الخميس, 23-أغسطس-2007
الميثاق نت -   د. عبدالرحمن الشامي -
الرئيس يترأس الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، ويوجه الحكومة بدفع "راتب" شهر زيادة لموظفي الجهاز الحكومي: المدني والعسكري، تخفيفا للأعباء المعيشية عن كواهل الطبقة الوسطى، والغالبية العظمى من أبناء الشعب، جراء ارتفاع الأسعار الذي حدث في الآونة الأخيرة، كما يوجه فخامته الحكومة بتطبيق المرحلة الثانية من استراتيجيه الأجور.
هذه الأخبار وغيرها هي بعض حصيلة ما انتهى إليه اجتماع مجلس الوزراء هذا الأسبوع، والذي تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، ومثل الحديث السار المتبادل بين كثير من الناس طوال يوم الأمس، حتى لقد قال لي أحدهم: "إن الناس اليوم كلهم يدعون للرئيس"، وهو حق واستحقاق.
أما إقرار تقديم الذمة المالية لدولة رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة فتلك خطوة متقدمة وهامة على الطريق الطويل لتحقيق مبدأ الشفافية، والذي بدأناه بانتخاب "لجنة لمكافحة الفساد"، وإقرار "لجنة للمناقصات"، ومن ثم فعلينا أن نستقبل هذه الخطوات الهامة بكل الترحيب، وأن نعززها ونشجع على تفعيلها، إن كنا حقا أناسا موضوعيين في نظرتنا إلى الأمور، وكما نبرز المساوئ دائما، فعلينا أن نشيد بالإيجابيات ولو لمرة واحدة، وأن نتسابق جميعا إلى تقديم هذا الإقرار المالي، قيادات: عليا ووسطية وما دونها، وأشخاصا عاديين، لا أن نقلل من شأن ما حدث.
أما المستفيدون من توجيه فخامة الأخ الرئيس؛ وبخاصة من يشغلون مراكز وظيفية بسيطة فمن حقهم أن يفرحوا بذلك، لأنه يمثل عائدا ماديا مباشرا عليهم، يعينهم على مواجهة مستجدات الظروف المعيشية الحالية، وبخاصة ونحن على وشك استقبال شهر كريم، ومن ثم فلم يرض "الرئيس" أن يحل هذا الشهر وفي بعض النفوس غصة ومرارة، فوجه بما يقع في إطار اختصاصه وصلاحياته، حتى ولو مثل توفيره عبئا كبيرا على خزينة الدولة، من المؤكد بأننا لا نعيه ولا ندركه، ولا نريد أن نعرفه أو حتى مجرد التفكير فيه..
وما قام به الأخ الرئيس أكبر شاهد على قرب الرئيس من البسطاء من الناس، وإحساسه بمعاناتهم، وانحيازه الدائم إلى الطبقة الوسطى من غالبية هذا الشعب، وإذا كان فخامته قد فعل ذلك، فإنه ينطوي على دعوة غير مباشرة لكل صاحب قرار في أي موقع كان، وكل من لديه فضل زاد ليجود به على من لا فضل له، ومن أعطي بسطة في المال والرزق فليجد ببعضه على أصحاب الحاجة والعوز من الناس، وما أكثرهم في بلادنا اليوم، فالرئيس وحده لا يستطيع أن يقوم بكل شيء، وليس مطلوب منه ذلك، غير أننا جميعا: أفرادا ومؤسسات مجتمع مدني، وجمعيات خيرية، وأثرياء وغيرهم نستطيع القيام به، أو حتى المساعدة فيه فقط، والحث على القيام به، إذا ما تكاتفت الجهود، وأخلصت النوايا، تأسياً بالمبادرة الخلاقة والسبَّاقة من فخامة الأخ الرئيس، والتي تأتي في وقت يعظم فيه الأجر، ويجزل فيه العطاء.
