عبد الرحمن مراد -
< لا أجد تفسيراً لما قام به بعض أرباب الارتزاق من قيادة المؤتمر الشعبي العام من أولئك الذين آثروا الرياض وأموالها وبريق ذهبها على اليمن وعلى اليمنيين، سوى الحمق والغباء والأرعن وكأنهم لا يعرفون اليمن ولا طبيعة هذا الظرف التاريخي، وقد مرّ في التاريخ ما يماثله ولم يجن الرغاليون والخونة في كل التاريخ سوى الخزي والعار والمذلة الدائمة، وقد ظل قبر أبي رغال مرجوماً الى زمن ليس ببعيد عن الزمن المعاصر.
ما خرج به بيان الفندق كان مهزلة في ذاته وتعبيراً عن سذاجة بالغة لم تكن نتوقعها من قيادات عتيقة وأسماء كنا نظنها من الحكمة في المقام الذي لا تزل به القدم، لكن بيان الفندق الذي خرج من زمرة لا يمكن أن يكون إلا قذائف هاون نسفت من وجداننا ما تبقى من أثر لتلك الأسماء العتيقة التي توالت خياناتها الوطنية وتواترت بها الحوادث والمواقف اللامسؤولة تجاه هذا الوطن، ولا أكتم أحداً هول الصدمة التي انتابتني وأنا أقرأ البيان،
لقد كنت أختلق المبررات لبن دغر وأقول لا يمكن لقارئ حصيف ومثقف أمين واعٍ كالعليمي وبن دغر أن تزل بهما القدم ويقعا في مستنقع العمالة والانتفاع وأن يكونا في قائمة الخونة والمرتزقة، ولم أكن أتوقع أن تبارك بعض الأسماء هذا الدمار وهي من كنا نظن فيها الحكمة والسياسة ونرى فيها الرمزيات الوطنية الاجتماعية والسياسية، وكيف لكل أولئك الذين ذهبوا الى الرياض أن يستعيدوا ما كنا نتوهمه فيهم، لقد جمعوا مالاً زائفاً ورأوا بريقاً خادعاً فهرعوا إليه، وحين جاءوه لم يجدوه إلا سراباً خادعاً وسيجدون هذا الوطن الصامد والغيور- وهو قادر على أن يوفيهم أجورهم وينزلهم منازلهم التي رغبوا فيها لأنفسهم- وقد تجاوز كل أسباب العدوان وخرج من تحت الركام أكثر قدرة وتشبثاً بالحياة ولن يسلّم نفسه وزمامه لرعاة الإبل ورعاة البقر الذين تداعوا عليه في عدوانهم كما تتداعى الأكلة على قصعتها..
كما أن الزعيم الذي طالب بيان الفندق بفصله وإحالته الى المحاكمة قد أصبح أكثر تجذراً في وجدان الجماهير اليمنية وأصبح من سابع المستحيلات النيل منه لأن الجماهير اليمنية والوطنية قد عرفت كل الحقائق وأحاطت الزعيم بحنانها وتأييدها لأنها وجدته الى جانبها حين غدر بها الآخرون وشاركها همومها وأوجاعها حين اكتفى غيره بالحياة في الفنادق الفارهة وبالبيانات وبالتمرغ في تراب أحذية المترف السعودي والخليجي.. والأغرب الذي لم أستوعبه هو كيف سطّر أولئك بيانهم وبصيغة مستفزة لكل اليمنيين وهم يدركون أن قيمتهم أصبحت مفقودة ولا معنى لكل نشاط أو بيان يصدرونه سوى ما يجنونه من منافع وأموال من خلال العزف على وتر الانقسامات في الإطار التنظيمي، ولم يدرك أولئك أن فترة العدوان قد دخلت شهرها الثامن وأن الكثير من الحقائق أصبحت واضحة للناس وضوح الشمس، وأن الإعلام الخليجي والعالمي لم يتمكن من تزييف وعي المجتمع ولم يتمكن من المغالطة أكثر مما قد أحدث وفشل، وليتهم أصغوا قليلاً الى نبض الشارع اليمني الذي أصبح أكثر التفافاً حول زعيمه التاريخي وليتهم شاهدوا جموع الناس وهي تحتشد أمام شاشات التلفاز للإصغاء الى الزعيم علي عبدالله صالح في حواره مع قناة «الميادين»، بيد أن حالة الاسترخاء التي وصلوا إليها وما تحدثه وجبات الكبسة الدسمة من خمول وترهل في الجسم والعقل قد منعهم عن قراءة حقيقة نبض الجماهير اليمنية وقيمتهم عندها من عبدربه الى بحاح وبن دغر والعليمي وغير أولئك ممن كانوا يزايدون على هذا الوطن ويزايدون على الحزب الوطني الوحيد في الساحة اليمنية الذي ُولد يمنياً لا يرتبط بأي أصول أو إملاءات خارجية، ومنعتهم أيضاً من معرفة التطورات الجديدة في الساحة والرموز الجديدة التي بدأت تتشكل، والنمو المضطرد في شعبية الزعيم في عموم الساحة الوطنية، ولذلك تصبح الحالة التي هم عليها حالة غير مستساغة ويصبح بيانهم تعبيراً عن حالة طفولية لا تتصف بالبراءة بقدر تعبيرها عن البلاهة والسذاجة والسقوط القيمي والأخلاقي.
ما غفل عنه أولئك النفر في الرياض أن اليمن ليس بالبلد الطارئ وأنه بلد يمتد عميقاً في التاريخ وأن القوة المادية التي تبدو لهم قادرة على كسر شوكته ستبوء بالخسران المبين، فاليمن يملك مقومات انتصاره من عمقه وجذوره ومن تراكمه الحضاري والثقافي، ولذلك لن تقهره كل تلك الآليات والطلعات، وقد قال الزمن وقال الصمود ذلك، وسيظل المؤتمر الشعبي والزعيم علي عبدالله صالح أرقاماً صعبة لا يمكن القفز على حقيقتها الموضوعية وقد خاب وخسر من يناصبهم العداء.