محمد انعم - < منذ بداية ما يسمى بثورة الربيع العربي انهارت أنظمة وتمزقت دول وقُتل رؤساء وطغت سياسة الفوضى اللاخلاقة على مشهد العلاقات الدولية..
ووحدها ظلت روسيا في الشاطئ الآخر رافضة التورط بهذا العبث والدم.. وبعد أن تمادى العابثون في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها عادت روسيا كمنقذ تراهن عليه الأمة العربية إلى قلب المعركة تقدم الدم بسخاء الى جانب ما تقدمه من مساعدات مادية..
لذا من الطبيعي جداً أن يتطلع العرب ومنهم اليمنيون إلى روسيا بقيادة الرئيس الشجاع فلاديمير بوتين لانقاذهم من المخططات التآمرية الغربية المدمرة، وفي مقدمة ذلك القضاء على الإرهاب..
الأسبوع الماضي أعلن الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام تضامن وتأييد الشعب اليمني لأية إجراءات ينفذها الرئيس بوتين للقضاء على الإرهاب في المنطقة وكذلك جدد تضامن الشعب اليمني مع روسيا ضد العدوان التركي على المقاتلة الروسية في سوريا.. جاء ذلك خلال الزيارة الثانية التي قام بها إلى السفارة الروسية في صنعاء..هذا الموقف اليمني يؤكد على حقيقة بات الجميع على قناعة تامة بأن عدو روسيا هو عدو لليمن وللعرب كافة..
نعم.. عدو روسيا هو عدو الشعب اليمني.. فجماعة الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش هم أعداء للشعب اليمني مثلما هم أعداء للشعب الروسي الصديق..إذاً فمعركتنا واحدة وعدونا واحد.. ومثلما أقدمت تركيا أردوغان على إسقاط الطائرة الروسية فقد سبق لها أن تآمرت على اليمن من قبل ذلك وارسلت مئات السفن من الأسلحة للجماعات الإرهابية..
وإذا كان علماء الوهابية الذين اصدروا الفتاوى بالأمس يحرضون شباب العرب والمسلمين لقتال الأصدقاء الروس في سوريا فهم أنفسهم من يكفرون الشعب اليمني ويشنون عليه العدوان الهمجي منذ تسعة أشهر إضافة إلى فرض حصار جائر عليه..
قواسم مشتركة
> هناك أشياء كثيرة وقواسم مشتركة تجمعنا مع روسيا، فمنذ قرابة القرن من الزمن وهو عمر العلاقة القائمة بين اليمن وروسيا، فإنها تتعزز عاماً بعد آخر، واثبتت أحداث حوالى مائة عام أن هذه العلاقة اعمق وأكبر من أية حسابات أو اطماع، فقد ظل الأصدقاء الروس يقفون باخلاص ووفاء ويقدمون الدعم والمساعدة للشعب اليمني دون مقابل، مجسدين بذلك قيم ومبادئ إنسانية عظيمة في مسار تاريخ العلاقات التي يجب أن تكون بين الدول والشعوب.. علاقات يسودها الاحترام وعدم التدخل في الشئون الداخلية بغض النظر أكانت بين دول ضعيفة أو قوية فقيرة أو غنية..
هناك مواقف تاريخية تسطرها روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين الى جانب الشعب اليمني ومن ذلك حرصها على حل الأزمة اليمنية سلمياً، فمنذ عام 2011 وروسيا تبذل جهوداً كبيرة لحل الأزمة اليمنية عبر الحوار بين الأطراف السياسية لتجنيب اليمن تداعيات الانزلاق الى حرب أهلية وموقفها الصادق جعل الأطراف الدولية والإقليمية تحسب لموسكو ألف حساب.
ومن باب التدليل على ذلك.. فقد طلب الخائن هادي من روسيا عقب فراره الى الرياض طلب من الأصدقاء الروس طباعة عملة يمنية جديدة بدلاً عن الريال واعدت الصفقة بالسعودية بشكل كامل غير أن الأصدقاء الروس رفضوا ذلك جملة وتفصيلاً بل انهم وقفوا ضد أي توجه كهذا.. فعندما كان المدعو رياض ياسين وزير خارجية هادي يشن هجوماً شديداً ضد روسيا كان يعمل ذلك تنفيذاً لتوجيهات سعودية.
ومنذ بداية العدوان السعودي على اليمن يعمل الأصدقاء الروس على وقف العدوان ورفع الحصار وإيجاد حل سلمي للأزمة عبر الحوار بين الأطراف السياسية.
