الميثاق نت -

الإثنين, 27-يوليو-2015
بقلم/ عبده محمد الجندي -
على الدول والشعوب الفقيرة والمستضعفة رغم معرفتها أنها تتحول الى نعامة في حربها على الدول الغنية والقوية القادرة على الدفاع عن نفسها، فلا يجدون ضالتهم المتوحشة الا في ضرب وتدمير الشعوب الضعيفة والمستضعفة كما هو الحال في اليمن وفي سوريا وفي غيرهما من البلدان والشعوب التي كانت غنية وقوية وتعرضت لهذا النوع من العدوان الامبريالي المتوحش الذي استهل خططه في اغتيال ما لديها من قيادات وطنية وقومية وثورية مخلصة واستبدالها بقيادات ضعيفة وعميلة وهزيلة تركت الفوضى والدمار كلما لدى هذه الشعوب من الامكانات والطاقات والموارد الطبيعية والبشرية كما هو الحال في بعض البلدان العربية التي سقطت ضحية لطوفان ما سمي بثورات الربيع العربي الذي نفذته قوى باعت نفسها وما تؤمن به من القيم الوطنية والقومية والإسلامية من المثل والمبادئ.
نعم لقد تحولت هذه البلدان العربية الغنية الى ساحات لنمو الحركات الارهابية المتطرفة والمتصارعة على السلطة وعلى الثروة تحت شعارات في ظاهرها الاسلام وحلم الخلافة الاسلامية، وفي باطنها الرغبة الجامحة في القتل والتدمير والاقتتال الذي تتضرر منه الشعوب ولا تستفيد منه سوى الدول الامبريالية الحاضنة للكيان الصهيوني والراعية له ولأمنه واستقراره وما يتمتع به من حصانة تمكنه من الرفض لكل القرارات والاتفاقات الدولية، لذلك لا غرابة أن يتواصل العدوان على اليمن الذي بدأ ضرباته الأولى بقوة جوية وصاروخية عربية وبرعاية أمريكية وأوروبية وسينتهي به المطاف الى صراعات وحروب أهلية تستمد ديمومتها بما يمكنها الحصول عليه من الأموال الطائلة والاسلحة الفتاكة كما حدث في سوريا وكما يحدث اليوم في الجمهورية اليمنية من عدوان متعدد الاسلحة ومتعدد الأساليب غايته النيل من القوة الفتية للثورة الاسلامية ولكن في اليمن الحبيب.
لقد أعلنت دول العدوان رفضها للهدنة غير المشروطة التي أعلنها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وباركها مجلس الأمن وقبلت بها جميع الأطراف والمكونات السياسية الفاعلة، ورفضتها دول العدوان تحت مبرر أنها لم تتلقَ من الحكومة اليمنية ما يفيد أنها قبلت بهذه الهدنة فراحت تكثف سلسلة من الغارات والضربات الجوية والبحرية والبرية غير المسبوقة حتى استطاعت أن تحصل على موطئ قدم في عدن تخاف عليه من السقوط تحت ضربات أبناء القوات المسلحة واللجان الشعبية الداعمة لها، وفجأة أعلنت أنها تعلن عن هدنة لمدة خمسة أيام وفق ما لديها من الحسابات التي يتصدرها أنها هي وحدها القادرة على إعلان قرارات السلم وقرارات الحرب وانها وحدها القادرة على اجتثاث أي قوة جديدة وصاعدة وتحررية ومحسوبة على إيران لكي تتمكن من اجتثاثها بكل الوسائل والأساليب السلمية والعنيفة، وتلك حقيقة لا يمكن أن تنطلي على الشعب اليمني بكل قواه الوطنية والثورية الرافضة للعدوان، لأنه يدرك مقدار ما أنزلته من الأسلحة وما أنفقته من أموال لما تسميه بالمقاومة.
