الميثاق نت -

الأربعاء, 04-نوفمبر-2015
عبد الرحمن مراد -
< صباح يوم الثلاثاء 28 اكتوبر 2015م غادرنا أحد فرسان المؤتمر الشعبي العام وأحد أعلام اليمن النائب الشيخ أحمد محمد هارب الشمري، وقد كان رحيله فاجعة كبرى لكل الذين عرفوه، فهو الوطني الغيور وهو المحارب والمناضل وهو رجل البناء والتنمية، وقد عاش حياته للناس ومن أجل الناس ويعرفه الكل بطهارة اليد، وصدق الموقف، وبالتفاني من أجل خدمة مجتمعه..
عرفت هذا الإنسان النبيل في نهاية عقد الثمانينات وتحديداً في عام 87م حين عرض عليّ العمل في المجلس المحلي بمديرية قفل شمر وكنت حينها لما أزل يافعاً في الصف الثالث الإعدادي، وكان الاخوان في ذلك الزمن قد زرعوا بذرتهم في وجداني لتنبت صداماً كان السجن عاقبته، ثم تعاقبت بنا الاحوال، وإذا بنا نعود الى ذات الدائرة التي بدأنا منها، وآثر مغادرة الدنيا دون أن نقف لحظات لمعاقبة هذا الزمن الذي يمارس غوايته فينا ويجرح بمخالبه في نفوسنا قيماً ونبلاً.
لقد فُجعت برحيل الشيخ أحمد الهارب وهو الرجل الذي تحتاجه هذه المرحلة لسد فراغاتها والتعامل معها بحكمة الكبار الذين سبرت أغوارهم صراعات الحياة، فكانوا هم الرجال الرجال الذين يجدهم الوطن حيث يحب لا كما يحب رجال العمالات والارتهان أولئك الذين آثروا العيش عبيداً على الحرية والسيادة.. مازالت كلماته ترنُّ في أذني وقد جاءه مندوب من اللجنة الخاصة السعودية وهو يعرض عليه راتباً شهرياً وأموالاً كي يضمن ارتهانه وولاءه فيقول له «عاد في جنوبها ما يسد جوعها»، ومفردة «جنوب» هنا لا تعني الجهة في لهجة الشيخ ولكنها تعني الأكتاف ورفض أن يكون له راتب شهري من المملكة وقد جاءه يسعى إليه سعياً دون أن يبذل له جهداً أو يسعى كما يحدث مع الكثير من المشائخ من أقرانه وأترابه، وقد ظلت أخلاقه هي هي، لم تتبدل ولم يُؤثَر عنه أنه استلم شيئاً من أهله ومواطنيه، وكل القضايا التي تصل اليه يبذل جهداً كبيراً في حلّها ولكنه لا يتقاضى عليها أجراً ، ومثل ذلك ظل ديدنه الى حينه المحتوم.
والشيخ أحمد الهارب من مشائخ حجة القلائل الذين ظلت مواقفهم واشتغالهم يصطف الى اليمن فهو عضو في المجلس النيابي منذ 1993م وحتى اللحظة التي وافاه فيها الأجل وقد فضل العزلة في قريته حين تنازعت المؤتمر واليمن عواصف الربيع العربي، ومال أمين عام المؤتمر الشعبي العام السابق الى خيارات قاتلة وكان اشتغاله كله ضد المؤتمر، وكان الشيخ الهارب أكثر ميلاً الى الهدوء والحفاظ على تماسك المؤتمر وقد كان قادراً على الاصطفاف وتحقيق المكاسب الدنيوية ولكنه مال الى الزعيم شعوراً منه أنه الأقدر على الحفاظ على وحدة المؤتمر وتماسكه لذلك لم تدركه الأبصار متسكعاً على أبواب عبدربه منصور كما فعل غيره في زمن انهيار المبادئ وتساقط الوجوه وتهافت الجيوب، كما أن علاقته بالزعيم ظلت علاقة حذرة، وكان يتحاشى أن يطلب من الزعيم شيئاً وهو في السلطة، في حين تهافت أعضاء مجلس النواب وخرجوا بالمناصب والأموال وبالتراخيص لهم ولذويهم ولأهل بيتهم وقريتهم ودائرتهم، وكنا قد وصلنا الى قناعة أنه لن ينفع نفسه ولن ينفع الناس وتلك كانت خياراته احترام القانون، الاعتزاز بالنفس، الترفع شعوراً بالقيمة وبالمعنى، فهو من أسرة عريقة، فقد كان والده أحد رموز وأعلام النصف الأخير من القرن الماضي وقد زاره الرئيس ابراهيم الحمدي الى مديرية عبس في السبعينيات وأهداه سيارة جيب، وكان الحمدي يحاول أن يفرض سلطة الدولة على كل ربوع اليمن، وكان والد الشيخ أحمد قائداً عسكرياً لمنطقة الشرفين، ومنطقة الشرفين ذات مساحة واسعة ومقسمة إدارياً الى تسع مديريات، كما أن أحد أجداده اشتهر بمقارعته الاحتلال التركي وقد مات مسموماً من قبل قائد «قشلة الفاشية» التركي في بداية القرن العشرين.
ويمكن أن يقال إن الشيخ أحمد هارب يشكل حالة إجماع عند عموم أبناء مديرية قفل شمر وعموم مشائخها فهو مرجعية كل أبناء دائرته على عمومهم وهو محط تقدير واحترام الناس لما يمتاز به من دماثة أخلاق ومن حكمة ومن حالة توحيد، فالذين يختلفون في مشاربهم وتوجهاتهم العرقية والاجتماعية تجمعهم مقائله واجتماعاته التي يعقدها وفي الغالب تكون أهدافها المصالح العامة للناس من حيث التنمية والانسجام الاجتماعي والاستقرار والتعاضد والحفاظ على الروابط الاجتماعية.
رحم الله الشيخ أحمد الهارب، فقد كان رجلاً عاقلاً وحكيماً في زمن لم يعد يحترم العقلاء والحكماء ولا يقدرهم حق قدرهم.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:29 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-44175.htm