الميثاق نت -

الثلاثاء, 30-يونيو-2015
بقلم/ عبده محمد الجندي -
الذين يعتقدون أن العدوان الظالم على اليمن سوف ينتهي الى الانتصار للظالم على المظلوم أو الطرف السياسي على غيره من الاطراف السياسية الرافضة للعدوان الظالم يقعون في أخطاء فادحة تعكس ما لديهم من الثقافة الشمولية الرافضة للديمقراطية القائمة على التعدد والتنوع والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات.

أصحاب هذا الاعتقاد يظلمون أنفسهم في تجاهلهم ويؤكدون بافعالهم أنهم يعيشون خارج العصر، تجمدت أفكارهم ورؤيتهم عند عودتهم الى الحكم بقوة القرار رقم «2216» وعلى متن الطائرات والصواريخ العدوانية لعاصفة «الحزم -اعادة الأمل» متناسين أن المظلومين الذين حصدتهم نيران العدوان لا يمكنهم تنفيذ القرار المرتبط بمنظومة من الاجراءات والقرارات والتدابير العملية الموجبة للحوار والاتفاق بين المكونات السياسية، آخذين بالاعتبار الوضع الميداني ومن يمتلك السيطرة العسكرية على الأرض.. والاتفاق على حكومة وطنية تمثل جميع المكونات السياسية لأن القيادة والحكومة الحالية المقيمة في الرياض والمتهمة بجلب العدوان تحولت الى طرف بديل لجميع المكونات والاطراف السياسية، ومسئولة عما لحق بالشعب اليمني من استدعاء الخارج للقيام بأعنف الضربات الصاروخية على الداخل بصورة مخالفة لكل القوانين السماوية والانسانية ناهيك عن مخالفتها لدستور الجمهورية اليمنية وقوانينها النافذة وفرض الحصار المطلق دون تفويض من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومبعوثه الأممي المشرف على الانتقال السلمي للسلطة السابق واللاحق.. وأقصد بهما جمال بنعمر واسماعيل ولد الشيخ احمد.

أقول ذلك واقصده به أن قوة السلاح من الجو ومن البحر والبر لا يمكن الاعتماد عليها في فرض ارادة الأقلية على الأغلبية الساحقة من ابناء الشعب وسعيها الدؤوب للاستقواء بالخارج على الداخل لذلك جاء بيان مجلس الأمن الأخير يؤكد على هذه الحقيقة الصادمة لما تطلق على نفسها الشرعية من خلال دعوتها جميع الاطراف اليمنية- ويقصد بها جميع المكونات السياسية المنضوية في اطار التكتلات الرئيسية الأربعة الى العودة للحوار بدون شروط مسبقة.. ودعوة لدول العدوان الى الالتزام بالقوانين الانسانية للحروب بعد أن تجاوزت في ضرباتها الصاروخية كل ما هو انساني وقانوني وشرعي، ناهيك عما فرضته من الحصار الجوي والبحري والبري خلال ثلاثة أشهر متواصلة من العدوان على الشعب اليمني.

