الميثاق نت -

الإثنين, 30-نوفمبر-2015
محمد شرف الدين -

قال لي أحد مناضلي ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة إن الشهيد علي عنتر وقف ذات مرة يسأل في محاضرة له حضرها جمع من قيادة الحزب الاشتراكي اليمني.. لماذا لم نلقِ القبض على عميل عمل مع البريطانيين ضد بلادنا منذ الاستقلال الى اليوم.. ونحن قد ألقينا القبض على جواسيس داخل البلاد.. إلا عملاء بريطانيا فقط..؟ وأضاف: باعتقادكم ليش..؟
فعمَّ الصمت جميع الحضور.. وبعد انتظار، قال علي عنتر - مستنكراً موقف الحضور: »هل أنتم أصبحتم تخافوا«!!
فعلى الرغم من انطلاق بعض الأصوات الضاحكة إلا أنها لم تستطع أن تقطع حشرجات الكمد في أعماق الحضور وسار كلُّ الى سبيله.. اليوم الكل يدفع الثمن غالياً..
حقيقة.. لم يعد اليوم هناك ما يمكن أن يطلق عليه (سري جداً) لهذا ها نحن نقترب ونفتح مثل هذه الصفحات السوداء التي ظلت من المواضيع المحظورة جداً، في التناول الصحفي، ليس لأنها من القضايا الشائكة وحسب، ولكن لأنها أيضاً ارتبطت بعملاء وخونة خانوا الله ورسوله والمؤمنين.. اليوم وبذكرى الاستقلال.. عدن أصبحت أسيرة بقبضة المستعمرين الجدد.. وهادي هو من جلب هذه القوى لاحتلال اليمن، وجند نفسه مع عملاء آخرين لخدمة أعداء اليمن مقابل أثمان بخسة.. ان كارثة الخائن هادي من أبشع الكوارث في التاريخ.
إن تاريخ الإنسانية مليء بقصص العملاء الذين عملوا لصالح أعداء شعوبهم، وتعد خياناتهم كالطاعون ينتشر في كل زمان ومكان.
صحيح أنهم لا يستحقون الذكر رغم قلتهم في تاريخ الشعوب.. إلا أن بشاعة أعمالهم تفوق كل الجرائم.. ان التاريخ لا يبرز في صفحاته إلا نماذج القدوة في الحرية والإباء والغيرة الوطنية والذود عن العقيدة والوطن والشعب.. أما أولئك الذين باعوا دينهم بدينار وأوطانهم بقنطار وشعوبهم ببقايا فتات تشبع بطونهم.. فهم أحط من أن يُذكروا إلا من باب الاستفادة من الدروس، وما تسببت به أعمالهم، وآثارها من كوارث في حياة الشعوب والأوطان!
ونحن بمناسبة حلول الذكرى الـ48 للاستقلال المجيد، نعيد قراءة تلك الصفحات السوداء الملقاة في مزبلة التاريخ لا لنروج لهم، ولكن لنكشف بشاعة جرائمهم وسوء الخاتمة التي واجهوها..
وسيجد القارئ حجم الجرائم البشعة التي ارتكبها العملاء والخونة بحق شعبنا من خلال ما جمعناه في هذه المادة.

السميفع والأحباش
تذكر كتب التاريخ أن الاحتلال الحبشي الثاني لليمن ما كان له أن يكون وذلك عام 525م تقريباً لولا الخيانة الجسيمة التي قام بها (السميفع أشوع وأولاده) وذلك بعد أن هربوا الى حصن الغراب في ماوية أيام الملك (ذونواس الحميري) من منطقة (نصاب) بعد أن كانوا هاجروا لسبب غير معروف الى الحبشة، وبعد عودتهم الى ماوية اتفق الاحباش مع (السميفع وأولاده) وحاربوا في صفوفهم ضد جيش ذونواس حتى تم القضاء عليه.
وعلى الرغم من تعيين الأحباش للسميفع نائباً لملك الحبشة.. إلا أنهم أقصوه بعد ذلك، لينفردوا بالحكم وعللوا ذلك بالثورة التي قامت ضده، ليعينوا ابرهة الاشرم الحبشي بدلاً عنه.

جواسيس (هينس)
ولقد أخذنا هذا المثال للاشارة فقط، فيما سنركز موضوعنا حول الخونة والعملاء الذين عملوا مع المستعمرين الانجليز.
ولعل أول ما يلفت الانتباه في هذا الجانب هو كيف عرف (هينس) بعد أن تكبد خسائر فادحة أمام المقاومة اليمنية في (قلعة صيرة) أن مدافعهم ثابتة، وغير قادرة على الحركة، ولهذا غير خطته الهجومية، واستطاع أن يحرق أجساد المقاومة في القلعة بعد اكتشافه لهذا السر.. أن هذا دليل كبير على وجود عملاء له وافوه بمثل تلك المعلومات الخطيرة.. ولا يستبعد أن يكون ذلك الشخص الخائن هو علي أبوبكر ابن الحاكم اليمني السابق بعدن.. لسبب أن (هينس) بعد أن أحرق عدن وقتل أحرارها كان هذا الشخص من ضمن المجموعة (الشلة) الذين كان يثق بهم (هينس) ويعتمد عليهم.. وقد وصف المؤرخ اليمني الكبير سلطان ناجي مجموعة هذه (الشلة) بأنهم كانوا يديرون المؤامرات في شؤون عدن والإمارات والسلطنات المحيطة بها، بل وحتى أمور أقاصي شمال اليمن حيث كانت السلطة موزعة هناك بين أئمة صنعاء واشراف المخا، وكانت شلة (هينس) تتكون من: خمسة أشخاص، هم من الهنود والفرس واليمنيين (الملا جعفر، والحاج عبدالرسول، ومحسن شاه، ثم علي أبوبكر) وجميع أفراد هذه الزمرة كانوا فاسدين ومرتشين ومراوغين ويلهثون وراء مصالحهم الذاتية..
ويضيف: كان (هينس) يمسك بحلقة رهيبة من الجاسوسية تغطي معظم مناطق اليمن، فعن طريق عميليه (الملا جعفر وعبدالرسول) في المخا كان يحصل على الكثير من المعلومات السرية الخاصة بالسلطنات وشمال اليمن.
وكان أحسن مخبريه اليهود في عدن، الذين كان لهم أقارب ينبشون في الكثير من قرى ومدن اليمن.. حيث كانوا يوافون (هينس) بمعظم ما يحدث من أسرار دقيقة في داخل اليمن.

