الأربعاء, 13-يناير-2016
الميثاق نت - 1 الميثاق نت -
تحية لأبي مالك الشبواني

أ.د. عبد العزيز صالح بن حبتور

ربما من غير المألوف ان تتم الإشادة والكتابة عن شخصية وطنية عامة وهو لا زال حياً يرزق ويعيش فينا ، يحيا بكل طاقته الحيوية ، وعنفوان ذهنه ، وأحاسيسه المرهفة التي عبر بها مؤخراً بمرثية حزينة بقصيدة معبرة عن شقيقه الأكبر / الفقيد عوض مساعد حسين المرزقي طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته والهم أهله وذويه وأصدقائه الصبر والسلوان ، وأنا واحدٍ منهم لان الفقيد تعود صداقتي به مُنذ كُنت طالباً يافعاً في مدرسة نصاب الإعدادية وهنا أدعو الله العزيز القدير ان يتغمده بواسع رحمته ..أنا لله وأنا اليه راجعون.

اما مناسبة الكتابة المستحقة عن صديقي الوفي / أحمد مساعد حسين أبا مالك هو الآخر قد تطول السيرة حوله لو تركنا العنان للقلم وللأفكار ان تسبح في فضاء شاسع ورحب ، وهي مساحة مشواره الطويل والثري في النضال والعمل والإجتهاد ، كي نسجل مآثره وعثراته ، فهو رجل صال في قلب التاريخ بهمة الرجال وشجاعة الأبطال وتواضع الإنسان البدوي الأصيل٠

وفي عجالة رمزية عابرة سنسرد بعضٍ من سيرته المبسطة المعقدة :

— ينتمي هذا البطل لأسرة مكافحة لم تسعفها قدراتها وإمكاناتها المادية من إرساله الى رحاب المدارس التي كان يرتادها أبناء النخبة من حكام المشيخات والسلطنات إبان حقبة الإستعمار البريطاني.

— لكنه تعلم في إحدى كتاتيب المنطقة وامتلك ناصية الكتابة والقراءة بشكل جيد٠

— التحق كغيره من ابناء الفقراء في بلادنا في صفوف قوات الأمن العام للحصول على فرصة عمل ليس إلا لإعالة أسرته الفقيرة ٠

— التحق مبكراً ضمن طلائع الجبهة القومية عضواً في إحدى الخلايا السرية لتحرير جنوب اليمن المحتل من قبل الاستعمار البريطاني ٠

— بعد الإستقلال الوطني الناجز تدرج في السُلم الحزبي والوظيفي ، بدءً من عضو خلية حزبية الى انتخابه لعضوية اللجنة المركزية للتنظيم السياسي للجبهة القومية وبعدها عضو باللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ومكتبها السياسي.

— وحينما انتقل قسراً لشمال الوطن نشط في صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام الى ان أصبح عضواً باللجنة العامة وفي هذه المسيرة المعقدة الطويلة تقلد العديد من المهام الإدارية والسياسية في شطري اليمن قُبيل وبعد الوحدة اليمنية ٠

— تخللت مسيرته السياسية الطويلة محطات كان للتأهيل دوراً في بناء قدراته الذاتية في المدارس والمعاهد الحزبية في عدن وبرلين وبوتسدام وموسكو وكان بطبيعة الحال تأهيلاً موجهاً في سياق الفكرة المسموح بها في أي نظام شمولي مر في التاريخ الإنساني ٠

— كان أحد أبرز اللاعبين السياسيين في الحوارات السياسية بين قيادتي شطري الوطن التي مهدت ليوم الوحدة ، إذ كان شريك فاعل في معظم الوفود وفي اللقاءات المعلنة والسرية.

— وبحسب المقربين الثُقات من حوله فقد امتلك خاصيتين في أثناء مسيرته المهنية هي الشجاعة والسياسة ، إذ إنه من السياسيين القلائل الذين لا يقطعون شعرة معاوية في الغالب ، فحاله يقول { ان شدوا الخيط أرخيت وإن أرخوا شددت } وهذا هو المبدأ البراجماتي في السياسة وتطبيقاتها العملية منذ ما يقارب أربعة عشر قرناً من الزمان وحتى يومنا هذا لمن ( يفقهون ) ، ولكنه أيضاً يعمل وفق حكم الآية الكريمة ( وشاوروهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين ) سورة آل عمران ١٥٩ .. اي الجمع الخلاق بين اللين والشدة في إتخاذ القرار ٠

— حصل على العدد من الأوسمة والميداليات تقديرا لأدواره البطولية في مجالات عدة وكان آخرها الدفاع عن قضية الوحدة اليمنية في العام 1994م

— عرفته عن قُرب في منتصف الثمانينات من القرن الماضي حينما كُنت معيداً ومسؤل أول في الحزب الاشتراكي اليمني بجامعة عدن آنذاك وكان هو يشغل منصب رئيس جهاز الرقابة الشعبية التابع لمجلس الوزراء وبحكم اللقاءات العامة والخاصة استخلصت بل قرأت فيه المزايا الإنسانية الآتية:

أولاً : كان صادقاً وجاداً وحازماً مع كل رفاقه وأصدقائه وحريصاً على تقديم العديد من الخدمات لهم وبالذات للشباب الطامح القادمين من الريف اليمني ومن أي محافظة كانت ويردد مقولته المشهورة انا سفير البدو الرُحل في هذا المنصب ، وأتذكر إشادته الدائمة بالشباب الذين حققوا انجازاً ملموساً في عالم الصحافة والاعلام وفي ايٍ من مجالات الحياة المتعددة ، وأبرز مثالين هما الفقيد/ عادل لعسم والفقيد/ صالح الصائلي رحمة الله عليهما ، وزاد بالإشادة لعدد من الشباب الأحياء الذي تنكر البعض له فيما بعد وهذه حكاية أُخرى لسيرة الإنسان على مر العصور٠

ثانياً : كان عطوفاً بفئة الفقراء من الناس وبحسب علمي كان يقدم لهم المساعدات الممكنة من دخله الخاص ٠

ثالثاً : كان ولا زال مولعاً وشغوفاً بقراءة الكتب التاريخية والسياسية وبالذات ما يتصل منها بالشأن اليمني ولديه مراجعات ومطالعات تقويمية للعديد من الاحداث والوقائع التي مرت بها اليمن بشطريها وفي زمن الوحدة الى الأحداث الدامية الحالية المؤلمة.

رابعاً : يظل صديقي أبو مالك إنسان رائع في هذا الزمان له إيجابيات وسلبيات الإنسان الطبيعي في هذه الحياة ، يُحب ويكره ، يأمن ويخاف ، يحزن ويفرح ، ولكنه يظل بن مساعد بن حسين العولقي الذي ملاء الدنيا عملاً وضجيجا والآخرين كانوا وسيظلون ساكنين سكون الجماد ٠

كلمة أخير’:

اود الإشارة هنا الى ان الناعقين المهزومين الذين نسمع أصوات فحيحهم بين فينة وأخرى تتسرب الينا من بين الشقوق وتتخفى خلسة خلف جُدر صماء لن يغيروا من تاريخ وحضور وفعل رفيقي / أحمد مساعد حسين ابا مالك ..متعه الله بالصحة وطول العمر وحتى وان بدء للبعض ابتعاده عن المشهد العام فانه حاضر بثقل تاريخه وأفكاره ورجاله.

والله من وراء القصد

رئيس جامعة عدن — محافظ عدن الأسبق

10يناير 2016م

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:37 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-44882.htm