بقلم/ علي ناجي الرعوي - أوشك الصراع المتفاقم في اليمن على الوصول إلى نقطة مفصلية وحاسمة من المواجهات الميدانية والسياسية على حد سواء، فقد دفعت خمسة أشهر من القتال الداخلي والقصف المتواصل لطائرات التحالف العربي إلى تقسيم المجتمع اليمني بين حكومتين وجيشين وتقسيم جغرافيا البلاد إلى ثلاثة أجزاء هــي: مناطق سيطرة حكومة الرئيس هادي المدعومة من قوات التحالف والتي باتت تتموضع بصورة شبه كاملة في الجنوب وفي قلبه محافظة عدن، وفـــي المقابل شمال تتوسطه العاصمة صنعاء يقع تحت نفوذ جماعة الحوثي والقوى المتحالفة معها.. فيما تم الإبقاء على حضرموت كبـــرى محافظات اليمن في متناول بعض الجماعات كتنظيم القاعدة الذي يظهر كسلطة أمر واقع تقابل سلطة الحوثيين في صنعاء وهادي في عدن مما يدفع إلى الاستنتاج بأن الحصيلة متوسطة المدى لن تكون انتصار أحد الأطراف بل تكاثر أمراء الحرب المتنافسين مع المجموعـــات المتطرفة وانهيار ما تبقى من هياكل مؤسسات الدولة وتفاقم الصعوبات التي يواجهها المواطنون العاديون بدرجة كبيرة على الصعيد المعيشي والاقتصادي بما يهدد بتعرض اليمن لكارثة إنسانيـــة سبق وأن حذرت من شبحها العديد من المنظمات الدولية.
مع تعمق الأزمة اليمنية فقد بات المشهد في هذا البلد منقسما بين طرفين في انعكاس لما أنتجته تداعيات تلك الأزمة، فالحكومة والقوى الداخلية والخارجية التي تقف إلى جانبها أضحت تراهن على الخيار العسكري لحسم المواجهة مع القوى المناوئة لها أو تلك التي انقلبت عليها، فيما الطرف الثاني وهو الذي لا يعترف بشرعية الرئيس هادي وحكومته يرى أن تراجعه العسكري على الأرض في بعض المحافظات لا يعني بأي حال من الأحوال أنه قد هزم أو أن اللعبة قد انتهت وأنه الذي مازال بإمكانه إعادة ترتيب أوراقه من أجل إيجاد واقع مختلف على الأرض تكون فيه موازيين القوى متكافئة ومتعادلة في الحد الأدنى وبما لا يسمح بوجود رابح أو خاسر في نهاية المعركة، وبين هؤلاء وأولئك نجد من يسعون إلى استغلال هذا الوضع المضطرب من أجل تحويل اليمن إلى ورقة للمساومة أو المقايضة ضمن غربال التسويات في المنطقة.
ورغم أن الصراع في اليمن ليس منفصلا أو منسلخا عن الصراعات المحتدمة في سوريا أو العراق أو حتى ليبيا أو غيرها من مناطق الإقليم فإن معظم اليمنيين يعولون كثيرا على التحركات العقلانية التي تبذلهـــا القيادة العمانية ودورها المحوري في الأزمة اليمنية، خصوصا وأن عمان قد تمايزت عن غيرها بموقفها الحيادي المعلن في هذه الأزمة وفي غيرها بما مكنها من أن تصبح رسول السلام الإقليمي القادر على تضميد الجراحات وتقريب وجهات نظر أطراف الصراع في اليمن وذلك بعد أن لمس جميع اليمنيين بأن مسقط أضحت العاصمة العربية التي بمقدورها هي وحدها إحداث الاختراق المأمول على جبهات المواجهات العسكرية وإعادة المتناحرين إلى طاولة الحوار في إطار تسوية واقعية ومعقولة ومقبولة تعيد شيئا من التوازن إلى الساحة اليمنية.
من الواضح أن المشهد في اليمن يبدو اليوم أكثر تعقيدا وأن إقناع كافة الأطراف بأن العنف والحرب واستخدام القوة لا يؤدي إلى حل المشكلات أو الخلافات أو حسم أي صراع هو أمر ليس بيد أحد، مع ذلك فإن ما تسرب إلى وسائل الإعلام بشأن النتائج التي تمخضت عنها اجتماعات المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ مع بعض الأطراف اليمنية في مسقط قد رفع درجات التفاؤل وبالذات وأن تلك الاجتماعات لامست بشكل واقعي الخطوط العريضة للمبادرة التي يعمل عليها ولد الشيخ وسيقوم بعرضها على مجلس الأمن الدولي للموافقة عليها وتحويلها إلى مبادرة أممية مدعومة من القوى الكبرى والعالم أجمع وهو ما سيجعل من تلك المبادرة ملزمة لكافة الأطراف المتناحرة في اليمن بدون استثناء.
هناك العديد من المؤشرات الدالة على أن الأطراف الدولية أصبحت مقتنعة بأن الصراع في اليمن هو صراع متعدد الجوانب والمستويات على البنية السياسية والاقتصادية للدولة، وأن مواقف الأطراف المتخاصمة أصبحت أكثر تشددا في هذا الصراع الذي لا يمكن حله عن طريق الأعمال العسكرية وإنما من خلال تسوية تفاوضية من شأنها إخراج هذا البلد من دوامة العنف والاقتتال والحروب المفتوحة ومن أهم المؤشرات على رسوخ هذه القناعة ما جاء على لسان المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ في صحيفة الموندو الإسبانية حيث أشار إلى أن الأمم المتحدة مصرة على أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في اليمن وأن الحل السياسي فقط هو الذي سيسمح بوقف العنف في هذا البلد.
وطالما أصبحت إرادة المجتمع الدولي مجمعة على الحل السياسي في اليمن فإنه ينبغي على مجلس الأمن والجهات الداعمة لهذا الحل أن تكون أكثر وضوحا في مواجهة كافة الأطراف المنخرطة في الصراع وذلك بدعوة هذه الأطراف إلى وقف التصعيد والانفتاح على الخيارات السلمية على اعتبار أن الحل فــي اليمـــن سيشكل عنصرا محفزا لتسوية ومعالجة الأزمات الأخرى في المنطقة وذلك بعد التوافق الأمريكي الروسي على ضرورة احتواء كافة النزاعات الملتهبة في هذه المنطقة التي يخشى من انزلاقها في حروب طائفية ومذهبية لن تستفيد منها سوى التنظيمات الإرهابية كتنظيم (داعش) الذي يتوغل بالفراغ في سوريا والعراق واليمن بعد أن أدركت واشنطن وموسكو أن ذلك الخطر لا يسمح لهما بالاستمرار في الرقص داخل زجاجات فارغة أو اللعب في الدائرة الرمادية.
ليس أمام اليمنيين سوى العودة إلى التفاهم والتحاور وتحريك مياه العملية السياسية الراكدة التي بدأت دوائرها بالتشكل إذا ما أرادوا إنقاذ بلادهم وتخليصها من مستنقع العنف والفوضى وأنهار الدم المتدفقة في مجرى الاستهتار والحروب العبثية والانتحار الجماعي في بلد ميكروسكوبي تتنازعه المكابرة والمغامرة والحسابات الأنانية والضيقة.
* جريدة الشبيبة العمانية |