محمد علي عناش -
هل سرق السيسي ثورة 30 يونيو المصرية؟ أم أن السيسي هو في الأصل منتج مشوه للثورة؟ ربما يكون أحد هذين التساؤلين هو الأقرب للحقيقة التي تفسر حالة الانحطاط في السياسة المصرية الراهنة،وحالة الانتكاسة التي تشهدها مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي وخصوصاً في جوانب الحريات والمواقف القومية لمصر من القضايا العربية، ودور مصر الريادي في المنطقة العربية والذي تراكم طوال عقود من الزمن، تشكلت خلالها الهوية السياسية والثقافية لمصر، كقطب حامل للمشروع الحضاري التحرري العربي.. هذه الهوية السياسية والثقافية باتت تتعرض للطمس والتشويه، وهذا التراث القومي الرائد لمصر يتعرض للتدمير والإنحراف والقطيعة، بسبب اقتراب السيسي الزائد عن حده من ملوك وأمراءالنفط، الى درجة الإذعان والتنازل عن هذا الدور الرائد لمصر، ثم التحول الى تاجر مرابٍ يبيع ويشتري المواقف والقضايا القومية المصيرية للعرب، حتى في الدم العربي الذي ينزف بغزارة، وصولاً الى استلام الثمن للاشتراك في عدوان سعودي سافر يقتل اليمنيين ويدمر منجزات الشعب اليمني التي بناها طوال نصف قرن، وتدمير معالمه التاريخية الأثرية وتراثه الإنساني الغني والزاخر بالجماليات والإبداع الممتد لأكثر من 3000سنة.
السيسي سرق ثورة 30 يونيو والتي كان من أهم أهدافها بناء الدولة الديمقراطية ومحاربة التطرف والإرهاب، واسترداد مصرالعروبة المختطفة من قبل الإخوان، في نفس الوقت هو منتج مشوه للثورة فهو لم يأتِ بشيء جديد يندرج ضمن التطلعات الكبيرة للشعب المصري، فالوضع الاقتصادي راكد ومتدهور ويحاول السيسي متوهماً أن ينعشه بالتقرب المذل من السعودية ودول الخليج، كما أن الحالة السياسية راكدة وخاملة في مصر وتشهد تدهوراً في جانب الحقوق والحريات بالإضافة الى انحراف الموقف المصري واستلابه تجاه القضايا العربية المصيرية.. لعبت العاطفة الثورية المصرية المكرسة حينها ضد الإخوان، دوراً رئيسياً في انتاج السيسي الذي عمل منذ الوهلة الولى للثورة على دغدغة هذه العاطفة بإبداء الصرامة والحزم تجاه الإخوان، واستمر يعزف على هذا الوتر ليكرس لدى الشعب المصري أنه الخيارالوحيد لمصر لانتخابه رئيساً للجمهورية، وقد نجح في ذلك..
الجميع كانوا عاطفيين حتى نحن كنا عاطفيين وهتفنا «تسلم الأيادي» مع الجموع المصرية.. كان لابد حينها أن نشارك المصريين أفراحهم وأن نهتف معهم تسلم الأيادي التي استردت مصر من قبضة الإخوان الذين اختطفوها وحبسوها داخل تنظيمهم، الأمر الذي كان له انعكاسات خطيرة بدأت تجلياتها ومؤشراتها تطفو في المجتمع المصري.. من المؤكد أن الشعب المصري كان يجب أن يثور ضد الاخوان لكن في نفس الوقت كان لابد أن يحمي ثورته من الثغرات والانحراف الذي يحصل بسبب الاندفاع العاطفي، بمعنى لم يكن بالضرورة انتخاب السيسي رئيساً للجمهورية واعادة الحكم والسلطة الى حضن العسكر، خاصة وأن السيسي الى درجة كبيرة مجهول وبلا ملامح وبلا مشروع واضح، وأنما حالة طارئة في المشهد، وانتخابه رئيساً يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب.
وهو ما تجلى ببروز ظاهرة السمسرة السياسية في المواقف المصرية، وارتماء السيسي في أحضان السعودية الى درجة الاشتراك في التحالف السعودي الذي يشن عدواناً سافراً على اليمن واليمنيين، والإذعان لمطالب السعودية وضغوطها تجاه الإعلام اليمني المناهض للعدوان والفاضح لجرائمه، وقد نجحت السعودية لدى التاجر المرابي الذي استلم الثمن وقام بوقف بث أكثر من ست قنوات يمنية من القمر نايل سات.