عبدالكريم المدي - محافظة حضرموت اليمنية الغنية بالنفط والتي تقع جنوب شرق، تحتلُّ مساحة كبيرة ، تُقدّر بثلث مساحة البلاد ويشتهر أبناؤها بالعقليات التجارية وبالمدارس الإسلامية التاريخية الشهيرة التي طالما خرّجت وتُخريج أعلاماً كباراً من الدعاة والعلماء الذين يتسمون بالاعتدال والوسطية والابتعاد عن الغلو والسياسة والصراعات الطائفية، وهؤلاء (التُّجار- العلماء ) هم من نشر الإسلام في أفريقيا ومعظم الدول الآسيوية.
وفي وقت سابق من هذا العام (2015) ،وبسبب السياسيات الإقليمية والدولية والصراع الداخلي ، سيطر تنظيم القاعدة على مدينة المكلا عاصمة المحافظة وموانئها الجوية والبحرية التي تطلُّ على البحرالعربي، كما قام بفتح أبواب السجن المركزي في المدينة واطلاق سراح (300) شخصاً من عناصره بينهم قائد الجماعة ( خالد باطرفي ) الذي ألتقطت له صور بعد ذلك وهو جالساً على كرسي رئيس الجمهورية بقصر المكلا الرئاسي .
وفي تلك( الغزوة) غنم التنظيم كميات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ، بما فيها صواريخ ومنصّات اطلاق صواريخ (أرض /أرض ) ودفاعات جوية تفتقر للخبراء وأنظمة الرادارات، وأموال فروع البنوك والمصارف في المكلا بما فيها فرع البنك المركزي اليمني ، الذي صادر التنظيم كل الأموال الموجودة في خزائنه والتي كانت تزيد عن (25) مليار ريال ومئات الآلاف من الدولارات والذهب، من ودائع ورهونات كالتي كانت في فروع البنك اليمني للإنشاء والتعميروغيرها .
مرت الأيام واستقر بهم الحال في تلك الإمارة الجديدة التي كانت- ومازالت - عناصرهم تتحرك فيها وتُمارس أنشطتها وسلطاتها بكل أريحية ، من دون أي تهديدات ، سواء من الجو أو البحر أو البر، فالأميركان يبدو وكأنهم باركوا هذا الحدث ومعهم السعوديون الذين لم يلتفتوا لما يجري هناك أبدا، بدليل أن طائرات الملك (سلمان ) التي تُغطي ،وعلى مدار الساعة ، سماء بقية مناطق ومحافظات اليمن ويكاد الناس أحياناً لا يسمعون الأصوات بوضوح بسبب ضجيجها وإنفجارات صواريخها التي تُلقي فوق رؤس المدنيين، لم تمرّ يوماً في أجواء محافظة حضرموت، وليس ذلك فحسب ،بل أن حكومة هادي ومن ورائها تحالف (الرياض - واشنطن ) قد تركوا أنابيب النفط الممتدة من حقول المسيلة في الداخل الحضرمي ( الوادي والصحراء) تضخُّ يومياً آلاف البراميل من النفط الخام إلى ميناء الضّبة الذي تتحكم به، طبعا (القاعدة) ..يعني افهموها بطريقتكم .
وبحكم أن هذه المحافظة كبيرة فإن جزءها الأكبر في الداخل ، كما أشرتُ ،قد ظل بيد ما تبقى من وحدات عسكرية تتبع الجيش اليمني وعلى رأسها شخصٌ يدعى اللواء الركن (عبدالرحمن الحليلي )، الذي حاول ويحاول دوماً مسك العصا من المنتصف والحفاظ على ما تبقّى من كرامة لمؤسسة الجيش وعلى تأمين ذلك الجزء الهام من الجغرافيا اليمنية .وبالفعل أستطاعت تلك الوحدات أن تُؤمن المنطقة طوال الفترة الماضية، وإن كان ذلك،ربما لم يرق لبعض الجهات والمراكزالتي تحرص على ايجاد المضايقات والتطفيش ،لدرجة إنه تم الدفع قبل فترة بعناصر مسلحة لاعتراض امدادت ومعدات عسكرية قادمة من محافظة المهرة ( أقصى شرق اليمن ) لهذه الوحدات ونهبها قبل أن تصل، كما أن هناك من عمل - أيضا - على مضايقة قائدها ( اللواء الحليلي ) وبقية القادة لغاية يعلمها الله وأصحابها والراسخون في عِلم هذا النوع من الممارسات.
طالما عبر المواطنون الذين يقعون في نطاق هذه المنطقة (الوادي والصحراء) عن تأييدهم المطلق لبقاء الجيش ومواصلة تأمين منطقتهم ، مبدين مخاوفهم من استكمال سيطرة القاعدة عليها ، أو أن يحل بها ما حل بمحافظات سابقة كعدن التي تم تحريرها من الجيش اليمني / جيش صالح كما يحلو لهم تسميته ،وتسليمها على طبق من ذهب للفوضى والقاعدة ، كي يعمّ فيها السلب والنهب والقتل ،على مرأى ومسمع من الجميع ، وفي مقدمتهم تحالف الأشقاء في ( المملكة).
نُكرّر ونقول :كنا متخوفين طوال الفترة الماضية من أن تتمكن القاعدة على احداث اختراق ما وتضم ( حضرموت ومن بعدها المهرة لولاية المكلا الإسلامية ، وقُلنا أن هناك أخباراً وتسريبات تُفيدُ بحدوث انشقاقات داخل تنظيم القاعدة في المكلا واليمن عموما، واحتمال انخراط أولئك المنشقين مع ما يُسمى بالدولة الإسلامية،خصوصاً مع زخم (بطولات ) القتل الجماعي التي يقوم بها مؤخراً ، سواء في اطار المناطق المسيطر عليها في العراق وسوريا وليبيا ، أوفي مصر وفرنسا وغيرها .
وها نحن اليوم نصحو على حقيقة إن البلد برمته صار مهددا وبقوة من ( داعش ) ، الأمر الذي يعني إن تحذيراتنا من تلك الانشقاقات كانت في محلها وإن محافظة حضرموت وغيرها ربما ستلحق بالرقة وأخواتها .
المهم وصلنا إلى أنه وفي صبيحة يوم الجمعة (20نوفمبر2015) قامت مجاميع مسلحة كبيرة تتبع ، وفق البيان الصادر، ( تنظيم الدولة الإسلامية ) بعمليات عسكرية واسعة ومنسقة في عدد من مدن حضرموت وعلى رأسها (شبام حضرموت ) و(القطن) قُتِل على إثرها وجرح أكثر من ( 50) عنصراًمن المهاجمين وأُسر حوالي (13) شخصاً، فيما أستشهد وجُرح من الجيش اليمني حوالي (30) فردا وهُدّم اكثر من (70) منزلاً من مدينة (شبام حضرموت) التاريخية التي تُعدُّ ضمن قائمة التراث العالمي .
صحيح تم دحر عناصر التنظيم ، لكن الخوف هو من الجاي ،ومن أن تتم محاربة تلك الوحدات العسكرية من أجل تمرير مشروع صارت ملامحه واضحة للعيان منذُ حين .
|