لا أعتقد أن الذين قست قلوبهم على شعبهم وتوقفت افكارهم عند مصالحهم الخاصة يستطيعون هذه المرة مغالطة المظلومين والحيلولة دون الاستجابة لما دعا اليه مجلس الأمن الذي ضاق ذرعاً بضربات الظالم على المظلوم ودعا ممثله الى هدنة انسانية يتبعها وقف دائم لاطلاق النار، كما دعا جميع الاطراف الى حوار سياسي بعقليات تغلب النوايا الحسنة على النوايا السيئة ومن يدعمهم بعد أن أكدت التجربة والممارسة العملية أنهم عبارة عن ظاهرة هوائية تمتلك سلاح القوة وتمتلك سلاح الاعلام لكنها لا تمتلك قدرة قتالية لأنها تدرك أنها تقف مع القوى المضادة للمصلحة العليا للوطن والمواطن وتقاتل تحت مظلة ما يقوم به الطيران الحربي من هجمات صاروخية عدوانية، ومعنى ذلك أن النصر في جميع المحافظات كان ومازال وسيظل الى جانب أولئك الذين يقفون في صف الدفاع عن السيادة والكرامة والارادة اليمنية مهما بدت قوتهم العسكرية والاعلامية ضعيفة وغير متوازنة مع القوة العدوانية القادرة على قلب الحقائق وتسويق معلومات زائفة لمصلحة أولئك المعتدين الذين يدعون أنهم يقفون الى جانب الشعب وهم يقتلونه ويدمرون ممتلكاته العامة والخاصة بصورة تغضب الله في السماء والانسانية في الأرض في عالم أصبح غرفة واحدة لا يمكن لقوة المال والسلاح والاعلام أن تحجب الحقيقة عن العالم كل الوقت مهما نجحت بعض الوقت، لأن قوة الحق أقوى من قوة الباطل، والعودة الى الحق فضيلة تستوجب على المعتدين مراجعة اخطائهم وتلزم المغفلين بالعودة الى صوابهم وعدم التطاول في مطالبهم الخيالية الى درجة التمادي في املاء الشروط ومطالبة المقاتلين بالتخلي عن تضحياتهم وتسليم السلطة كاملة لتلك الاطراف الضعيفة التي تستقوي بالخارج على الداخل استناداً الى شرعية تجاوزتها المتغيرات.. واذا كان الفريق الحكومي قد عاد من جنيف الى عاصمة المنفى متباهياً بما حققه من انتصارات حالت دون الاتفاق على وقف اطلاق النار يبدأ بهدنة انسانية، غير مبالين بما لحق بهم وبمواقفهم من الخزي والعار أمام جماهير شعبهم وجميع الشعوب المحبة للسلام القائم على الحق والعدل، فإن وفد المكونات السياسية لم يعد من جنيف الى صنعاء لأنه يستشعر مسئولياته تجاه شعبه المظلوم فقرر المضي قدماً في زياراته وتنقلاته الى عدد من العواصم الاجنبية والعربية، مطالباً بوقف العدوان وبرفع الحصار عن شعب يتعرض لكارثة انسانية مروعة طالما تحدثت عنها الكثير من المنظمات والهيئات الأممية، محذرة المجتمع الدولي من عواقبها الوخيمة التي ستصبح بمثابة نقطة سوداء في جبين الأمم المتحدة.

ولأن مجلس الأمن الدولي قد تحاشى في بيانه الأخير تسمية الأمور بمسمياتها إلاّ أنه قد وجه للمعتدين والمتجاهلين للكارثة رسائل قوية بصورة غير مباشرة جعلت الرياض هي المحطة الأولى للمبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ احمد وجعلت صنعاء محطته الثانية وجعلته يضع الهدنة الانسانية بأنها مهمته الوحيدة في مثل هذه الزيارة التي ستجعل العودة الى الحوار مهمة لاحقة لوقف العدوان والحصار وليست سابقة لها كما يريد أولئك الذين يعيشون نعيم الاستضافات في أرقى القصور والفنادق ذات النجوم السبعة، مطالبين بالديمومة للعاصفة والعدوان لأنهم يدركون أن وقف العدوان على شعبهم معناه وقف ما يحصلون عليه من الاموال والاستضافات والموائد الدسمة لأن حياتهم لا يمكن أن تستمر بهذا النوع من البذخ والرفاه إلاّ على حساب موت وجوع ابناء شعبهم الذين يعيشون حياة أسوأ من الموت.. فنجدهم لذلك يستبدلون المواجهات القتالية بالاغتيالات التي تعتمد على المفخخات والعبوات الناسفة والقتل الفردي..

لأن هذا الاسلوب الإرهابي هو اقصى ما تستطيع هذه القوى العميلة أن تسترضي به سادتها، لكن المؤكد أن هؤلاء السادة المستعجلين على العودة الى السلطة والباحثين عن انتصارات سريعة من وراء هذه الاساليب تعدُ مفيدة لهم لأنهم يبحثون عن انتصارات عاجلة وسريعة تعيد لهم الاعتبار، لذلك ما برحوا يربطون الدعم بالاعمال المحسوسة والملموسة ذات النتائج المسموعة والانتصارات العاجلة لأنهم في أمس الحاجة الى موطئ قدم يضعون به ما تبقى لهم من الشرعية موضع اعتبار يمكنهم من الحفاظ على علاقاتهم وعائداتهم المادية المهددة بالكثير من الاخطار بعد أن وصلت مبالغاتهم الى مرحلة الكذب العلني الفاقد للمصداقية والثقة من قبل الداعمين والمانحين الذين يتكشف لهم يوماً بعد يوم أنهم وقعوا في أخطاء ناتجة عن معلومات زائفة وحسابات تفتقد الى الدقة والموضوعية..

