الأحد, 26-أغسطس-2007
الميثاق نت -   نجيب غلاب -
عمل المؤتمر الشعبي العام من بداية نشأته ومازال على بناء وتكوين إجماع وطني حول منظومة من القيم والمعايير والاهداف والتي على اساسها تم إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة المقدمة الضرورية لرسوخ فلسفة الدولة في بنية الثقافة الوطنية. فعلى المستوى الفكري تُشكل القيم العليا التي أسس لها المؤتمر كالحرية والديمقراطية والوحدة والولاء الوطني والحوار والانفتاح، وحقائقه الخمس، وتركيزه على بناء الدولة اليمنية المعاصرة، ثورة فكرية عميقة في تاريخ اليمن، وتعبير عن مشروع نهضوي متماسك وقوي وواضح، قادر على استيعاب أصالة اليمن في رؤية معاصرة قادرة على هضم كل جديد وفق رؤية فكرية متزنة ومتوافقة مع البيئة التي تعمل فيها وسابقة لها في الوقت ذاته. أما على المستوى العملي فقد تبنى المؤتمر رؤية واقعية برجماتية قد تبدو للبعض متناقضة مع طرحه الفكري المتعالي إلا ان نتائجها البعيدة تخدم التحولات بطريقة ذكية وخبيرة، فيتم طرح قيم ومبادئ مثالية متعالية عن الواقع على المستوى النظري، ولكنها في الوقت ذاته انعكاس لذلك الواقع وتعبير عن الرغبة الجامحة في التغيير، ولان الفكرة الجديدة التي تحاول جاهدة التموضع في واقع يحمل في طياته ما يناقض الجديد، فقد اتخذ المؤتمر سياسة النفس الطويل واعتماد آلية الحوار وادخال القوى التقليدية في بنيته كأدوات تغييرية. ورغم التناقض الظاهري في هذا الطرح إلا ان هذا الاسلوب الفريد يعمل بفاعلية في الدفع بالنهوض الحضاري لليمن بطريقة سلمية وهذا ما جعل المؤتمر قادر على تجاوز سلبيات الفعل الفكري للقوى السياسية المتطرفة الموجودة في الساحة، فهو يقاوم بهدوئ الفكر التقليدي لصالح القيمة الجديدة دون ضجيج ولا هزات تهدد الامن والاستقرار. وهذا في تصوري أسلوب صحيح في احداث التغيير فالفكرة لا تُولّد الواقع اذا لم يتم تفعيلها واقعيا بالتجربة لا بالفرض فعندما يخوض الناس تجربة الفكرة الجديدة فإنها تتجسد على مستوى الواقع، فتحقيق الوعي الكامل بالفكرة لن يكون بالعرض المجرد لها كمثال متعالي لانها تصبح عاجزة عن اكتساح الوعي الراسخ في البنية التقليدية، والتجربة ايا كانت نواقصها فانها قادرة على تحفيز الفكر لتقويم السلب، وحتى في حالات حدوث افرازات سلبية تفوق الايجابيات فأن الجديد يجعل الوعي الشعبي التقليدي في حالة من الاضطراب والشك في بنية القيم المتحكمة في مسارات وعيه وفهمه للبيئة المحيطة، واستمرار الدفع بالجديد فان منطق الايجاب يكون أقوى مع الوقت، واياً كانت المقاومة من قبل الاطراف التقليدية فمع التجربة تكون الفكرة قادرة على الحراك الواقعي مما يجعلها في حالة التقويم الدائم وتفعيل ايجابية الجديد تتجه لتصبح جزء من الثقافة وهنا يحدث التغيير. وبتفحص الواقع نجد ان النجاحات التي حققها المؤتمر تجاوزات الطموحات والمشاكل التي يعانيها الواقع ليست نتاج الرؤية الفكرية التي يحملها المؤتمر ولا نتاج لرؤيته العملية وواقعيته ونزوعه البراجماتي في التعامل مع الواقع، وانما نتاج مقاومة مضادة للتجديد الفكري الذي يحمله المؤتمر، وخوف القوى التقليدية والفاسدة من مآلات التغيير، أما الجانب الآخر للمسألة فهو الواقع نفسه سواء بابعاده الثقافية او الاقتصادية او السياسية كلها تعمل كمعوقات تحاصر الرؤية النهضوية الكامنة في فكر المؤتمر وهو فكر وطني خالص يتمتع بمرونة عالية قادر على استيعاب العصر بلا عقد. والجدير بالاشارة هنا أن الرؤية الفكرية التي يتضمنها خطاب الرئيس على صالح هي محاولات جادة وعميقة لتفسير فلسفة المؤتمر الشعبي العام ورؤيته الفكرية، وبتحليل مضمون الخطاب ستجد ان نسق الرئيس الفكري متشبث بالمثال المعياري عند عرض الاهداف وهذه النزعة المثالية في عرض الهدف يعبر عن رغبة لتجاوز الواقع السيئ لصالح القيمة المتعالية التي هي بدورها نابعة من روح وفكر الشعب وتعبير عن طموحه وغاياته أي أن الواقع يحمل في ثناياه القدرة التامة على التفاعل معها في حالة تجاوز منتج الواقع السلبي بفعل عوامل خارجة عن طبيعة وتكوين الإنسان وتكوين روح الشعب اليمني. وخلال حكم الرئيس استطاع الرئيس ان يتحرك كحاكم يملك أدوات القهر السلطوية الشرعية وأدوات السلطة المجتمعية وهذا ساعده في بناء نفوذ قوي على المؤسسة وعلى القوى الاجتماعية الفاعلة في المجتمع ، وكقائد وطني فقد وظف قوته لصالح المشروع الوطني كما ان تعاظم سلطته سهلت له محاصرة خصومة في حالة تهديد أهدافه. ورغم اعتماد الرئيس على قوى تقليدية لتدعيم قوة الدولة إلا ان طموحه بيمن جديد جعل من تحالفاته التقليدية قوة فاعلة لحماية النخب المثقفة من الفئات الحديثة، وخلال فترة حكمة فقد اسند معظم المواقع الفاعلة في رسم السياسات بيدها، واستند كليا في ادارة العملية التغييريه على تلك النخب المتنورة حاملة الفكر الجديد ورغم الانتكاسة التي اصابت البعض إلا ان تلك النخبة ظلت ومازالت هي المهيمنة وقد اعتمد عليها الرئيس صالح في دعم وتفعيل المشروع الوطني، وهي في الراهن في أعلى مراحل قوتها مقارنة بالسابق. وتعاظم قوة الفئات المتنورة في الفترة الاخيرة جعل بعض القوى التقليدية تعيد حساباتها وترتب صفوفها لذا نؤكد أن اعادة بناء المؤتمر وتفعيل حركته وتجديد رؤيته الفكرية هو وحده الكفيل بخنق التخلف وقيادة التجديد وحمل مشروع اليمن النهضوي بما يتوافق والتغيرات المحلية والعالمية، وسيظل الرئيس صالح كقائد قوي الداعم الاساسي للمؤتمر لتكتمل قوته ويصبح مستقبلا قادر على التحرك بفاعلية وقوة كمؤسسة يتوقع لها ان تكون هي القادرة على قيادة النهضة المعاصرة لليمن الجديد.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:00 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-4485.htm