طارش قحطان - يقول المثل اليوناني »إذا شاهدت شيئاً يحترق فلا تؤجل اطفاءه حتى لايتحول إلى حريق مدمر«.. ويقول أحد الحكماء: احذر باستمرار من شيطان التأجيل، وفي حياتنا الكثير من الحرائق التي تأجَّل اطفاؤها فتفشَّى لهيبها وانتشرت نيرانها على نطاق واسع، اليوم آن الأوان لاطفاء الحرائق المشتعلة وحان الوقت للتصدي لشيطان التأجيل، ولتكن البداية كشف الأوراق المستورة وتعرية المواقف المعيبة وتوضيح الحقائق كلها للناس وتبيان اللائقة من غير اللائقة.
ومن ذلك مواقف بعض الأحزاب التي تعمل على زرع المحن والأحقاد والفرقة والشقاق بين أبناء الوطن وجعلهم يعيشون في أحضان الخوف والتوتر، والاسراف في المقالات التي تعطي انطباعاً للغير بأن البلاد على شفير الهاوية، مهدداً بالاضطرابات والقلاقل والفوضى.
إن مثل هذا الطرح المعادي للوطن قبل أن يكون معادياً للنظام تعمد إليه الأحزاب مع كل فشل تُمنى به، واليوم وبعد أن فشلت بالوفاء في الالتزام بالواجبات التي تمليها عليها المسئولية الوطنية والأخلاقية لجأت إلى مثل هذه الأساليب غير اللائقة التي تلحق بالوطن الضرر المادي والمعنوي.
طبعاً هناك مواقف مشروعة ومقبولة ضمن فضاء التعددية السياسية نقبل بها ولو كانت محض إفك، فلا ضير ان تقف الأحزاب موقفاً ناقداً للحكومة ومعارضتها، فلا ديمقراطية بدون معارضة، ولا تصحيح للمسار ومنع الانحرافات بدون النقد والتقويم المستمر، ولا عيب ان تتخذ أخرى موقفاً داعماً ومؤيداً للحكومة، ولكن غير اللائق ولا مشروع ان لانميز بين معارضتها للحكومة ونقد سياساتها وأسلوبها في الإدارة وبين الأمور التي لها قدسية واحترام خاص يؤمن بها كل مواطن يمني شريف ومن ذلك وحدة الوطن أرضاً وإنساناً.
فخلال الفترة الماضية شهدت البلاد أحداثاً مؤسفة وشهدنا معها مواقف معادية للوحدة، وعندما نتحدث عن الوحدة فنحن نتحدث عن واحدة من أهم الثوابت الوطنية فالمساس بها أو الاقتراب منها اقتراب من منطقة الحرام.. فالوحدة تعني تاريخاً طويلاً من النضال والتضحيات للحركات الوطنية والتي كانت الوحدة ثمرة من ثمار نضالها، ونعني دماءً سالت كي يستمر هذا الانجاز دائماً وأبداً، فالوحدة حقيقة قائمة في وجدان كل مواطن يمني شريف فهي نشيدنا الذي نردده اليوم وستردده الأجيال المتعاقبة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الوحدة هي نشيدنا الأزلي وغايتنا الأبدية، الجميع في ظلها شركاء متضامنون وليسوا فرقاء متناحرين، وهي قوتنا وعزنا، ناضلنا وسُجنا وتعذبنا وتشردنا من أجلها، ومستعدون أن نموت ونجوع لتبقى وتستمر أو نهلك دونها.
لذلك نقول للذين يحاولون النيل من الوحدة- أكانوا أحزاباً أو أشخاصاً- إنكم واهمون وتعانون الخبل السياسي، الذي جعلكم تلجأون إلى مثل هذا السلوك بعدما شعرتم بأزمة تراجع شعبيتكم، استحدثتم أزمات تكسبكم شعبية فهويتم إلى الحضيض.
ونقول لهم إنكم في تخبُّط بين أجندة المصالح الضيقة وأزمة التوجهات اللاوطنية، لم تستوعبوا ان الشعب يعيش في الوطن وليس في أحزاب تغيره وتوجهه كيفما تريد.. لذلك سيظل الشعب يبتعد عن كل من يبتعد عن الوطن ويفرط بوحدته، وسيظل أصحاب هذه المواقف يسجلون تراجعاً واخفاقات متتالية.
إن كل من سيتقوى على الوطن وقدسية وحدته بالخارجين عن سلامة المواطنة الصالحة هم مرضى يعانون من الخبل السياسي ومثل هذا الاستقواء يقزمهم أكثر ويسيئ إلى تاريخهم وسمعتهم ومكانتهم الوطنية.
