بقلم/ عبده محمد الجندي - قد يقول البعض إن السلام تفرضه الحروب، وقد يقول البعض الآخر إن السلام يفرضه الحوار، وبين قوة الحرب وقوة الحوار يتحقق السلام عبر جهود يتداخل فيها ما هو ناتج عن الحرب وما هو ناتج عن الحوار من منازعات تؤدي الى صراعات وحروب، ومن تفاهمات تؤدي الى السلام المحقق للأمن والاستقرار وما يترتب عليه من مقاربات بين رحمة الخلافات ولعنة الكراهية والحقد، تعيد للمجتمع وحدته وتعيد للقوى السياسية لحمتها المتآكلة قبل أن تصل الى مرحلة التطاحن والاستفحال الذي يتضرر منه الجميع ولا يستفيد منه سوى الأعداء.
وها هي التجربة اليمنية تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن الحاجة اليوم- بعد جولات من الصراعات والحروب بين أبناء الشعب الواحد لم ينتج عنها سوى التدخلات الخارجية وما نتج عنها من الدماء والدمار والدموع التي دخلت الى كل بيت مخلفة كميات هائلة من تراكم الأحزان- باتت ماسة لأن يستشعر ويعي جميع الأطراف المتخاصمة والمتشاكلة أنهم يتحملون قدراً كبيراً من المسؤولية لأن ما حدث من إبادة جماعية ودمار شامل لا تنحصر أضراره في نطاق الطرف الرافض للعدوان بقدر ما تجاوزت ذلك الى الطرف المؤيد للعدوان لأنهما جزء لا يتجزأ من الشعب والوطن اليمني، يتألمان لآلامه ويسعدان لسعادته، لا يمكن أن تكون المصلحة العامة الا شراكة بين الجميع مثلها مثل السعادة إما أن تكون للجميع وإما أن تتحول الى شقاوة لتجلب الضرر للجميع، لأن الشعب اليمني والوطن اليمني كل لا يتجزأ، مثله في ذلك مثل الجسد الواحد الذي يتأثر سلباً وإيجاباً بكل ما تتعرض له أجزاؤه من تداعيات سالبة وموجبة.
أقول ذلك وأدعو أولئك الذين استجابوا للدعوات غير اليمنية فيما دعتهم اليه من ولاءات وعصبيات أيديولوجية طائفية أو مذهبية زيدية أو شافعية سنية أو شيعية: إن مصلحتكم تحتم عليكم عدم الانجرار الى هذه التداعيات والصراعات والحروب الأهلية والطائفية مهما كانت مغرياتها المادية والعسكرية لأن أرواحكم ودماءكم وأعراضكم وكرامتكم سوف تكون هي الثمن شئتم أم أبيتم، ومن يبدي استعداده للتفريط بهذه الثوابت الوطنية اليمنية سوف يجد نفسه متورطاً في حرب أهلية توفر للعدوان كل ما هو بحاجة اليه من المبررات والأغطية الشرعية الزائفة والزائلة ولو بعد حين من الوقت والجنون تحت نشوة النصر وما يتوقع منه من مكاسب لأن تدمير مقدرات الشعب اليمني وبُناه التحتية المدنية والعسكرية تمثل أكبر خسارة لا يمكن للمنتصر وللمهزوم تعويضها بسهولة وفي أزمنة قياسية نظراً لما تمثله من تراكمات للنضالات والتضحيات التي امتزجت فيها دماء الآباء والأجداد بعرقهم وجهودهم العلمية والعملية.
أقول ذلك وأقصد به ان الحرب- كما وصفها أحد الأدباء الفرنسيين- هي مجزرة بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض، يديرها أناس يعرفون بعضهم البعض لكنهم لا يقتلون بعضهم البعض»، ومعنى ذلك أن التدخلات الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية في الشؤون اليمنية قد تحولت الى سلسلة من الضربات الجوية والبحرية والبرية التي تجاوزت الأسابيع الى الأشهر واحتمال امتدادها الى أعوام من القتل ومن الحصار وما ينتج عنها من جرائم تتنافى مع جميع النواميس السماوية والقوانين الإنسانية بصورة فاقت في بشاعتها ما قبلها من النكبات والجرائم السابقة، ومعنى ذلك أن هذا الشعب العظيم الصامد والصابر بوجه التحديات العدوانية بات في وضع المضطر الى دعوة جميع أبنائه الى تناسي خلافاتهم وصراعاتهم واطماعهم وثاراتهم من أجل كلمة سواء تعيد له ما هو بحاجة اليه من التطلعات الحياتية والحضارية بعد أن أصبحت حياته أسوأ من الموت وبعد أن أصبح الموت المقترن بالشهادة وسيلته الوحيدة للخلاص من هذه الحياة البائسة والطاردة لما له من الأمنيات الكفيلة بوضع حد للمعاناة المكلفة، فهل يجد منكم في دعوته أمام هذه التداعيات قدراً من الاستجابة الفورية المعبرة عن استعداد لتغليب قيم الحوار وقيم السلام وقيم الأمن والاستقرار وقيم العلم والعمل على قيم العدوان والحرب والقتل والخراب والدمار، تزامناً مع ما دعاكم اليه البيان الأخير لمجلس الأمن الدولي.
