بقلم/ عبده محمد الجندي - يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (إن اختلافي معك يا أخي، لا يعني أنني أكرهك أو أحتقر عقلك، أو أزدري رأيك.. أحبك يا أخي ولو بقينا الدهر كله «مختلفين» في الرأي.. واختلافي معك لا يبيح «عرض» و«لا يحل غيبتي» ولا يجيز «قطيعتي»، فالناس عند الاختلاف ثلاثة أصناف، الصنف الأول: إن لم تكن معي فلا يعني أنك ضدي «وهذا منطق العقلاء» والصنف الثاني: إن لم تكن معي (فأنت ضدي)، و(هذا منطق الحمقى)، والصنف الثالث: إن لم تكن معي (فأنت ضد الله) و(هذا سبيل المتطرفين) ويخلص من ذلك إلى القول: «عندما نحن كيف نختلف، نحن كيف نتطور».. اللهم ارزقنا الحلم وسعة الصدر والخلاص من التعصب وضيق الأفق إنك حليم كريم)..
هكذا قال الإمام الشافعي قبل أكثر من ألف عام من الزمن وكأنه كان يستحضر ما يجري اليوم في الوطن العربي الكبير وفي العالم الإسلامي المتعدد الأمم المختلفة التكوين الوطني والقومي من عملية سياسية وتجربة ديمقراطية قائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة والتجارة وحقوق الإنسان، حيث تشهد بلادنا هذا النوع من الحماقة والتطرف في الخلاف بين الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات والهيئات والنقابات الجماهيرية الإبداعية والانتاجية التي تدل على المراهقة في التعامل مع التعدد والتنوع يمكن تقسيمها إلى ثلاثة تجمعات رئيسية:
المجموعة الأولى: التي تنتهج الوسطية والاعتدال وفي مقدمتها المؤتمر الشعبي العام الذي يعتبر الخلاف في الرأي رحمة إذا لم تكن معي فإنك لست ضدي ويمكنني التعامل معك على قاعدة رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب والعكس.. لأن الغاية من رحمة الخلاف هي البحث عن الحقيقة العلمية والعملية كما هي في الواقع وليس كما يريدها هذا الطرف السياسي أو ذاك وتلك هي المنطقية العقلانية المستعدة لتغليب قيم الحرية والديمقراطية وقيم المساواة والعدالة والأمن والسلام والتقدم وتكافؤ الفرص على قيم التعصب والتطرف والشمولية والتخلف التي لا تخلف سوى الصراعات والحروب الدامية والمدمرة التي يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها أحد.
المجموعة الثانية من الأحزاب والتنظيمات والمنظمات والجماعات والأشخاص فهم أولئك الذين استوطنت الشمولية والجهالة في معظم ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال وهم الحمقى الذين يرفعون شعار من لم يكن معنا فهو ضدنا، وهؤلاء يحتاجون إلى التعامل معهم بالاقتراب منهم وتطمينهم بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية وأن جميعهم في القلوب والعقول نابع من كونهم اخوة لنا في الوطنية اليمنية والقومية والإسلام مهما اختلفنا فيما بيننا إلا أننا جاهزون للتضحية وتقديم المستحيل وغير المعقول من التنازلات لبعضنا حتى يتحول الشك والريبة إلى ثقة ناتجة عن قناعة تستبدل الثقافة الشمولية بالثقافة الديمقراطية وثقافة التعاون والتكامل والتكافل بثقافة الشمولية والدكتاتورية والرغبة في الاستبداد والاستغلال، وثقافة العمل والانتاج والشراكة في السلطة والثروة بغيرها من الثقافات الانعزالية المحملة بتيار الكراهية والحقد والتي لا تثمر سوى الشرور والآثام.
