الثلاثاء, 21-أغسطس-2007
منصور الغدره -
مع أنه يوجد لدينا في مينائي عدن والحديدة صوامع غلال لتخزين (800) ألف طن من المواد الأساسية المستوردة للاستهلاك المحلي، خاصة مادة القمح.. لكنها- أي الصوامع- تظل في معظم أيام وشهور السنة فارغة تماماً من المخزون الغذائي، واحياناً لايستغل من طاقتها الاستيعابية إلاَّ ما نسبته 25٪.. بينما تبقى خالية كماهو حالها اليوم- حسب ما أفاد به ملاك هذه الصوامع من كبار التجار المستوردين والذين يرفضون أن يخزنوا فيها لأي مستورد آخر، أو جديد دخل سوقهم، وإذا ما دخل سرعان ما يخرج منها..
يخرج هذا التاجر أو ذاك المستورد من اللعبة مكسور الخاطر، ليس لفشله في منافسة شريفة، وإنما لقلة حيلته، وفشل آلية ما يسمى بالسوق المفتوحة في كسر الاحتكار في السوق اليمنية وترويض ذئابه التي مازالت مكشرة أنيابها في وجه كل من يحاول مقاسمتها الاستيراد ودخول سوق تحكم‮ ‬حلبتها‮ ‬الحديدية‮ ‬قواعد‮ ‬ومفاهيم‮ ‬تجارة‮ ‬الخمسة‮ ‬لا‮ ‬سادس‮ ‬لهم،‮ ‬يستفردون‮ ‬بأدواتها‮ ‬لأنفسهم‮ ‬وحدهم‮ ‬حتى‮ ‬في‮ ‬زمن‮ ‬عصر‮ ‬العولمة‮ ‬والاقتصاد‮ ‬الحر‮..‬
في زمن الاحتكار- بالأمس- كان يوجد هنا في السوق اليمنية أكثر من (15) تاجراً مستورداً للقمح، لكن مع بداية تطبيق اليمن للاقتصاد الحر والانتقال إلى آلية السوق المفتوحة خرج جميعهم من سوق استيراد القمح ولم يبقَ منهم إلاَّ خمسة يتحكمون اليوم بقوت المواطن وبأدوات اللعبة‮ ‬الاقتصادية‮ ‬في‮ ‬سوق‮ ‬القمح‮..‬
لا غرابة أن يخرج كل أولئك التجار من قائمة المستوردين للقمح، مادامت المؤسسة الاقتصادية اليمنية بكل ما تملكه وما لديها من إمكانات وآليات وقدرات تشكو بمرارة من المضايقات والتعسفات التي يمارسها هؤلاء التجار والمستفردون ضدها..!!
لذلك يؤكد العميد علي محمد الكحلاني مدير عام المؤسسة الاقتصادية اليمنية ان نجاح المؤسسة في تنفيذ قرار مجلس الوزراء باستيراد وتوفير مادة القمح وبيعها للمستهلك بسعر التكلفة يظل مرهوناً بموافقة وتجاوب كبار التجار المستوردين للقمح في اليمن- المالكين لصوامع الغلال‮ ‬وموافقتهم‮ ‬على‮ ‬تفريغ‮ ‬وتخزين‮ ‬شحنات‮ ‬القمح‮ ‬المستوردة‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬المؤسسة‮ ‬في‮ ‬صوامعهم‮..‬