أقول ذلك وأقصد به أن هذه الدول أصبحت بحاجة الى هدنة لاستعادة ما لديها من الأنفاس وترتيب ما هي بحاجة الى ترتيبه من الوسائل والأسلحة الأكثر فاعلية في إخضاع الشعب وإجباره على الاستسلام بعد أن أكدت التجربة والممارسة العملية أن الضعف اليمني قد تحول الى قوة قادرة على الصمود والتصدي لهذا النوع من العدوان.
أعود فأقول: إن القبول بالهدنة كان مطلباً لتوفير المتطلبات الضرورية لحياة العدوان على الجمهورية اليمنية قبل أن يتكون من تحالف بين عشر دول عربية بقيادة المملكة العربية السعودية وبمباركة ورعاية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية بناء على طلب من الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي المقيم في الرياض مع مجموعة من أعضاء حكومته المستقيلة، ولا أقول جميع أعضاء تلك الحكومة ومعهم بعض الأحزاب والشخصيات المؤيدة للعدوان الذين شاركوا في مؤتمر الرياض وقراراته التي ولدت ميتة في سابقة لم يسبق لها مثيل في مراحل التاريخ المختلفة للأمة العربية.
أقول ذلك وأقصد به أن هذا العدوان المتوحش يستخدم أرقى ما وصلت اليه الآلة العسكرية من تقنيات تكنولوجية والكترونية قادرة على القتل والتدمير من إبادة جماعية ودمار شامل تحرمه جميع القوانين السماوية المستمدة من الشرع والقوانين الوضعية المستمدة من العقل على حد سواء، والذي يتجاوز ما استخدمته اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني إذا أضيف إليه الحصار الشامل الذي فُرض على الشعب اليمني من الجو ومن البحر ومن البر لمدة أربعة أشهر متواصلة بلا ذرة من ضمير وبلا ذرة من شعور بالإنسانية تجاه شعب يموت ووطن يدمر على مرأى ومسمع من العالم بأسره.
لقد استطاعت قوى العدوان المتوحش أن تفرض على ما تقوم به من القتل والتدمير سياجاً من الظلام حال دون قيام الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة والالكترونية بمسؤولياتها المهنية في كشف الحقيقة للرأي العام العربي والاسلامي والإنساني في عالم يقال إنه تحول الى قرية واحدة إذا لم أقل بأنه غرفة واحدة، مؤكداً بذلك أن قوة المال أقوى من قوة حرية السياسة والصحافة وحقوق الإنسان التي تتميز بها الديمقراطية الليبرالية القائمة على التعدد والتنوع والتداول السلمي للسلطة بشرعية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة.
لقد استطاعت دول العدوان التي استهدفت كل ما هو حي في مقدرات الشعب والوطن اليمني العربي أن تستخدم ما لديها من أموال لشراء القرار رقم 2216 الذي يشرعن ما لا شرعية له متخذةً من مصلحة الأشخاص التابعين لهذه الدولة أو تلك قدسية أقوى من قدسية الشعب اليمني صاحب القول الفصل في انتخاب قياداته، مؤكدين بذلك أن الديمقراطية والعدالة عبارة عن يافطات شعاراتية مشروطة بالحدود الدنيا والحدود العليا للتوجهات والولاءات الايديولوجية لهذه القوي العظمى أو تلك القوى التابعة لها المؤيدة في السلطة القائمة على التوريث..
أي لا يكفي أن تكون مواطناً يمنياً لكي تصل الى الحكم، بل ولابد أن تكون مقبولاً من هذه الدولة الامبريالية أو تلك التي تمتلك الثروة وتمتلك القوة وتمتلك الهيمنة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
إنهم يضعون الشعوب والأوطان في دفة ويضعون الأفراد والجماعات والأحزاب في دفة، ويقلبون دفة الأفراد والجماعات والأحزاب المؤيدة على دفة الشعوب والأوطان المعارضة لأن مصالحهم الذاتية الامبريالية هي العليا، والمصالح الوطنية والقومية هي الدنيا مهما كانت عدالتها وقدسيتها الايديولوجية والثورية المعبرة عن إرادة الأغلبية الساحقة.