المجموعة الثالثة فهم: أولئك الذين يعتبرون الخلاف معهم في الرأي خلافاً مع الله واننا إما ان نكون معهم بالحق والخطأ وإما ان نضع أنفسنا في تضاد مع الله، لأنهم يعتقدون خطأً ان الله الكامل المطلق يتموضع في مواقفهم وآراءهم، ولا يجدون لمن يختلف معهم منطق وسط لبناء التنازلات لأنهم مجموعة من الكفرة الذين يختلفون مع الله ولا سبيل للتفاهم معهم إلاّ بالسيف أو السلاح لأن الموت أقل عقوبة يستحقونها من المجاهدين الذين يزعمون انهم اصحاب صواب مطلق لا مجال فيه لأي نسبة من الخطأ والنقص الموجب للمراجعة والتراجع من الخطأ إلى الصواب، إنهم من تطلق عليهم الدول الديمقراطية الناضجة والناشئة مصطلح الجماعات الإرهابية المعادية للحياة وللحرية وللعدالة وللحوار وللسلام وللأمن والتقدم والسعادة والرفاهية الحضارية فلا بديل للتعامل معهم سوى سيف القوة القاتلة ... لأنهم لا يؤمنون بالأساليب والوسائل السلمية، ولأنهم يعتقدون خطأً ان الله وراء ما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال الإرهابية..
سيكونون بذلك قد اسقطوا الدنيا من حساباتهم وجعلوها ساحة جهاد يمرون بها إلى الخلود بجوار الله والاستمتاع بما تنطوي عليه جنته من النعيم والملذات بلا حدود ولا قيود فنجدهم لذلك يدفعون الشباب إلى عمليات انتحارية تتنافى مع تعاليم الإسلام الحنيف التي تعتبر هدم الكعبة أهون عند الله من إراقة قطرة دم بريئة..
أعود فأقول ان اصناف الخلافات السياسية والدينية الثلاثة التي تبدأ بالعقلانية مروراً بالحماقة ونهاية بالتطرف تحتم على الأحزاب والتنظيمات والمنظمات والجماعات والأفراد أولويات نضالية ملحة بدرجات متفاوتة مهما نتج عنها من تقديم التنازلات السياسية والتعاطي الايجابي مع أنصاف الحلول في مرحلة جلب الثقة لأن النجاح مع الصنف الثاني هو الممكن الوحيد الذي يعيده إلى دائرة التعاون على قاعدة المواطنة المتساوية والشراكة في السلطة والثروة يحتاج من المؤتمر الشعبي العام إلى بذل مساعيه في تقريب وجهات النظر بين أحزاب اللقاء المشترك وشركائهم وبين جماعة أنصار الله وحلفائهم باعتبارهم من القوى والمكونات السياسية التي لم تصل بعد في خلافاتها وصراعاتها إلى حد التفكير الناتج عن خطأ الخلط بينها وبين الله.. أي انها قوى وطنية تراكمت لديها الشكوك والحساسيات من معتقدات سياسية قابلة للإصلاح بعيداً عن المساس فيما لديها من المصالح والارتباطات الداخلية والخارجية، لأن قرارها لم يعد بيدها ويحتاج إلى قدر كبير من الصبر والمرونة بعيداً عن التمترس خلف تبادل الاتهامات بالعمالة حيناً وبالخيانة حيناً وبالتخلف والرجعية معظم الأحيان، لأن حب الوطن من الإيمان وقدسية الولاء له وللشعب اليمني تحتاج إلى تبادل التنازلات.
أقول ذلك وأقصد به ان ما ينتهجه المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه من سياسة وسطية معتدلة وما يدعو إليه من مصالحة وطنية لا يمكن القول بأن المؤتمر الشعبي العام يقف في ساحة واحدة من جميع الاطراف وانه ليس شريكاً في الأخطاء التي ادت إلى تفاقم هذه الصراعات والحروب التي تحولت إلى استدعاء العدوان الخارجي الذي أكل الأخضر واليابس في بلد الإيمان والحكمة والرزق الوفير «بلدة طيبة ورب غفور».. لأن الاعتراف بأن ما حدث في الماضي وليد ممارسات وثقافات خاطئة الموروث فيها لا يقل كمية عن المصنوع بأيدينا سيكون بمثابة البداية الحقيقية للمراجعة والتراجع من الخطأ إلى الصواب.. ومعنى ذلك ان الدعوة للمصالحة الوطنية يجب أن يقوم بها طرف يحظى بالاحترام والقبول والثقة من جميع الأطراف المتخاصمة والمتشاكلة قد تكون أحزاباً أو أفراداً وقد تكون جماعات من الأحزاب أو من المستقلين الذين لا تعتبر دعوتهم ذات ابعاد سياسية قابلة للتجيير لصالح هذا الطرف أو ذاك أساسها الرغبة المجردة في انقاذ الشعب والوطن اليمني مما لحق به من القتل والخراب والدمار الذي اصبح بمثابة المشترك الذي يشعر به كل طرف مهما كابر وحاول الغاء تبعاته على الآخر إلاّ أنه شاء أم أبى يعتبر بمثابة شريك فيما نتج عنه من السلبيات والايجابيات، إذا صح القول ان هناك بعض الايجابيات المنعدمة..