وفي الوقت الذي أغلقت الكثير من عواصم العالم أمام المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله ظلت أبواب موسكو مفتوحة أمام قيادات المؤتمر، وقد استضافت موسكو وفد المؤتمر الشعبي العام برئاسة الاستاذ عارف عوض الزوكا وتم عقد مباحثات مستفيضة حول حل الأزمة اليمنية سلمياً.. وظل الموقف الروسي والعماني ضد العنف والحصار، وبفضل هذا الدور عقد مؤتمر جنيف وسط تحديات وعراقيل جمة لكن وبغض النظر عن النتائج إلا أن خيار السلم والحوار انتصر على خيار الحرب والحصار، كما لا يمكن أن ننسى رسالة روسيا العظيمة والمتمثلة بفتح جامعاتها وكلياتها العسكرية لتأهيل عشرات الآلاف من اليمنيين في مختلف التخصصات المدنية والعسكرية وبشتى صنوف العلم والمعرفة طوال نصف قرن مضى، ويعود الفضل لروسيا في تأهيل أكثر من 80% من الكوادر اليمنية خلافاً للدعم الاقتصادي والعسكري في الوقت الذي نجد أن الدول الغربية مجتمعة لم تقدم حتى ربع ما قدمته روسيا.. كما أن روسيا ترسل المساعدات الغذائية والدوائية لشعبنا اليمني المحاصر اليوم وتتحمل غطرسة آل سعود الذين أقدموا على حجز إحدى طائراتها في مطار صنعاء، وكل ذلك يؤكد عظمة شعب روسيا وقيادته أمام أولئك الذين يرسلون للشعب اليمني صواريخ محرمة دولياً.
لقد ظلت روسيا تقف إلى جانب الشعب اليمني وتعمل جاهدة على تقديم مختلف أنواع الدعم والمساعدة له عندما كان يعيش داخل قمقم التخلف والجهل والظلام والجوع في بداية القرن الماضي إبان الحكم الإمامي الكهنوتي..وازداد الاهتمام الروسي باليمن بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في عام 1917م وقيام جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وقادت هذه الثورة أعظم تحول في تاريخ البشرية كونها وقفت ضد الاستعمار القديم وقدمت مختلف أنواع الدعم والمساندة لشعوب العالم الفقيرة من أجل التحرر والاستقلال والانعتاق والنهوض بالإنسان في سياق حرب مستعرة بين الاشتراكية والرأسمالية والاقطاع..
تُعد العلاقة الرسمية اليمنية الروسية الأقدم على مستوى دول المنطقة، حيث تعود إلى شهر نوفمبر عام 1928م والذي تم فيه التوقيع بشكل رسمي على أول اتفاقية بين اليمن وروسيا وذلك في عهد الإمام يحيى حميد الدين والذي كلف وزير الخارجية بالوكالة آنذاك راغب بيك بالتوقيع على أول اتفاقية صداقة وتجارة مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي آنذاك..
علاقات تستحق الاحتفاء
العلاقات اليمنية الروسية تستحق الاحتفاء بالفعل، لهذا لا عجب أن يزور الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام الأسبوع الماضي سفارة جمهورية روسيا الاتحادية في صنعاء ويعلن تضامن اليمن ودعمه للإجراءات التي سيتخذها الرئيس فلاديمير بوتين لمحاربة الإرهاب وذلك بعد إقدام تركيا على اسقاط المقاتلة الروسية في مدينة اللاذقية بسوريا دون مبرر، واعتداء سافر كهذا آثار سخط وغضب اليمنيين والعالم لأن تركيا بهذا العمل الإرهابي تدافع بشكل وقح عن الإرهابيين من جماعة تنظيم داعش وغيرهم..
وعكست زيارة الزعيم علي عبدالله صالح عمق العلاقات التي تربط البلدين والشعبين الصديقين، كما أنها أكدت على أهمية تعزيز وتطوير هذه العلاقة التي اصبحت جذورها ضاربة في عمق التاريخ وصارت روسيا حاضرة في وجدان اليمنيين، وتمثل نافذة أمل وحيدة لتحقيق آمال وتطلعات الشعب اليمني في مختلف المراحل التاريخية، ومثلت الزيارة رسالة واضحة للعالم بأن الشعب اليمني ومعه بقية الشعوب العربية يؤيدون ويدعمون سياسة روسيا في المنطقة ويراهنون على دورها لمعالجة قضية الارهاب والملفات الشائكة الأخرى.
> تستحق هذه المناسبة هذا الاهتمام من قبل الزعيم علي عبدالله صالح، فالعلاقة مع روسيا تُعد علاقة متميزة وفريدة خصوصاً إذا اعدنا قراءة أحداث التاريخ، فقد ظل الروس داعمين ومساندين للشعب اليمني بهدف النهوض بحياته أولاً، في الوقت الذي ظل الأئمة والاستعمار البريطاني يرتعدون خوفاً من وقوف الاتحاد السوفييتي إلى جانب الشعب اليمني.. لذا وبرغم الحرب التي كانت تشن ضد الأصدقاء الروس بدعوى الشيوعية والالحاد إلاّ أنهم لم يتخلوا عن الشعب اليمني في مختلف المراحل..