عملاء من أقارب السلطان
< وبحكم بشاعة هذه الأعمال التي كانت تلحق بالبلاد والعباد خسائر فادحة وتمكن الغزاة من إحكام سيطرتهم على اليمن.. نجد أنها في نفس الوقت قد أصابت حتى أولئك الذين حاولوا التعايش مع الغزاة من السلاطين أنفسهم، وتتمثل بنموذج السلطان محسن سلطان لحج الذي وقع مع المستعمرين اتفاقية صداقة عام 1839م، وبعد فترة يكتشف أن (هينس) قد دبر ضده مؤامرة للإطاحة به عبر ابنه أحمد ومستشاره حسن عبدالله عاطف وقريبه السيد محمد حسين.. كما ذكر ذلك المرحوم سلطان ناجي والذي يضيف: ان السلطان وكرد فعل منه قام بعدة حملات الى عدن وانضمت اليه قبائل آل فضل والعقاربة وكاد الانجليز أن يخرجوا من عدن.. لكن ومن خلال جواسيسهم في لحج كانوا يعرفون عن هذه الحملات مسبقاً فيصدونها.. وبسبب خيانة أولئك الجواسيس والعملاء استشهد في تلك الحملات المئات من اليمنيين على أبواب مدينة عدن، في احداها استشهد 24 زعيماً قبلياً، وبعد وفاة السلطان عام 1847م تعين أحمد ابنه بدلاً عنه.
< أما بالنسبة لشمال اليمن فيذكر المؤرخ أن (هينس) أقام علاقة مع الشرجبي الذي كان يسعى الى تحويل تجارة البن الى عدن بدلاً عن المخا، كما حاول (هينس) استغلال وضع الإمام السيئ في صنعاء بسبب فقدانه معظم المناطق لصالح الشريف حسين بن علي حيدر المسيطر على المخا وتهامة.
لذا فقد شجع الإمام على التعويض عما فقده.. وكان الإمام نفسه في حاجة لمساعدة (هينس) للقضاء على منافسه شريف المخا.. لهذا فقد عرض الإمام على (هينس) تنازلات مهمة فيما لو قدم له المساعدة الحربية.. وأبدى استعداده تسليم الانجليز المخا وتهامة والحجرية.

ضاع العرش
< في عام 1844م طلب علي بن منصور صاحب صنعاء من سلطان لحج أن ينضم الى الجهاد المقدس من أجل طرد الانجليز من عدن، وكان علي بن منصور يقود جيوشاً من المقاتلين من صنعاء ولحج.. وبعد أن وصل بجيوشه الى لحج اضطر الى العودة الى صنعاء بعد أن اغتصب أحد الأئمة العرش هناك.


خائن اغتال القائد
< ومن نماذج جرائم الخونة والعملاء هذه القصص التراجيدية التي وثقها المؤرخ سلطان ناجي ومنها:
- انه في عام 1846 قام زعيم ديني في المخا وهو السيد/ اسماعيل علي بن حسن الحسيني بدعوة للجهاد ضد المستعمرين في عدن وقد تميزت حركته بانضمام الكثيرين اليها من الطبقات الدنيا.. الا أن إمام صنعاء وشريف المخا لم يقدما لهذه الحملة العون، وفيما هذه الحملة تسير في طريقها الى عدن انضم اليها آلاف المقاتلين، فلما علم سلطان لحج بها تنازل عن سلطاته.. الا أن هذه الحملة لم تحقق أهدافها السياسية، فالمعارك وتفشي الأوبئة بين المجاهدين قضت على الكثيرين من مقاتليها كما تم اغتيال قائدها من قبل أحد الخونة.

جهاد الشريف ينتهي باغتياله
< وفي اغسطس 1846م بدأت حركة الجهاد ضد المستعمرين لعدن تمتد الى أواسط الجزيرة العربية، حيث قام الشريف اسماعيل بن حسين بإعلان الجهاد المقدس، وكانت هذه الحملة ضخمة جداً.. لكن أخبارها وصلت الى (هينس) فاستعد لها.. وعندما وصل المجاهدون الى عدن بدأت المعارك تدور حول عدن فقُتل منهم أعداد كبيرة على يد رجال البدو في اغسطس 1848م.
وهكذا الحال، ففي عام 1915م قرر الأتراك غزو لحج وعدن فأرسل علي سعيد باشا قبل ذلك وفداً من مشائخ اليمن الى سلطان لحج للتعاون معهم ضد الانجليز، ووعدوه بتسليم عدن له.. لكنه رفض وبدأت القوات التركية بالزحف واشتدت المعارك في موقعة (دكيم) فتخلى الانجليز عن سلطان لحج ودخل الأتراك الحوطة، ففر السلطان علي بن أحمد الى عدن فمر بكمين من الجنود الهنود وكانوا في حالة ذعر.. أطلقوا عليه النار ومات متأثراً بذلك بعد عدة أيام.

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:45 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-44388.htm