وأعاد مدير عام المؤسسة الاقتصادية عدم استطاعة مؤسسته القيام بمهمة توفير القمح للمستهلك وكسر الاحتكار المضروب على السوق اليمنية من قبل التجار ملاك الصوامع، إلى كل أدوات اللعبة الاقتصادية ليست بيد المؤسسة وإنما بيد التجار.. مشيراً إلى برنامج الإصلاح الاقتصادي وعملية الخصخصة الذي تنفذه الدولة وباعت كل المؤسسات الاقتصادية من صوامع غلال ومخازن وموانئ وأرصفة التابعة لها، باعتها كلها للقطاع الخاص، وهي تشكل المرتكز الأساسي لتأمين المخزون الاستراتيجي من الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي، ولو مُلئت الصوامع الموجودة في اليمن لكفت الاستهلاك المحلي خمسة أشهر، لكن- حسب الكحلاني- ان الأخوة في القطاع الخاص غضبوا عندما قلنا لهم هذا الكلام.. مؤكداً وجود احتكار ليس عن طريق التخزين والتكديس وإنما بطرق أخرى، منها رفضهم التخزين في صوامعهم لأي مستورد آخر للقمح وفي نفس الوقت لايرغبون بالاستيراد‮ ‬وتخزين‮ ‬الكمية‮ ‬الكافية‮ ‬لتغطية‮ ‬الاستهلاك‮ ‬المحلي‮ ‬من‮ ‬مادة‮ ‬القمح‮.‬
وقال مدير عام المؤسسة الاقتصادية في تصريح لـ»الميثاق«: مع أن الحكومة منحت تراخيص للاستيراد لأكثر من شخص- تاجر- لكن الذين بقي منهم في السوق خمسة تجار فقط وهم أصحاب- ملاك الصوامع والمطاحن، وفي ظل هذا الوضع لاتستطيع كسر الاحتكار فكيف يمكن لها الاحتكار- كما يتهمها البعض بممارسته- وأضاف: نحن في المؤسسة إذا ما استوردنا باخرة قمح لابد أن نحصل على موافقة مسبقة من هؤلاء التجار وقبولهم تفريغ وتخزين الشحنة في صوامعهم، بل ان شركات النقل البحري العالمية وملاك البواخر وسفن النقل يرفضون تصدير أو شحن القمح من موانئ التصدير إلاَّ إذا أحضرنا لهم موافقة مسبقة من أصحاب الصوامع التي ستفرغ الشحنة وستخزنها، وما لم يكن هناك موافقة مسبقة فلا يمكن أن يصدروا لنا.. إذاً المؤسسة الاقتصادية عاجزة عن كسر الاحتكار في ظل عدم وجود علاقة طيبة مع التجار- ملاك الصوامع- وفي حال رفضهم تفريغ الشحنة وتخزينها تخسر المؤسسة يومياً »30« ألف دولار للباخرة الواحدة مقابل تأخير، فضلاً عما يُدفع لأصحاب الصوامع من إيجار مقابل التخزين لديهم، ومع ذلك الأسعار التي تبيع بها المؤسسة أقل بكثير من الأسعار التي يبيع بها تجار القطاع الخاص والذين تكاليفهم عادة ما تكون قليلة‮ ‬جداً‮ ‬مقارنة‮ ‬بتكاليف‮ ‬ما‮ ‬تستورده‮ ‬المؤسسة،‮ ‬وبدلاً‮ ‬من‮ ‬أن‮ ‬تكون‮ ‬أسعارهم‮ ‬أقل‮ ‬من‮ ‬أسعار‮ ‬المؤسسة‮ ‬نجدها‮ ‬مرتفعة،‮ ‬فكل‮ ‬ما‮ ‬يهمهم‮ ‬هو‮ ‬الربح،‮ ‬والربح‮ ‬المبالغ‮ ‬فيه،‮ ‬وليس‮ ‬الأرباح‮ ‬المعقولة‮ ‬والمقبولة‮..‬