لأن الذين يبالغون في حجم قوتهم وتأثيرهم بحثاً عن مواقف تضعف خصومهم وتمنحهم قوة غير قوتهم.. هؤلاء يتناقضون مع أنفسهم حينما يهونون من تأثير وقوة خصومهم ويبالغون في حجم وتأثير قوتهم لأن المستمع سيقول لهم لو كنتم بهذا القدر من القوة والتأثير لكنتم حافظتم على مواقعكم القيادية واستفدتم من الدعم المادي والمعنوي الذي حصلتم عليه من المجتمع الاقليمي والمجتمع الدولي؟!!

لذلك لا أعتقد أن المملكة العربية السعودية التي اضطرت الى البحث عن تحالفات عسكرية عربية وسياسية دولية في تنفيذ حملتها الجوية على اليمن كانت تصدقهم لكنها كانت تعتقد أن الرأي العام اليمني سوف يقف مع الاقوى وسوف يتخلص من الأضعف خلال فترة زمنية وجيزة، لتكتشف أن هؤلاء العملاء والمؤيدين والمستنجدين بهذا العدوان لم يكونوا صادقين لا في تهوينهم من قوة خصومهم ولا في مبالغتهم بحجم قوتهم بعد ثلاثة أشهر من العدوان المتواصل الذي لم يخلف سوى الدماء والدمار والدموع والأحزان التي تؤكد الحاجة الماسة للسلام.

ومعنى ذلك أن الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية من المبادئ الثابتة لاقامة أفضل العلاقات الدائمة والمستمرة بين الدول بما فيها تلك الدول التي تستند الى مجموعة المقومات القومية والاسلامية، مضافاً اليها رابطة الجوار كما هو الحال في العلاقة بين اليمن والسعودية، لكن على هذه الدول الجارة أن تحترم هذه الشعوب في التعدد والتنوع السياسي والمذهبي وأن تسعى الى اقامة افضل العلاقات من خلال رؤية محايدة ومنفتحة على جميع المكونات السياسية، لأن السلطة السياسية للدولة الديمقراطية قابلة للتداول وليست منحصرة في نطالق الحزب الواحد..

لذلك فهي كدولة جارة تحتاج الى رؤية سياسية مرنة ومنفتحة وغير محصورة في نطاق من تحب ومنغلقة على من تكره، لأن التداول السلمي للسلطة يعكس القناعات الجماهيرية لشعب من الشعوب والاحترام للأحزاب والمكونات السياسية هو احترام لإرادة الشعب اليمني صاحب القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة في الاوضاع الطبيعية الدائمة والمستمرة..

أما في الاوضاع الاستثنائية وغير الطبيعية وغير الديمقراطية كما هو الحال في ظروف العدوان على الشعب اليمني فإن البحث عن عملاء يقاتلون أبناء شعبهم من الأرض لصالح الدول التي تشن العدوان من الجو يجعل هذه الدولة في حالة عداء مع أحزاب الأغلبية الفاعلة التي تتحمل مسئولية الدفاع عن الشعب والوطن والتصدي لما يتعرض له من مجازر الابادة الجماعية وآثار الدمار الشامل بصورة نابعة من مسئولياتها الوطنية وليست من باب الرغبة في العداء، لاسيما وأن هذه المكونات السياسية والحزبية المتنافسة على السلطة تدرك أن مصلحة الشعب تستوجب اقامة أفضل العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة كجزء من مسئولياتها الوطنية.

