الثلاثاء, 21-أغسطس-2007
الميثاق نت -   د.احمد عبيد بن دغر -
وأخيرا رحل المناضل الكبير الشيخ/ سالم سالمين بن حبيش الصيعري المكنى" بوسالمين" رحل بعد تاريخ حافل بالعطاء الوطني، والنضال من أجل شعبه ووطنه، رحل بعد أن اطمأن أن أحلامه في الحرية والاستقلال من الاستعمار البريطاني، والوحدة اليمنية، والديمقراطية، قد غدت واقعا نعيشه، نحيا به ويحيا فينا.
رحل المناضل في صفوف الجبهة القومية، فقد كان من القلة القليلة التي جاءت من المناطق الريفية تحمل معها هم الاستقلال، وكان هذا الوعي جديا في صفوف أبناء القبائل الحضرمية، فالاستعمار البريطاني حرص كل الحرص على أن تبقى معظم مناطق الريف بعيدة عن التطور والعلم والمعرفة، أملا في أن يبقوا سندا له، وسندا للسلطنات التي بدأت حينها في التهالك والسقوط، فخرج فقيدنا عن حصار الجهل، وتمرد على تقاليد الولاء والطاعة التي سادت محيطه القبلي الاجتماعي التقليدي.
تطلع الفقيد إلى حياة أفضل لأهله وشعبه ووطنه اليمني، ولم يجد سوى طريقة النضال للتخلص من الاستعمار الذي جثم على أرض الجنوب قرابة القرن وعقود ثلاثة، تجرع خلالها شعبنا أشكالا وألوانا، من الذل والعبودية، فكان لابد أن يأتي من يتقدم الصفوف من الشباب وكان الفقيد منهم، يحملون رايات الحرية والمستقبل.. وهبوا أرواحهم رخيصة من أجل حياة أفضل ومستقبل حر وعيش كريم.
في نهاية عام 1967م، كانت الإرادة الوطنية الثائرة قد حققت انتصارات عظيمة في مختلف ميادين القتال، وكانت الجبهة القومية الفصيل الذي انضم إليه فقيدنا الكبير- وهو الأكبر في فصائل العمل الوطني- قد قررت الاستيلاء على السلطنات الواحدة تلو الأخرى، وكانت السلطنة القعيطية واحدة من أهم السلطنات، وجبهة من أهم جبهات النضال، فعلى ما سيجري فيها سوف يتحدد شكل الدول اليمنية الجنوبية القادمة، إنها السلطنة الاغنى بين سلطنات الجنوب، والأكثر أهمية بعد المستعمرة عدن سياسيا، وجغرافيا وسكانياً.
وتحرك المناضلون من مختلف الفصائل الوطنية لحسم الموقف وكانت الجبهة القومية الأسرع والأكثر أهلية للاستيلاء على السلطنة القعيطية هناك، ساعدها على ذلك قيادات جيش البادية الحضرمي، والجيش النظامي القعيطي اللذين حسما موقفهما إلى جانب الجبهة القومية، لميولهما الوطنية.
وكان فقيدنا ضمن المجموعة التي كلفت بالقيام بالاستيلاء على مناطق غرب حضرموت وهي المنطقة التي تعيش فيها قبيلة الصيعر وهي قبيلة مهمة عددا، وموقعا، وقوة شكيمة.. إلى جانب قبائل أخرى لا تقل عنها مكانة تجاورها وتتقاسم معها شظف العيش على أرض لم يترك المستعمرون فيها شيئا يذكر يمكن أن ننسبه إلى المدينة الحديثة.
وتحرك الشاب" بوسالمين" ملبيا نداء الوطن في مجموعة فدائية كلها من شباب تطلعوا إلى الحياة وعاهدوا الله على بلوغ هدف الاستقلال والحرية أو الموت دونه، كان يقود هذه المجموعة المناضل المرحوم فرج بن سعدون والذي غدا عضوا قياديا في المؤتمر الشعبي العام فيما بعد، وكان بوسالمين من أبرز شباب هذه المجموعة وأكثرهم صلابة، وإقداما، وشجاعة.. فاستولت هذه المجموعة على وادي عمد ووادي دوعن وحوره، وهذه الأخيرة سقطت بعد معركة صغيرة مع حاميتها، ثم سقطت تحت زحف هؤلاء الشباب القطن ووادي سر وأخيرا شبام.. وهناك توقفت المجموعة، انتظاراً لنتائج ما كان يحدث على يد مجموعة مناضلة أخرى في السلطة الكثيرية.