مسار جديد
وعند قيام ثورة 26 سبتمبر المجيدة 1962م انتقلت هذه العلاقة إلى مسار جديد من تطورها، حيث اعترفت روسيا بالجمهورية في واحد أكتوبر 1962م بعد أيام من قيام الثورة، ووقفت مع ثورة الشعب بعد أن أدركت فشل نظام الإمام وفشل البدر في تحقيق تحول في حياة الشعب اليمني.. فسارعت موسكو إلى دعم ومساندة الثورة السبتمبرية بشكل كبير عقب اعترافها كأول دولة غير عربية بالجمهورية الوحيدة في الجزيرة العربية، فمنذ الستينيات تحررت اليمن من الاستعمار والاستبداد وبدأت العلاقات الثنائية تأخذ مسارها الطبيعي إلاّ أن تعقيدات تلك المرحلة جعلت روسيا- الاتحاد السوفييتي سابقاً- رغم الصراع الأيديولوجي بين الشطرين إلاّ أنها ظلت حريصة على تعزيز علاقاتها مع الشعب اليمني لتشمل مختلف المجالات..ويدرك اليمنيون أنه حيثما تشيد المشاريع الكبيرة والاستراتيجية.. هنا بالضبط يكون الأصدقاء الروس حاضرون وليس غيرهم..
ولا يفوتنا الاشارة هنا إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تتم إلاّ في عام 1955م وتم في عام 1956م تعيين عبدالرحمن أبوطالب أول وزير مفوض غير مقيم لليمن في موسكو، وفي المقابل افتتح الاتحاد السوفييتي مفوضية له في تعز في ذات العام..
وفي عام 1956م تطورت العلاقات في المجالات التجارية والاقتصادية والدبلوماسية ليدخل مجال التعاون العسكري حيز التنفيذ خلال زيارة البدر لموسكو وتم الاتفاق على صفقة من الأسلحة التي لعبت دوراً مهماً في مساعدة تنظيم الضباط الأحرار على تفجير الثورة السبتمبرية..
أما في 24 يونيو 1962م وهذا التاريخ مهم جداً حيث افتتحت السفارة الروسية في صنعاء وتولى السيد سول ليبتسكي القيام بالأعمال..
لقد حرصت روسيا على انجاز مشروع مطار صنعاء الدولي عقب بضعة أشهر من انتصار الثورة ليمثل بوابة اتصال وتواصل لليمن مع دول العالم..
وعلى ذات الصعيد واصل الأصدقاء الروس تمويلهم لفتح نافذة أخرى أمام اليمنيين والمتمثلة بانجاز رصيف السفن بالحديدة بعد انجاز بناء الميناء في عام 1961م خلافاً لبناء مصنع الاسمنت في باجل والذي موله الأصدقاء الروس أيضاً.غير أن هذه العلاقات أخذت منحى آخر عقب الزيارة الأولى للرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في عام 1981م إلى موسكو والتي تم فيها التوقيع على معاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين للمرة الثانية في العهد الجمهوري، كما تم تجديد هذه المعاهدة لمدة عشرين عاماً بزيارته الثانية عام 1984م.
وعقب قيام الجمهورية اليمنية تم تأسيس اللجنة اليمنية الروسية وتطوير للتعاون الاقتصادي والعلمي والفني والتجاري، في فبراير عام 1991م، وقد حصد اليمنيون الكثير من ثمار هذه الاتفاقية ومنها الاتفاقية على إنشاء رصيف ميناء الصليف البحري بطول 450 متراً وتعميق الميناء إلى 46 قدماً ليستقبل السفن ذات الحمولة 50 طناً..
حضور دائم
> وظلت روسيا حاضرة إلى جانب الشعب اليمني رغم ما كانت تعانيه من أوضاع وأزمات اقتصادية وغيرها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، غير أنها رغم ذلك قررت في نوفمبر 1997م في نادي باريس إسقاط 80% من ديون اليمن والمقدرة بـ6.7 مليار دولار..
وفي ديسمبر 2002م قام الرئيس علي عبدالله صالح بزيارة إلى موسكو تلبية لدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتم خلالها التوقيع على اعلان مبادئ علاقات الصداقة والتعاون بين اليمن وروسيا، كما جرى التوقيع على عدد من الاتفاقيات والتي لم يمر عليها عامان وإذا بالرئيسين صالح وبوتين يبحثان في قمة جديدة عقدت في إبريل 2004م بموسكو العلاقات الثنائية ومجالات التعاون المشترك وتبادل وجهات النظر إزاء التطورات الاقليمية والدولية..لقد ازدهرت العلاقات اليمنية الروسية وعاشت أوج مجدها خلال فترة حكم الزعيم علي عبدالله صالح وقد أدرك الأصدقاء الروس هذه الحقيقة لذا فقد قام مركز مجد روسيا القومي في نوفمبر عام 2004م بتقليد الرئيس علي عبدالله صالح وسام «حوار الحضارات» تقديراً لدوره في تبني الحوار بين الحضارات وتعزيز وتطوير العلاقات اليمنية الروسية ودوره التاريخي البارز في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وتقديراً لسياسته الحكيمة في معالجة قضايا الحدود مع الأشقاء والجيران بالطرق السلمية والقانونية وحرصه على اقامة علاقات متوازنة ومتسامحة مع الأشقاء والأصدقاء وبما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
|