لا أعتقد أن كل من شعر بذرة انتماء لهذا الشعب اليمني الصابر والصامد بوجه التحديات سوف يرفض الاستجابة الى ما دعا اليه بيان مجلس الأمن الدولي والى ما يدعوه اليه الأغلبية الصامتة من أبناء الشعب اليمني من وقف للعدوان ورفع للحصار بعد أن بلغت القلوب الحناجر ونضح الإناء بما فيه وتحولت الحياة الجميلة الناعمة والواعدة بالرخاء والسعادة والأمل الى محنة وغصة تتضافر الدعوات للخالق العظيم في مساعدتهم على الخلاص من كابوسها وما ينتج عنه من الإبادة والدمار الذي يقوم به جبابرة القوة والثروة استناداً الى دعوات تجردت من قيم المواطنة اليمنية ومن قيم الأخوة العربية ومن عواطف الانتماء للدين الاسلامي الحنيف دين الحرية والوحدة والديمقراطية والعدالة والسلام القائم على الحق والعدل.
وإذا كان البعض يعتقد أنه سيكون المنتصر على شعبه ووطنه بقوة العدوان وبقوة الحصار فإن واجب الأغلبية الصامتة أن تعيده الى صوابه وان تأخذ بيده الى حسن التفكير ومراجعة ما هو عليه من الضلالة وسوء التدبير، لأن العصر الذي تمر به البشرية كما نلاحظ من الاتجاهات الأممية للثورة الصناعية العملاقة وفقاً لما توافقت عليه الشعوب والأمم يقوم على الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحرية التجارة وحقوق الإنسان وعلى المواطنة المتساوية في ظل الدولة المدنية الحديثة دولة النظام وسيادة القانون، لا وجود في ظل قوانينه الأممية - العولمة - والحوكمة- للتدخلات الاستعمارية المفروضة بجبروت القوة وما وصلت اليه الآلة العسكرية من تقنيات والكترونيات قادرة على الإبادة الجماعية والدمار الشامل، لأن عمر العدوان وسياسة القوة قصير مهما كانت فاعليته التدميرية القاهرة للشعوب، لأن للشعوب الحرة إرادات قادرة على الدخول في مجابهات وتحديات مرشحة للانتصار ولو بعد حين من الانكسار والاضطرار للتعاطي مع القوة، فقوة الشعوب جزء لا يتجزأ من قوة الله مهما بدت عاجزة عن تحقيق الانتصارات السريعة إلا أنها هي وحدها القوة المرشحة لصنع الانتصارات العظيمة والدائمة.
نعم يا معشر اليمنيين أينما كنتم في الداخل أو في الخارج: إن شعبكم ووطنكم المستباح يدعوكم الى مراجعة ما صدر عنكم من مواقف خاطئة، لتقولوا مع شعبكم ووطنكم نعم للحوار وحل الخلافات بالأساليب والوسائل السلمية بدلاً من المراهنة على الصراعات والحروب العدوانية الداخلية والخارجية الفاشلة التي يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها سوى أعداء الوطن الذين يعتقدون أنهم سوف يخضعون هذا الشعب العظيم لما لديهم من قوة السلاح والمال والإعلام والسياسة.
إن العودة الى الحق هي الخطوة الصحيحة في الاتجاه الرافض للعدوان والحصار مهما بدت بعيدة المنال من خلال النظرات العدوانية العقيمة ذات الأبعاد السطحية العاجزة عن الارتقاء الى مستوى التفكير العقلاني العميق الذي يراهن على الحوار والسلام..
|