أقول ذلك وأقصد به أن المملكة العربية السعودية الشقيقة والجارة قد وقعت أو أوقعت في خطأ التفكير بالعدوان على الشعب اليمني من باب رد الفعل الذي استفزته جماعة انصار الله في سيطرتها العسكرية على المحافظات اليمنية وفق ما لديها من الحسابات والمعلومات غير الصحيحة التي يروج لها التجمع اليمني للاصلاح من خلال خلافاته السياسية مع أنصار الله التي حولها الى حسابات طائفية ومذهبية التي تصور ما يحدث في اليمن بأنه انعكاس لرغبة ايرانية تستهدف اقلاق أمن المملكة العربية السعودية، لذلك نجد خطابهم الاعلامي يمارس التضليل الذي يقوم على الامعان في استهبال واستغفال الشعب اليمني بقولهم إن هدف العدوان السعودي هو الدفاع عن أمن واستقرار ووحدة اليمن لتحريرهم من الخطر الشيعي الايراني الذي يمثله انصار الله في اليمن.. ومثل هذه الخطابات لا تنم عن فهم لمنسوب الوعي السياسي الذي وصل اليه الشعب اليمني بعد عشرات الاعوام من الثورة اليمنية، وما حققته من المكاسب الثورية والثقافية والديمقراطية في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية التي غيرت وجه التاريخ.

لا أكون مبالغاً اذا قلت إن ما يحدثه العدوان السعودي في اليمن من ردود أفعال شعبية غاضبة يتسم بالكثير من الانفعالات والمواقف الصاخبة والغاضبة المحرضة على القتال الى جانب القوات المسلحة واللجان الشعبية، في وقت لا تستطيع القوى المدعومة من المملكة تحقيق ما يجب تحقيقه من الانتصارات التي كانت ومازالت حليفة لأبناء القوات المسلحة واللجان الشعبية رغم ما لديهم من الدعم السعودي المهول ومن الغطاء الجوي القادر على الابادة الجماعية والدمار الشامل.

أقول ذلك وأنا على يقين أن جميع الاطراف اليمنية قد استفادت من تجربة الماضي خلال ثلاثة أشهر من العدوان الجوي والحصار الشامل الذي تضرر منه جميع اليمنيين ولم يستفد منه أحد، وأنه لا بديل لهذا العدوان العسكري من الجو ومن البحر ومن البر سوى العودة الى الحوار بين جميع المكونات السياسية اليمنية وبين هذه المكونات السياسية الفاعلة والمؤثرة وبين المملكة العربية السعودية من أجل اعادة الأوضاع الى طبيعتها السابقة واعادة تعمير ما دمره العدوان حتى لا يظل عائقاً يحول دون اعادة الأمن والاستقرار الى اليمن وجارتها السعودية.

أخلص من ذلك الى القول إن مستقبل الحلول السياسية والدبلوماسية والديمقراطية أفضل بكثير من الحلول العسكرية والقمعية المكرسة للشمولية في عصر يقال عنه عصر يقدس فيه الانسان قيم الاحترام المكرسة للسلام القائم على الحق والعدل واحترام السيادة الوطنية وتبادل التنازلات بحثاً عن المصالح الاقتصادية المشتركة الكفيلة بترسيخ قيم الديمومة والاحترام المتبادل..

لأن العمل من أجل خدمة المصلحة اليمنية لا يمكن النظر اليه من زاوية ما تمثله طائرات الـ«اف 15 واف 16» من صواريخ وقنابل قادرة على القتل والتدمير اللامعقول واللامقبول، لأن السلام القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة هو البديل الذي تم تجاهله في لحظة العدوان وفي لحظة سيطرة الانفعالات التعصبية على العقلانية السلمية، وما برح يؤكد أنه غير قادر على تحقيق أهدافه واعادة الحكومة المكروهة الى دفة الحكم مرة ثانية لأنها أصبحت بمجرد رفضها الهدنة ومطالبتها باستمرار العدوان حكومة بلا جذور شعبية متهمة بالخيانة العظمى مهما بدت محاطة بالاضواء الدعائية الفاضحة.

لا مستقبل في اليمن الذي اعتاد على الديمقراطية سوى بالحلول السياسية والسلمية التي تعيد لهذا الشعب اليمني العظيم حقه في انتخاب قياداته التشريعية والتنفيذية، وبدون ذلك سيبقى القتال هو الكابوس المنتج لجبال من الحقد والكراهية التي يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها أحد على الاطلاق.

أخلص من ذلك الى القول إنه لا بديل أمام جميع الاطراف سوى وقف العدوان والحصار والعودة الى طاولة الحوار في مجتمع يؤمن بالديمقراطية القائمة على التعدد والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الانسان.. ولابد للظالم أن يتراجع عن الظلم، ولا بد لداعميه أن يراجعوا مواقفهم..

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 03:12 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-43350.htm