وإنه لمن دواعي الأسف ان تشترك بعض الأحزاب التي لها تاريخ طويل وناصع في العمل الإيجابي باتجاه الوحدة والحفاظ عليها وإقامة دولة النظام والقانون والعدل والمساواة في أعمال تنال من وحدة الوطن مع كل ما تعنيه تلك المواقف من تداعيات.
لم يكن أحد يتصور ولم يخطر على بال أحد منا أن تصل مواقف بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية ولا مواقف بعض الأشخاص إلى هذا المستوى من الانحطاط، أو ان تنسى الأحزاب مسؤولياتها وواجباتها تجاه الوطن ووحدته وقت الشدة، وتستغل الفتن لصب زيت أنانيتها على نار تحرق الوطن بكل من عليه.. ولم يتوقع أحد أن يكون الحرص والتركيز على المصالح الشخصية والمصالح الحزبية أكبر وأهم من الحرص على الوطن والسلام الاجتماعي.
لقد تعاملت بعض الأحزاب والقوى السياسية مع القضايا الكبرى والحساسة بقدر من التشفّي، ولم يبدر عنها أدنى شعور إيجابي تجاه الوطن أو خوف على مصير أبنائه.
فبعض الأحزاب والتنظيمات والشخصيات لايهمها الوطن ووحدته ومستقبله بقدر ما تهمها مصالحها حتى ولو دعتهم الحاجة إلى وضع أياديهم في أيادٍ أعداء الوحدة الوطنية ومساندتهم بكل السبل.
هذا هو حال بعض أحزابنا التي تتعامل مع قضايا الوطن على أُسس مخلة بوحدته، وتتعامل مع معاناة الناس من هذا المنظور، فبينما تكون بعض الإجراءات ملحقة للضرر بالجميع كما حدث مع قضية المتقاعدين التي تعاملت معها الأحزاب من منظور جهوي، في الوقت الذي عانى من جوره كل المشمولين في مختلف المحافظات.
وفي الوقت الذي يعاني الجميع من الفساد وتردي الأوضاع ومشاكل الغلاء التي يكتوي الناس بنارها كل يوم ويعانون من إرهاب التجار وارتفاع الأسعار تصر بعض القوى على حصر الأثر بمناطق معينة لتوظيف الحالة توظيفاً كارثياً.
ومع ذلك وبالرغم من كثرة المواقف المعيبة لأحزابنا مازال لدينا الأمل في هذه القوى التي لاتخلو من الرجال الشرفاء الذين غايتهم حب الوطن والأمانة والمصداقية، مازال لدينا الأمل في أن تستشعر أهمية دورها الوطني والأخلاقي وتقف موقفاً صادقاً مع النفس، وتعمل على ترتيب الأولويات، وتشخص العيوب والنواقص بقصد معالجتها، وتجند نفسها لمواجهة الفساد الذي يعم المؤسسات الحكومية ويلحق الخراب والدمار بالوطن والمواطن وبكل شيء، والتصدي للفساد يكون من خلال قيام مجمل الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية بأدوار تعزيز الثقة العامة بتوجهات الحكومة، والقيام بأعمال تسهم في تحسين أدائها المستقبلي، ومن خلال اتخاذها مواقف نابعة من الاحساس بالمسئولية تجاه حماية الوحدة الوطنية وحماية المواطن والمال العام وثروات البلاد.. الجميع مطالب بدعم كل جهد صادق لمحاربة الفساد حتى لاتستمر أحوال الجهاز الإداري في الدولة على ماهي عليه من سوء، وحتى لا تستمر السرقات والاختلاسات وسوء استغلال المنصب من أجل مصالح خاصة ومكاسب مليئة بالحرام، الجميع مطالب بمحاربة الفساد الذي امتدت عروقه لتصل إلى إباحة كل شيء بعد إباحة سياسة التنفيع والرشاوى ونهب المال العام، والتلاعب بالنصوص والتشريعات، واعتقد أنه لايختلف اثنان على مصداقية الدولة وتوجهاتها في محاربة الفساد، ولا يختلف اثنان على جدية الدكتور علي محمد مجور، هذا الرجل الوطني والمسؤول الشريف ذو الهدف الواضح، ولا أحد يشكك في نزاهته، ونواياه الإصلاحية وتوجهاته الجادة وغايته الكبرى التي هي مستقبل الوطن اليمني الخالي من الفساد.
إلاَّ أنه رغم قناعة الجميع بذلك لم نلمس للأسف موقفاً داعماً لتوجهاته أو مغايراً لتلك المواقف التي جعلت الأحزاب في حالة حرب مستمرة مع الحكومات المتعاقبة.
|