ويؤكد أن هناك ارتفاعاً عالمياً في سعر القمح، حالياً، لكن التجار يبيعون في السوق اليمنية بهذا السعر منذ شهر يناير الماضي، إلاَّ أن تدخُّل المؤسسة الاقتصادية وقيامها باستيراد القمح والبيع بأسعار مخفضة أجبرت التجار على التراجع عن أسعارهم وتخفيضها إلى مستوى تقترب‮ ‬إلى‮ ‬حدٍ‮ ‬ما‮ ‬من‮ ‬أسعار‮ ‬المؤسسة،‮ ‬وبذلك‮ ‬يكون‮ ‬تدخل‮ ‬المؤسسة‮ ‬عاملاً‮ ‬مساعداً‮ ‬في‮ ‬خلق‮ ‬نوع‮ ‬من‮ ‬التوازن‮ ‬وليس‮ ‬لكسر‮ ‬الاحتكار‮..‬
وأشار العميد علي محمد الكحلاني إلى أن تكليف مجلس الوزراء المؤسسة يقتصر على توفير القمح فقط وليس الدقيق الذي لايزال مسئولية القطاع الخاص، لكنه أكد أنه في حال عدم التزامهم بتوفيره وطلب من المؤسسة التدخل فسيكون لها ذلك إذا ما توافرت لها الأدوات اللازمة، وتهيئة الظروف الملائمة.. أما في الوقت الحالي فمهمة المؤسسة تقتصر على توفير القمح، والمهمة كبيرة ونجاحها لايزال مرهوناً بتعاون القطاع الخاص- أصحاب الصوامع تحديداً.. مضيفاً انه بعد خروجهم من الاجتماع الذي عقده رئىس مجلس الوزراء مع كبار التجار تواصل مع عدد من الشركات الملاحية وبالصدفة تمكن من شراء باخرتين كانتا محملتين بالقمح وفي طريقهما- كما يبدو- إلى اليمن، ورغم أن أصحاب الصوامع كانوا قد رفضوا تخزين قمح المؤسسة لديهم عدا تاجر واحد، لكنه عندما علم أنني اشتريت الباخرتين تراجع عن موافقته، فوجَّه لي إنذاراً بالاعتذار‮ ‬عن‮ ‬عدم‮ ‬إمكانية‮ ‬استقبال‮ ‬وتفريغ‮ ‬الشحنتين‮ ‬لديه‮ ‬في‮ ‬صوامعه،‮ ‬ما‮ ‬لم‮ ‬يتم‮ ‬التنسيق‮ ‬المسبق‮- ‬قبل‮ ‬الشراء‮- ‬معهم‮.‬
ويضيف: رغم أنه عند اجتماعنا برئيس الوزراء كلفنا جميعاً بالشراء وتوفير مادة القمح.. لكن بالنسبة لنا- في المؤسسة- نحن مجبرون على تحسين علاقاتنا بأصحاب الصوامع وتلطيف جو المنافسة معهم، لأنهم الممسكون بأدوات اللعبة الاقتصادية..!!
ويتطرق إلى أن هناك توجيهات كانت قد صدرت من فخامة رئىس الجمهورية بإنشاء صوامع غلال تابعة للدولة- المؤسسة الاقتصادية- وبدأت الخطوات العملية بالفعل في إنشائها بطاقة تخزينية »100« ألف طن في المرحلة الأولى قابلة للتوسع في مرحلة ثانية إلى »400« ألف طن، وأشار إلى أنه يوجد أمام القطاع الخاص- أصحاب المطاحن- مسئولية توفير مادة الدقيق وتوزيعها على محافظات الجمهورية بالتنسيق مع وزارة الصناعة والتجارة التي ستقوم بمراقبة ومتابعة أسعار البيع للقمح والدقيق من قبل المؤسسة والتجار الذين يمتلكون مطاحن بطاقة انتاجية »8« آلاف طن يومياً في حين الاستهلاك المحلي فقط »4« آلاف طن يومياً.. لكن هؤلاء يطحنون بالقطارة، الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب السوق لقلة المعروض من مادة الدقيق، وبالتالي ترتفع الأسعار، وهنا يبرز الاحتكار بطريقة غير مباشرة وفقاً لآلية السوق.