وإذا كان ما سبق يمثل بعض الشواهد الظاهرة للأحداث البالغة الأهمية هذا الأسبوع، فإن هناك دلائل أخرى عديدة أبلغ منها، وتستدعي التوقف أمامها؛ أهمها أن هذه هي "اليمن"، وهذا هو رئيسها في حالة الاستقرار، والبعد عن كل ما يعكر الأمن والصفو، من خلال إثارة بعض المشاكل هنا، والنعرات الطائفية والحزبية والمذهبية والقبلية هناك، من بعض من لا نقول عنهم أكثر من أنهم لا يحبون اليمن حقا، فأبرز مخاطر هذه الأعمال أنها تشغل القيادة السياسية وصانع القرار في مختلف المراكز عن كثير من احتياجات الساعة واليوم والغد، حين تستأثر بوقته وجهده، وتأخذ كمَّاً يعتد به من المال المخصص للقيام بأعمال التنمية الوطنية، ناهيك عن الصورة السلبية التي تعكسها حالات عدم الاستقرار لدى المجتمع الدولي، والمهتمين بمتابعين الشأن اليمني، والذي يؤثر في النهاية على ما يتصل بصميم حياة أبناء هذا الوطن.
اليمن قادر على المضي في طريق البناء والتنمية، وكثير هم اليمنيون القادرون على الإسهام الفاعل في بناء هذا الوطن، والراغبون في ذلك، إذا ما أتيحت لهم الفرصة للقيام بذلك، وتهيأت الظروف المناسبة لإنجازه، فهذا هو ما يحتاجه اليمن من أبنائه في الوقت الراهن، حب وإخلاص له، وتفان غير متناه في خدمته، والوقوف صفا واحدا أمام مثيري الفتن والصراع من أي نوع كان، وكل ما من شأنه أن يعيق حركة البناء وعملية التنمية.
وإذا كانت المجاملة عملاً ممقوتاً؛ فإن التعالي عن الاعتراف بحق الآخرين، وغمطهم ما يستحقون هو شيء من الكبر المنهي عنه في ديننا الإسلامي، ومن ثم فهل مما يقع في نطاق المجاملة القول بأن ما حدث خلال الأيام الماضية أكد على وجود دولة أولا، وقدرتها على الاضطلاع بواجبها، ومواجهة التزاماتها من دون تنصل ولا بحث عن المبررات، حتى ولو كان لها ما يبررها هنا، وأما ثانيا: فإن الأحداث المختلفة الحالية والسابقة تؤكد مرارا على أن لدينا قيادة رشيدة لا تستسلم لمتاهات الانفعال، ولا تصطدم بـ"المطبات"، أو تقع في "الشراك" التي نصبت لها، وأحيكت ضدها بإحكام، فالدولة استطاعت -بحمدالله- حل معضلة السلع الغذائية الأساسية، والتي استغلتها بعض القوى السياسية في بلادنا على نحو أرادت به أن تدخل اليمن في نفق آخر مظلم، وكأن البلاد لا يكفيها عدد الأزمات التي تمر بها منذ العام المنصرم.
أما الجانب الآخر الجدير بالتوقف أمامه، فهو مدى حكمة التصرف، ورجاحة الرأي، وطول البال وسعة القلب والصدر التي يتمتع بها الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، والتي تتضح في أكثر من موقف، وآخرها قدرته الفذة على مواجهة أزمة "المتقاعدين"، والتي بلغت ذروتها، وتجاوزت كثيرا من الحدود، وكادت تؤدي بنا إلى متاهات لا يعلم إلا الله مداها وعواقبها، لولا حنكة القائد، وحكمته وعزمه وحزمه.
لنتجاوز من سيظهر غدا ليحاول التهوين من ما حدث، والتقليل من شأنه، ويحمل المواقف أكثر من ما تحتمل، لنتجاوز أولئك ومحاولاتهم، مما نعرف دوافعه جيدا، واكتسبنا الحصانة ضد التأثر به، لنتجاوزهم جميعا إلى التفكير الجاد في "أي يمن نريد"؟ وكيف نكون عونا للأخ الرئيس في عزمه على الإصلاح، ورغبته في إنجاز ما وعد به اليمنيين في برنامجه الانتخابي الذي منحناه أصواتنا بموجه، واعتمادا على رصيده التاريخي لهذا الوطن، ففي ذلك مصلحة لنا ولبلادنا، وكل المحاولات الرامية إلى التفنن في صناعة العراقيل أمام هذه التوجهات الجادة من أي أطراف كانت هو مما ليس من مصلحة أحد، وسيبوء بالفشل ولو طال الوقت، وسيفضح أصحابها على الملأ ولو بعد حين.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-4431.htm