الميثاق نت -

الأربعاء, 13-يناير-2016
عبدالرحمن مراد -
< تهلّ علينا في هذه الأيام ذكرى (13 يناير 86م) تلك المأساة الإنسانية التي كان عبده ربه منصور هادي أحد رجالها وأحد الفاعلين فيها، ولم تسعه أبعاد المأساة حينها فقذفته إلى صنعاء التي وجد فيها الحضن الدافئ، واليد التي تربت على كتف الأشقياء، وتمد إليهم يد الخير والمحبة والسلام، وهنا تكمن المفارقة العجيبة التي تشبه كوميديا الألم من كل الأبعاد والتفاصيل الجزئية والكلية، فصنعاء التي تألمت من أحداث عدن في 13 يناير 86م ووقفت أمام كل المطالب الرامية الى محاكمة العناصر التي عاثت في عدن فساداً وتدميراً وقتلاً واغتيالاً، وأمام كل الضغوط الاقليمية والدولية لم تفرط بالفارين اليها، ولم تساوم على حياتهم، ولكنها حاولت أن تعمر القلوب بالمحبة والسلام، وقاسمت كل الذين جاءوا إليها هاربين من أحداث 13 يناير لقمة العيش، واعترف أحدهم بتلك الرعاية التي تجاوزت كل الذين كانوا يتمتعون به وهم في أوج سلطتهم في عدن، ثم يدور الزمن دورته الاعتيادية، فإذا باليد التي تلقفت خير صنعاء، والقلوب التي شعرت بحنانها وإنسانيتها وقيمها الأخلاقية ونبلها تمتد إليها بالشرِّ كله وتعمل فيها خراباً وتدميراً وقتلاً وتهجيراً، بل والأدهى أنها تبارك بوادر الشر من السعودية وأمريكا والكيان الصهيوني وكل الذين تداعوا الى اليمن طمعاً في المال ورغبةً في التدمير، ويصبح أولئك يداً أو قطعة في لعبة حقيرة هدفها تركيع اليمن، وفرض الهيمنة عليه وتبديد ثرواته ومقدراته.
لم تكن صنعاء في يوم من الأيام تظن أن يحدث لها هذا الذي يحدث، ولم تكن تظن أن يكون الجزاء بهذه الطريقة البشعة والمدمرة والقاتلة من «هادي» الذي دلّت الأيام والشهور والأعوام أنه يعيش مفردات الدمار والموت والفناء منذ فجر تاريخه الى هذه اللحظة التي استجلب فيها السعودية ومن تحالف معها.
لقد عاد «هادي» الى عدن بعد طول فرار منها، وعادت معه مفردات الصراع القديم وأدواته وهي الآن تقوم بإنتاج مأساة أكبر مما كانت عليه في 86م وهذه المأساة شملت اليمن الطبيعي كله، وهي ستكون أكثر بروزاً في المكان الذي شهد ولادتها الأولى، إذ أنّ المؤشرات تقول إن مفردات الصراع الدامي الذي حدث في 13 يناير 86م في عدن تجددت أدواته بذات الصيغة والكينونة التي كان عليها في زمن تفجُّر الحدث الأول، فعدن الآن تشهد ميلاد مأساة جديدة ، سيكون الأبطال فيها هم أنفسهم في المأساة التراجيدية الأولى مع تغير وتبدل طفيف، فالصراع بين الضالع وردفان وأبين بدأ يرسل إشاراته، كما أن الجماعات والفصائل التي تفرض سيطرتها على عدن يحركها العامل التأريخي والعامل المكاني أكثر مما يحركها العامل الأيديولوجي العقائدي، ويبدو من المؤشرات الأولى أن حالة التشظي والانقسام التي تعلن عن نفسها في عدن وفي أحياء عدن بين الفينة والأخرى على استحياء ستكون هي الشرارة الأولى في قابل الأيام في التفجر وتكرار ما حدث في الزمن المماثل للمأساة.
لقد كان عبد ربه منصور هادي يداً قاتلة، ويداً مدمرة في أحداث 13 يناير 86م، وها هو اليوم لا يبرح المكان، ولا الوظيفة فهو اليد القاتلة واليد المدمرة، وإن تعددت الأدوات والوسائل عما كانت عليه في الزمن المماثل لهذا الزمن، إلا أن اليقين المطلق أن عدن التي قد تتماهى مع النار والموت والفناء ستذهب الى البحر كي تغسل العلم وتعود وقد استلهمت الروح الحميرية النواسية، وحين تعود الى حميريتها وإلى نواسيتها ستقذف العملاء والمرتزقة، وتستعيد مجدها وهويتها الحضارية، فكل المؤشرات التي تأتي من عدن وكل الرموز تقول إن الهوية الوطنية قضية كلية لا يمكن تجزئتها، وإن العامل التأريخي سيتحرك ولن يطول به الأمد، حتى يثبت للوجود وللعالم أن اليمن ليست بالبلد الطارئ ولا بالدولة الطارئة، وأن جذره التأريخي سيكون عامل حسم للمعركة الوجودية والحضارية الجديدة، وحينها سيعلم العالم الذي تداعى على اليمن قتلاً وخراباً وتدميراً أن جينات البقاء في اليمن قادرة على الاستمرار وعلى الانتصار.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:34 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-44865.htm