عبدالرحمن مراد -
من خصائص العدوان السعودي أنه كان التعبير الأكمل عن البعد الثقافي والاخلاقي والعقائدي للحركة الوهابية وقد غاب عن الناس الحقائق الجوهرية وهي حقائق كان ينوب عنها الضمير المستتر في خصائص الفاعل الى أن حدث العدوان الذي واجهه اليمن بصمود أسطوري يندر مثله في التاريخ القديم والمعاصر.
ومع الشعور بالهزيمة النفسية والاخلاقية والعقائدية والشعور بالانكسار العسكري رغم التفوق المذهل والهائل وحديث الخبراء ووسائل الاعلام والمراكز البحثية والدراسات الاستراتيجية عن فشل العدوان السعودي في تحقيق بنك أهدافه في اليمن والقول بنتائج عكسية سيكون وبالها وويلاتها على مستقبل النظام السعودي ومستقبل المملكة ووحدتها الجغرافية والسياسية لم يسع نظام آل سعود أمام كل تلك الحقائق الموضوعية -التي قال بها الخبراء والاعلام المحايد- إلاّ العودة الى الحاضنة الحقيقية للفكر الوهابي والكشف عما كان مستتراً في سالف الايام..
فبدأت الحركات الجهادية في توظيف إمكاناتها وسارعت الى اقلاق سكينة المجتمع في القطيف وفي اليمن وأخيراً في الكويت فالفكر الوهابي نشأ في الأساس على هدم قداسة المقدس، لذلك فليس مستغرباً عليه استهداف المساجد في صنعاء أو الكويت أو في العراق أو دمشق ووظيفة مثل ذلك الفعل في حاضرنا كما هي في ماضيها استهداف البنية العقائدية وتشويه المشروع الاسلامي واظهار عدائيته للعمران والحضارة وللانسان وللحريات وللقيم النبيلة.. وللأخلاق.
ومثل تلك الوظيفة -كما يتحدث تاريخ نشأة الحركة- كانت وظيفة جوهرية اشتغلت عليها الصهيونية عن طريق بريطانيا العظمي أو بهدف الحصول على وطن قومي لليهود في أرض الميعاد فلسطين وقد كان ذلك، واستمرار توظيف تلك الحركة في حاضرنا بهدف التمكين لمركزية دولة اسرائيل في الشرق الأوسط وبحيث تتمكن اسرائيل من التحكم في مصالح الدول العربية وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية مع العرب وهي تدرك أن ذلك لن يتحقق لها إلاّ بعد ضرب البعد العقائدي الاسلامي في عمقه الاخلاقي والانساني والتقليل من قيمته ومعناه.
والمتأمل في خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأخير والموجه الى الأمتين العربية والاسلامية والذي حث فيه على ضرورة عودة الاسلام الحقيقي الانساني الاخلاقي والناهض المنقذ من خاطفيه ولا أظن الملك عبدالله كان غافلاً عن معاني ومقاصد مفردة «خاطفيه» فقد كان حكيماً وواعياً ومدركاً ما تعني مفردة «خاطفيه» ولم يكن خطابه وهو في أيامه الأخيرة إلاّ وصية موجهة الى الأمتين العربية والاسلامية لانقاذ الاسلام من خاطفيه، وبراءة يدرك كل أبعادها وأثرها وقد سبق لي الحديث عن خطاب الملك عبدالله على صدر هذه الصحيفة في حينه..
أقول إن المتأمل يدرك مرامي وابعاد المؤامرة التي تنسج وكان الملك مطلعاً عليها وها نحن نعيش سيناريو المؤامرة بكل ابعادها، فالعدوان على اليمن لم يكن عدواناً سعودياً خالصاً وأدوات التدمير نعلم من أين تأتي والذين يستهدفون الحجر والشجر والانسان تتحدث الوسائط الاعلامية عنهم بكل وضوح، فالصهيونية لم تعد فعلاً مستتراً خلف الوهابية ولكنها تبدو الآن في حالة تعاضد وتآزر للقيام بالوظائف المستقبلية واتضحت الصورة الذهنية لمفردة «خاطفيه» التي قال بها الملك عبدالله في نزعه الأخير وقد قالها وهو يدرك نهايته وأرسلها كرمز واشارة لعل الناس يدركون جوهرها ومقصدها والثابت أن الكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ويقظتها في مثل هذه اللحظات التي تمر بها الأمة العربية والاسلامية دليل أثرها وامتدادها في المستقبل كقوة قادرة على عودة الدين الى حقيقته وجوهره من خلال معرفة من هم خاطفوه؟! وما هي حقيقتهم؟!! وما هي أدواتهم؟!! وما هي الوظيفة؟!! ولمصلحة من؟!! وقد تبدو الصورة الذهنية هي الأقرب الى التعبير عن حقيقة الأمر وهي القادرة على الاجابة على سؤال الحاضر والمستقبل.
لقد كشف العدوان السعودي على اليمن الغطاء عن خاطفي الاسلام وظهرت غوائل أنفسهم من خلال الممارسات التي تحدث في الواقع ومن خلال التصريحات القولية في الوسائط الاعلامية المختلفة والتهديدات التي يطلقها مشائخ الوهابية على شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيس بوك» والتي تنال من خصومهم وقد تحول بعضها الى أفعال وأحداث كما رأينا ذلك في القطيف وفي نجران وفي دولة الكويت وكما رأىناه قبل ذلك في مساجد صنعاء ولم تزل حالة السقوط القيمي والاخلاقي والعقدي مستمرة.
لقد بلغ خاطفو الاسلام ذروة كمالهم وهم في مراتب الخسران وعلى الجميع الشعور بالمسئولية الاخلاقية والوقوف بحزم أمام رفرفة الطائر المذبوح وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في تفاصيل عدوانه على اليمن وعلى المساجد في اليمن وغيرها.