أمين الوائلي -
المجتمع السياسي، والحزبي في اليمن لا يستطيع الذهاب بعيداً في إدارة ظهره لمناسبة بحجم الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس المؤتمر الشعبي العام وأول انعقاد لمؤتمر شعبي واسع جمع ألوان الطيف اليمن في لحظة مفصلية من الزمن اليمني بدأت عندها سيرة الدولة والحكم في اليمن تأخذ صيغتها المدنية الآمنة وسيرتها الوطنية المأمونة. وإذا كان يبدو وكأن المؤتمر يحتفل بالمناسبة وحيداً.. فذلك لأن المؤتمر يقف عند مسلمات تاريخية وموضوعية تصوغ مجمل تجربته وتعطيه أفضلية مريحة في التعاطي مع الأشياء والأضواء من حوله.. فالمؤتمر أكبر من أن يُجهل أو يُجّهل.. وهو أهم من أن يؤخذ بالقياس إلى مستوى تفاعل أفرقاء الساحة الحزبية معه في يوبيله الفضي. الكبير يظل فرداً.. وواحداً، على كل حال. يصحُّ أن يهتم المؤتمر بمناسبات ووقائع تخص آخرين إلى جواره في الساحة.. ذلك لأنه كان ويظل صاحب مسئولية أكيدة في التأسيس للتجربة التعددية عموماً. ويستمر في موقعه ومكانته تلك محل إلزام ذاتي وأخلاقي في رعاية مفردات التعدد ومشاركتها في تقييم وتقويم تجربتها وضمان استمراريتها لمصلحة المعادلة السياسية والوطنية عموماً. ويجوز أن لا يحتاج تنظيم جامع ومؤسسة حزبية كالمؤتمر الشعبي العام إلى مجرد التفكير بأشياء شكلية.. كأن يصفق له في مناسبة هذه آخرون، هم أنفسهم نتاج المؤتمر ونبت حقله. فالشأن في أحوال كهذه أن المضاف، وليس المضاف إليه، وهو من يحتاج إلى استشعار حاجته الأدبية في تقدير المناسبة الخاصة وخصوصية الذكرى. مناسبات عابرة ووقائع عادية قد يحولها إعلام المعارضة وجهازها السياسي والدعائي إلى غير شكلها وحجمها ودلالتها ويضفي عليها قيمة زائدة ليست لها. وهكذا جرت العادة واقتضت الخصوصيات الطافية أن يصطنع لنفسه وقائعاً ملونة بالبهرجة من لا واقع له. كنوع من الاستعاضة الإشباعية لفراغات في الذات والتاريخ والسيرة المرتبكة. بخلاف ذلك يتعامل المؤتمر الشعبي العام مع ذكرى تأسيسه ( الفضية) باستشراف الزمن القادم والتاريخ الذي لم يكتب بعد. وتماماً يكون المؤتمر متصالحاً مع نفسه وهو يجعل من المناسبة احتفائية رمزية لا تحتاج إلى عوامل إضاءة أو مساحيق تجميل زائدة عما عليه الحدث والمناسبة من قيمة مكتنزة في ذاتها، ومن خصوصية فريدة ومكثفة. الذين انصهروا – يوماً – في بوتقة المؤتمر الجامعة.. وصاروا اليوم – وللسبب ذاته – يتوزعون أحزاباً وكيانات تنظيمية في الساحة. يدركون ولا بد كم كان مدهشاً وعبقرياً أن يجمع المؤتمر الشعبي العام شتات القوى التائهة عند بواكير العقد التاسع من القرن العشرين. وكم كان عظيماً وحكيماً التقاء الأضداد وتشاركها في مشروع وطني خالص، وتوحيدي بامتياز.. التقط لحظة شاردة في زمن شارد وأعاد تشكيلها وتخليقها بالصورة التي أسست لزمن جديد وفعل توحيدي خلاق تؤدى إلى وحدة كبرى في (22) مايو 1990م. لا يزال المؤتمر محتفظاً بثرائه ذاك، ولا تزال فلسفته الميثاقية ضمانة أكيدة لثراء خياراته، ومرونتها في التعامل مع مستجدات المرحلة والمراحل القادمة. وإذا كان البعض يجد له في الضجيج والصحب سلواً . فإن المؤتمر يجد نفسه ملزماً بسيرته وتاريخه وقيمته المتجذرة في عميق الفعل والعمل الحقيقي المتحالف مع سيرورة المجتمع، وضرورة التزام الجدية والأصالة والهدوء العامر بالثقة المتوقدة. "المؤتمر لليمنيين" .. كانت ولا تزال المقولة حاضرة في عقل وذهن المؤتمر والمؤتمريين .. وهي ذاتها من ترسم خطوط سير وبرامج عمل وتحرك المؤتمر ضمن مساحة مترامية بحجم خارطة اليمن وجغرافية البلاد. هذا يجعل المؤتمر في موقع استثنائي، دائماً، وكذلك مهامه ومسئولياته.. هي الأخرى استثنائية، ولا تشبهها غيرها.. كما أنه لا يشبهه غيره. هو وحدة في مقام المسئولية التي لا تتراخى. وحول مركزه تدور الكويكبات. للمؤتمر وقيادته.. ولليمنيين، خالص التهنئة.