أقول ذلك وأدعو الجميع إلى الاعتراف بالحكمة القائلة: إن الحرب مجزرة أناس لا يعرفون بعضهم البعض يقودها أُناس يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض، لأن الاعتراف بهذه الحقيقة يجعل المراجعة عملية حتمية وملزمة لجميع الاطراف بقدر من الاستشعار الجاد للمسئولية لأن في صلاح الصنف الأول الصنف الثاني قوة لا يستهان بها للتفرغ لإصلاح الصنف الثالث الذي يعتبر الخلاف معه ضد الله وكأنه يقول للجميع انه جزء من الله وان الله هو الغالب على أمره..
لأن هؤلاء المتطرفين قد يكونون مزيجاً من أبنائنا واخواننا وبناتنا واخواتنا دفعتهم ظروفهم الصعبة وما يشاهدونه من الصراعات والنزاعات والحروب والتي تحولت إلى عدوان خارجي لم يسبق له مثيل إلى تكفير جميع الاطراف واعتبار الخلاص منهم خلاصاً من هذا الواقع المرير الذي يمتزج فيه الجهل بالتعثر ويمتزج فيه الفقر بالدم والدمار الذي تتحول فيه الحياة الصعبة إلى جحيم لا بديل أمامه سوى الاستجابة لهذا النوع من الدعوة إلى الخلاص الأبدي.ومعنى ذلك ان المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه الذي يعتبر الخلاف طبيعياً ومنطقياً ويدعو إلى تقديم رحمة الخلاف على لعنة الكراهية والحقد هو المسؤول عن تذليل الصعوبات الداخلية والخارجية التي تحول دون تقارب جميع الاطراف بحكم ما لديه من الخبرة وبحكم ما لديه من القيادات المجربة التي توفر لديها قدر معقول من العلم ومن الخبرة العملية في ترويض الخلاف السياسي والإعلامي لمدخل صائب لهذا النوع من العمل العظيم.. ولتكون البداية بذل الكثير من الجهود لاقناع أولئك الذين خرجوا عن عباءته وطاعته ولجوء تحت ضيق أشد هو اليأس السياسي إلى حماقات باحثة عن علاقات داخلية وخارجية تساعدهم على التغلب عما اقترفوه من الأخطاء وعما صدر عنهم من الشهادات لأنهم تحولوا إلى ورقة تستخدم بقصد وبدون قصد وبوعي وبدون وعي لتوسيع فجوة الاختلاف بين الأصناف الثلاثة نظراً لما استعانوا بهم من مخلصين افرغوا كل ما في عباءتهم من الأحقاد لتحقيق كل ما لديهم من الأهداف المستترة على نحو فاجأ الجميع بأنهم أمام واقع صعب يحتاج من العقلاء ومن المخلصين إلى جهود استثنائىة لطي المسافات وتقريب المواقف واختزال ما تراكم فيها من الأشواك والعواسج والصعوبات لمدخل صائب لعبور المسافات المستحيلة في عصر يقال عنه عصر تحويل المستحيلات إلى ممكنات في عالم يقال عنه قرية واحدة إذا لم أقل غرفة واحدة..