ولفت الكحلاني إلى نجاح الدراسات والتجارب عن إمكانية زراعة القمح في اليمن، إلاَّ أن الصعوبات التي تقف أمام تحقيق ذلك هي مشاكل الأراضي الزراعية،خاصة وان القمح يحتاج إلى أراضٍ شاسعة، لكنه أكد ان المؤسسة تحاول في الوقت الحالي من خلال ما لديها من مزارع في أكثر من‮ ‬محافظة‮ ‬إلى‮ ‬زراعة‮ ‬القمح‮ ‬ومختلف‮ ‬أنواع‮ ‬الحبوب،‮ ‬وتحقيق‮ ‬الاكتفاء‮ ‬الذاتي‮ ‬من‮ ‬محاصيل‮ ‬الحبوب‮ ‬يتطلب‮ ‬تعاون‮ ‬الجميع‮..‬
وكان العميد علي الكحلاني قد حذر مديري فروع المؤسسة في المحافظات من أي تلاعب أومخالفات تخل بآلية التوزيع والبيع المباشر للمستهلك في معارض ومراكز المؤسسة في المحافظات والمديريات، وعدم مخالفة التسعيرة التي وضعتها اللجنة المشتركة من وزارة التجارة والصناعة والمؤسسة،‮ ‬والتي‮ ‬حددت‮ ‬سعر‮ ‬الكيس‮ ‬القمح‮ ‬بـ‮»‬3700‮« ‬ريال‮ ‬كتسعيرة‮ ‬موحدة‮ ‬في‮ ‬عموم‮ ‬المحافظات‮..‬
وشدد في اللقاء الذي عقده الاثنين الماضي مع مديري الفروع وبحضور وزيرالصناعة الدكتور يحيى المتوكل- على مديري فروع المؤسسة بألاَّ يتحولوا إلى سماسرة ووسطاء ووكلاء للتجار في السوق السوداء.. مؤكداً أن هناك رقابة تتم من قبل المؤسسة ووزارة الصناعة، وان هناك غرفة عمليات لكل منهما في المحافظات وأمانة العاصمة تتلقى البلاغات والشكاوى ومتابعة سير عملية التوزيع والبيع في الأسواق الأسبوعية وشديدة الازدحام وفي محلات المؤسسة، وفي حال اكتشافها مخالفة للآلية والتسعيرة سيكون ملف مرتكبيها أول ملف يقدمه بيده إلى الهيئة العليا لمكافحة‮ ‬الفساد‮..‬
وأشار‮ ‬إلى‮ ‬أن‮ ‬المرحلة‮ ‬حرجة‮ ‬وعصيبة‮ ‬ولن‮ ‬يسمح‮ ‬لأي‮ ‬شخص‮ ‬العبث‮ ‬بقوت‮ ‬الناس‮ ‬واستغفال‮ ‬الحكومة‮ ‬وأجهزتها‮ ‬الرقابية‮..‬
وقال: إنه لن يرضى هذه المرة إلاَّ بالمديرين والموظفين الكبار وليس بالموظفين الصغار الذين عادة ما يقدمون ضحايا تجاه أية مخالفة أونهب للمال العام أو ظاهرة سلبية.. وأضاف قائلاً: لن أرحم ولن أتهاون مع أي شخص كائناً من كان..وتقضي الآلية- التي أعدتها المؤسسة الاقتصادية بالتنسيق مع وزارة الصناعة- بالبيع المباشر للمستهلك بسعر التكلفة (3700) ريال لكيس القمح، مع بقاء معارضها مفتوحة أمام المواطن والبيع لهم على مدار الساعة، وأيضاً من السيارات التابعة لها والتي يتم تحميلها من المراكز والانتقال بها إلى الأسواق والمناطق المزدحمة‮ ‬بحيث‮ ‬تحقق‮ ‬الغاية‮ ‬من‮ ‬تدخل‮ ‬المؤسسة‮ ‬ووصول‮ ‬مادة‮ ‬القمح‮ ‬إلى‮ ‬المستهلك‮.‬
ونفى مدير عام المؤسسة الاقتصادية ان يكون مبلغ الثلاثة مليارات- الذي أقر الاجتماع الاستثنائى لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي صرفه للمؤسسة لتوفير مادة القمح وبيعها للمستهلك بسعر التكلفة- أن يكون دعماً للمؤسسة- كما فهم بعض التجار- وإنما هو جزء من مديونية المؤسسة لدى الحكومة، في الوقت الذي كانت قد ألغت الدعم الذي كانت تقدمه للمواد الأساسية- والقمح واحد منها.الجدير ذكره انه كان يوجد صوامع غلال تابعة للحكومة بطاقة استيعابية »340« ألف طن إلاَّ أنها باعتها لأحد تجار القطاع الخاص من مستوردي القمح في إطار برنامج الإصلاحات‮ ‬والخصخصة‮ ‬والانتقال‮ ‬إلى‮ ‬آلية‮ ‬السوق‮ ‬المفتوحة‮- ‬الحرة‮.‬
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:42 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-4408.htm