لم أكن أتوقع أن يقابل هذا العدوان المتوحش الذي يعاقب الجمهورية الاسلامية الايرانية في اليمن ويوقع معها الاتفاق النووي في فيينا على نحو قلب كافة الحسابات والموازين الدولية رأساً على عقب وجعل الشعوب والدول الغنية والقوية أسداً على ذات الصلة بحياة الشعب اليمني لا ينبغي التعامل معها في سياق النوايا الحسنة لأن الغالب أن خلف الأكمة سلسلة من النوايا السيئة التي تظهر غير ما تبطن لاسيما وأن العدوان قد استنفد كل ما لديه من الأهداف العسكرية والأهداف الاقتصادية.. الخ.
الا أنه بات بحاجة ماسة لتحقيق ما أعلن عنه من أهداف سياسية تستوجب إعادة القيادة والحكومة الشرعية المزعومة الى الحكم مرة ثانية تعيد لهم ما هم بحاجة اليه من الاعتبار الذي تعرض للكثير من الاختلالات التي تحولت الى إحراجات مخزية.
ومعنى ذلك أن القوى الرافضة للعدوان والرافضة للداعمين والمساندين له مطالبون بعدم الركون الى هذا النوع من الحلول الجزئية الزائفة التي تظهر غير ما تخفي لأن مجزرة المخا بمحافظة تعز وما نتج عنها من الضحايا الأبرياء تكشف أن هذه المجزرة المحرجة والمخزية لن تكون الأخيرة ولن تكون سوى واحدة من سلسلة معقدة ومركبة من المجازر والضربات المتوحشة التي لا نتذكر عنها سوى الدماء والدمار وما يثيرانه من الأوجاع والأحزان وردود الأفعال الانتقامية.
أقول ذلك وأقصد به أن واجب القوى الوطنية يحتم عليها الاستمرار في طرح ما لديها من الحلول والبدائل التي تمكن إرادة الشعب اليمني من أن تنتصر على أعدائه لاسيما وأن الضغوط الخفية هي وحدها الدافعة لإعلان هدنة بمثابة منحة بعيدة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي لم يعد يمتلك -من وجهة نظري- قدرة على استخدام ما لديه من سلطات عالمية تتعلق بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين من الناحية الدستورية والقانونية لميثاق الأمم المتحدة الذي ضرب به المعتدون عرض الحائط، لأن الاتفاق النووي بين جمهورية ايران الاسلامية وبين الدول الخمس زائد واحد لا يخلو من تأشير على طبيعة العدوان الذي يعاقب إيران في قتل وتدمير الشعب والوطن اليمني المستضعف من وجهة نظر جبابرة المال.
قد تكون الأسئلة كثيرة والإجابات صعبة وبحاجة الى التأني من منطلق الحرص على معرفة ما يخفيه من نوايا قد تكون حسنة وقد تكون سيئة وقد تكون تستخدم حسن النية للانتصار لسوء النية، لأن المعركة طويلة والمواجهة مكلفة وحجم المأساة أصبح يتجاوز الساحة الوطنية والاقليمية الى الساحة الدولية نظراً لما نتج عنه من روائح كريهة ومثيرة للقلق والاشمئزاز بعد أن أخذ العدوان يكشف عن الوجه البشع لرغبة الاستعمار التي لم تكن موضوعة بعين الاعتبار.
أخلص من ذلك الى القول إننا لم نعد بحاجة الى هدنة بقدر حاجتنا الى وقف العدوان ورفع الحصار لأن الهدنة تحتمل العودة بوحشية أشد وبقدرات قتالية متجددة، في حين أن وقف العدوان سوف يفتح المجال للحوار بين المكونات السياسية يوصل الشعب اليمني الى ما هو بحاجة اليه من الحلول.
لأن وقف العدوان ورفع الحصار حاجة يمنية ملحة، والهدنة حاجة لإنقاذ الدول العدوانية تخرجها من مأزق ما وصلت اليه من الإحراج والفشل.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:02 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-43525.htm