قد يقول البعض أن هؤلاء وأولئك اساءوا للزعيم علي عبدالله صالح وتعمدوا تحويل حسناته إلى سلبيات وأنهم تجاوزوا الخلافات الموضوعية إلى تصفية الثارات في خلافات ذائبة لا أساس لها من الصحة وان الإساءة لزعيم اليمن ومؤسس المؤتمر الشعبي العام هي اساءة للشعب اليمني ولقيادات وقواعد المؤتمر الشعبي العام.. وأن الاقتراب منهم وتقديم التنازلات الموضوعية والذاتية من الأمور الصعبة وربما المستحيلة فأقول بالأحرى أن ما يتميز به القادة العظماء الذين يعتبرون بمثابة فلتات تاريخية نادرة خلق الله لديهم من الملكات والصفات والعبقريات القيادية ما يمكنهم من انتهاج التسامح على قاعدة «عفا الله عما سلف» التي تغلب ايجابيات الحاضر والمستقبل على ما قبله من سلبيات وايجابيات الماضي من أجل طي ما تراكم من ترامي المسافات وتعاظم الصعوبات والمستحيلات ولولا تلك المواهب والملكات القيادية لما استحقوا ان يكونوا في المواقع الأمامية للقيادات التاريخية العظيمة.
نعم أقول ذلك وأنا على يقين بأن السلطة والثروة وما قبلها وبعدها من المكانات والوجاهات لم تعد تندرج في أجندة الزعيم علي عبدالله صالح الذي استحق هذا اللقب عن جدارة لقب «الزعيم».. قبل وبعد خروجه من السلطة.. كحقيقة لا يستطيع من يعرفونه عن قرب ومن يعرفونه عن بعد انكارها..
بذلك يعول عليه الشعب اليمني وعلى حزبه الكثير من الآمال والتطلعات الكفيلة بتحويل الأخوة الأعداء إلى أصدقاء على قاعدة الشراكة في السلطة والثروة التي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها خصوصاً أن مواقفه من العدوان على الوطن والشعب اليمني قد كلفته الكثير من التضحيات التي تجاوزت المال إلى التضحية بالروح والدم كأقدس وأنبل التضحيات، فهو خبير بالشعب اليمني يعرف رجالات اليمن ويعرف سهوله وجباله وشعابه ولديه من العبقريات ما يمكنه من الاسهام في المعالجات البناءة والكفيلة بوضع النقاط على الحروف.
أعود فأقول: إن المؤتمر الشعبي العام يعتبر اليوم بمثابة مدرسة سياسية ضاربة جذورها في أعماق الشعب اليمني، بل إنه بمثابة شجرة لها فروعها المثمرة وأغصانها ذات الظلال القادرة على تحويل الحمم إلى تيارات ذات هبات يستظل بها من لا ظل له ولا برود.
تعلمنا منه أن الحزبية قيم وفنون واخلاق ومثل ومبادئ تميز القيادات السياسية الناضجة عن القيادات السياسية المتعصبة والمتطرفة والمتهورة جعلته ملاذاً لكل الذين ضاقت بهم العصبية والمركزية الحزبية من أحزابهم التي افنوا فيها معظم حياتهم..
كيف لا وقد كان في مولده بمثابة القنيطرة التي استوعبت ما قبلها من الجداول الحزبية وتفرعت منها ومن قنواتها جميع التكتلات والجداول الحزبية ذات الاتجاهات الايديولوجية المتعددة من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار.. فكان في ميلاده وميثاقه الوطني بمثابة جبهة وطنية عريضة تعددت فيها التيارات والآراء الحزبية خلال مرحلة الانتقال العظيم من التحريم الحزبي ومصادرة الحقوق والحريات والصراعات والحروب الشطرية إلى تحقيق الوحدة اليمنية وتحقيق الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحرية التجارة وحقوق الإنسان جنباً إلى جنب مع شريكه الحزب الاشتراكي اليمني على نحو جعل الـ22 من مايو مناسبة وطنية قلَّما حدثت في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر.. مهما نسب لها من الأخطاء والسلبيات سوف تظل بمثابة المنعطف النضالي الكبير الذي تموضعت فيه أحد أهم الأهداف العظيمة للثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) الخالدة خلود التاريخ والجغرافيا.
تحية اجلال واكبار للمؤتمر الشعبي العام وزعيمه وقيادته المجربة في الذكرى الـ33 لتأسيسه.. والمجد والخلود لشهداء الثورة اليمنية والصراعات السياسية والحروب العدوانية.. والنصر للوطن وللشعب وللقوى الرافضة للعدوان..
|