بعد الاستقلال كان حاكما لمنطقة " حجر الصيعر" مساعدا للمأمور ولسنوات طويلة، وفي فترات مسئولياته العديدة، كان الواجب يحتم عليه القيام بمهام الدفاع عن النظام الجديد، فلم يهن أو يضعف أو يتراجع عن مبادئه، وفي نفس الوقت كان عليه أن يقدم جديدا لسكان منطقته في ظروف كانت غاية في الصعوبة، فاستغل ما لديه من إمكانات لصالح وطنه دفاعا وبناء.
وفي ظروف الجنوب حينها- التي اتسمت بالصراع بين أجنحة الحكم المختلفة- كان دائما قريبا من أناسه الذي وقفوا إلى جانبه، مدافعا عن قيمه وقناعاته التي كان يؤمن بها معرباً عن رأيه في معظم قضايا الخلاف بصراحة البدوي الشهم في شجاعة نادرة قلما ظهرت عند أقرانه، كادت في حالات غير قليلة أن تودي بحياته وتطيح برأسه، لكن القدر كان يمهله ورعاية الباري الكريم تحميه حتى يوم وفاته في 16 أغسطس 2007م.
كان وطنيا في مواقفه السياسية، فقد كان الوطن عنده أغلى ما لديه، وأعظم ما ضحى من أجله، وكان تقدميا ساهم في بناء الحياة الجديدة ودعم المواقف الأكثر انفتاحا على العصر وعلى المستقبل.. كان وحدويا، فقد تطلع دائما إلى يمن موحد، رافضا واقع التشطير وداعما جهود التوحيد دون تردد أو وجل.. كان رقما في كل الظروف والمنعطفات قبل الوحدة وبعدها، وكان قائدا وإنسانا عظيما وشيخا مسموع الكلمة في قبيلته الصيعر أحفاد كندة لقد ختم الفقيد حياته السياسية بموقف سوف يعتز به أبناؤه ومحبوه وكل الذين عرفوه، فقد ساند بقوة حملة الأخ الرئيس/ علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية والمحلية في سبتمبر الماضي، داعيا كل الخيرين من حوله إلى الاحتذاء بموقفه والتصويت له.. كان يدرك أن اليمن في هذه المرحلة أكثر ما تحتاج إلى الاستقرار والأمان والقيادة القادرة والمقتدرة والحكيمة، وكان علي عبدالله صالح الرجل الوحيد الذي يمكنه أن يوفر الاستقرار لبلاده، والرجل الذي يعتمد على حكمته، وقدرته قائدا وزعيما للمرحلة القادمة، فلم يتردد في دعم الرئيس وإسناده.
يغمرني شعور بأن كل من شيعوا جثمانه قد شعروا بغصة في الحلق، أو حسرة عميقة في القلب، أو دمعة في العين برحيله، وكذلك على ما أظن سوف يشعر كل الذين عرفوه عن قرب، أو كانوا يوما في الصف الأمامي الذي وقف فيه متطلعا نحو المستقبل الأفضل.. كنت صديقا مقربا له، وقد كنت أرى فيه دائما نموذج الوطني البدوي، كان رجلا كأفضل الرجال، وشهما ووفيا، وكريما ومتسامحاً مع غيره وصادقاً في معتقده وفي مواقفه.
زرته قبل أيام من وفاته، ويا للألم والحسرة فلم أعلم أنها كانت الزيارة الأخيرة، والوداع الذي ليس بعده وداع، لم يدر بخلدي أن أيامه قد اقتربت من نهاياتها، وأن الله قد حدد يوما قريبا لرحيله.. فتغمد الله فقيدنا بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.. وإن لله وإنا إليه راجعون.. وتحية عزاء لأبنائه وإخوته من " الكسالين" الذين بدا على وجوههم بعض من القلق من تدهور صحته، فقد أخذ منه المرض شيئا من حيويته فوق ما أخذت منه الأيام والسنون التي تجاوزت الثمانين من عمره.. وتحية عزاء خاصة لابنه عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام وعضو المجلس المحلي لمحافظة حضرموت.

• عضو اللجنة العامة- رئيس دائرة المنظمات الجماهيرية بالأمانة العامة.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:29 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-4387.htm