع وعاجل يتعلق بشأن إنشاء الأمم المتحدة منظمة جديدة تعنى بالرفق بأولئك المتباكين على الوطن وتعمل على التقليل من أعدادهم- على الأقل- رجاءً يكفينا مزايدات ومتاجرة بدماء وأوجاع الضحايا.
في الوقت الحالي تعد مناسبة وطنية عظيمة أن يتمكن أحدهم من توفير الطعام لأولاده وقضاء ليلة هادئاً مطمئناً مستريح البال.. لا مجال فيها للعيش داخل جمجمته - كلما اهتز المنزل أمام مشهد القصف الوحشي- متنقلاً بين هواجس اللجوء من شر لآخر.. النجاة بجلده من هذه الغارات .. أو سلامة بيته من لصوص الحارات!!!
إذا كنت لم تجرب العيش فيما يسمونه مدينة أشباح فعليك زيارة العاصمة.. فلصنعاء هذه الأيام نهجها المتفرد في الحياة.
قد تفرح ويفرح معها سكانها ليس مجاملة وتملقاً لمناسبة عيد بل لأن هناك مئات المناسبات التي تأتي من ناحية التأكيد أن شر البلية ما يضحك.
في أبسط حالات الصمود أو المعاناة - يعتمد ذلك على تصنيف منظمات حقوق الإنسان- يمكنك القول إن آخر ظهور لمواطن يمني بعد الاستحمام كان في 26 مارس 2015م.
وقد يعتري صنعاء شعور الحزن لكن حزن أهلها فجائع ودموع.. يتناقص أعداد أقاربنا وأصدقائنا في كل وقت. ومع هذا لم يقدر أصحاب الفيل على إعادة الشرعية المفقودة والمستلبة بحسب ادعاءاتهم من قبل أصحاب الكهف.. ولا أصحاب السفينة تمكنوا من إيصال مساعداتهم.
المحصلة النهائية انقطاع العلاقة بين اليمن وأصدقائه في الخارج خلال 70 يوماً وتراجعها الى أدنى مستوياتها في الداخل، ما عدا خدمة «سلّفني».
الى الآن وحدهم أصحابنا أبناء الصومال أثبتوا فعلاً أن الصديق وقت الضيق.. فمن بين مليون و700 ألف لاجئ صومالي نزح 7 آلاف فقط الى الصومال..
هذا الموقف المشرف يدفعنا للتغاضي عن قول واحد نفر في شارع الصافية «يلأن أبوها بلاد»..
كما عليهم مسامحتنا إذا كنا اتهمناهم سابقاً بالتسبب في إصابة 35 ألف مواطن يمني بمرض الايدز..
ذلك أن كل ما يعانيه اليمن - من جملة ما يعانيه- يبدأ بالنقص.. نقص حاد في الغذاء، نقص في الدواء، الماء، الوقود، ونقص طفيف في المناعة المكتسبة.
24 ساعة 7 أيام في الاسبوع نعيش في حالة ظلام بدائي .. باستثناء نصف ساعة تضيئها الكهرباء أحياناً.. ألا تلاحظ خلالها أن خارطة الجمهورية اليمنية لم تعد تظهر أمام أعيننا الا بشكل جزئي على شاشة قناة «العربية» ومرتبطة بشكل كلي بالحرب ونزيف الدم الجاري للركب بين مليشيات لا حصر لأسمائها وتابعيها، كما تظهر في شاشة مسطحة من مكتب بوزارة الدفاع السعودية يستخدمها عسيري خلفية لصورته ولإيضاح وتحديد أماكن القصف والاسلحة المستخدمة.