بقلم/ عبده محمد الجندي -
< حين قلت يوماً من أيام العدوان لمذيعة قناة «الميادين» إجابة على سؤالها عن النقاط السبع التي توصل إليها ممثلو المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله في حوار مسقط إنني أناشد ملك المملكة العربية السعودية أن لا يعرقلها، كنت أعني ما أقول بأن حكام الرياض هم أصحاب القرار الفعلي في الحوار اليمني السعودي وأنه لا يوجد شريك آخر للمؤتمر وأنصار الله سوى حكام الرياض ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية، ورغم أن البعض انتقد ما ذهبت اليه إلا أن الحقيقة ما لبثت أن تبينت بوضوح في الخطاب الأخير للزعيم علي عبدالله صالح الذي دعا فيه الوفد اليمني المكون من المؤتمر وأنصار الله الى الحوار مع المملكة العربية السعودية بدلاً من الحوار مع فريق المخلافي المعين اسماً من الرئيس هادي، لأن هذه المجموعة ليست صاحبة قرار وعبارة عن أداة بيد حكام الرياض الذين يمارسون العدوان ليجعلوا منها دمية متحركة لا رأي لها ولا إرادة ولا موقف لها ولا قضية ولا قرار تحصر نقاشه في نطاق المطالبة بالإفراج عن مجموعة الثلاثة + واحد.. ولا تتجاوز ذلك الى غيرها من المهام المنصوص عليها في جدول الأعمال، والتي تتحدث عن وقف العدوان ورفع الحصار وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وعن تسوية سياسية كاملة، لأن الجلسات التشاورية كشفت أن مهمة فريق المخلافي محصورة في نطاق إطالة أمد العدوان والحصار.
أعود فأقول إن الحوار مع الرياض هو البديل للحوار مع مجموعة عملاء باعوا أنفسهم للشيطان وأن الحوار مع الجرافي هو البديل الصائب للحوار مع خدام خدام الجرافي، لأن هذا الخدام لا يمتلك من الصلاحيات والقدرة على اتخاذ القرارات ما يجعله مؤهلاً للدخول في حوار كهذا يقرر المستقبل السياسي والاقتصادي والعسكري للشعب اليمني الذي يتطلع لسلام قائم على الحق والعدل، بعد عشرة أشهر من العدوان والقتل الجماعي والدمار الشامل.
نعم لقد أكدت التجربة أن هؤلاء الخدم الذين نتحاور معهم يعتبرون اليمن بمثابة حديقة خلفية مملوكة للسعودية وملوكها، وأنها لا تقبل للشعب اليمني الحق في تقرير مصيره واختيار من يثق بهم من القادة العظام خوفاً من تكرار التجربة المريرة مع من هم امتداد لزعامة الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح، الأمر الذي يحتم على القوى والمكونات السياسية اليمنية أن تطلب الحوار المباشر مع المملكة السعودية صاحبة القول الفصل في إعلان الحرب وإعلان السلم في اليمن، لأن الحوار مع هذه القيادات المرتهنة للخارج لا يمكن أن ينبثق عنه الا المزيد من التبعية والمزيد من الارتهان والإذلال.
وذلك بالتأكيد ما أدركه علي عبدالله صالح بحكم ما لديه من الخبرة العملية والسياسية التي اكتسبها خلال 33 سنة في الحكم علمته بأن توخي الدقة في اختيار القيادات الوطنية والثورية بمثابة صمام أمان لإقامة العلاقة المتوازنة بين اليمن وبين المملكة السعودية القائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وما يترتب عليها من المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة، لأن القيادات الضعيفة والهزيلة هي التي تقدم على تصرفات مخزية لا تخدم الشعب اليمني ولا تخدم الشعب السعودي بقدر ما تزج الشعبين والقيادتين في سلسلة من الصراعات والحروب العدوانية الدامية والمدمرة ما تكاد تبدأ إلا لتنتهي ولكن بلا بداية مفيدة وبلا نهاية مثمرة، لأن همومها محصورة في نطاق عبادتها لذاتها المعقدة والمريضة.
فلو كان هادي قادراً على ملء الفراغ الذي تركه علي عبدالله صالح لما كانت الأوضاع سارت الى ما آلت اليه من الفعل ورد الفعل، الذي دمر الإمكانات الاقتصادية للبلدين الجارين، ناهيك عما لحق بالشعب اليمني من القتل والدمار الذي أصبح جرحاً لا يمكن اندماله على المدى القصير.
صحيح إن تأثير العدوان الملحوظ على الشعب اليمني لا يقارن بتأثيره غير الملحوظ على الشعب السعودي الا أن الصحيح أيضاً أن الشعب اليمني بأغلبيته الساحقة لا يمكنه أن يتناسى ما لحق به من الآلام والأحزان المؤلمة المحركة لما لديه من نزعات ثأرية وانتقامية بلا حدود ولا قيود زمانية.
أقول ذلك وأقصد به إن حالتي الغنى السعودي والفقر اليمني لا يمكنهما الاستمرار والديمومة الى ما لا نهاية بقدر ما هما حالتان متغيرتان قابلتان للكثير من التبدلات والتغيرات من النقيض الى النقيض.
ومعنى ذلك أن العلاقة بين البلدين الجارين يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعلى المصالح المشتركة الموجبة للتعاون والتكافل وتغليب قيم السلام على قيم الحرب.
ولو كان هادي يدرك هذه الحقيقة لكان احتفظ بقدر معقول ومقبول من العلاقة السياسية المتوازنة مع القوى التي أوصلته الى الحكم ومع القوى التي أشركها في الحوار دون حاجة الى التكتيك والمناورة التي أفقدته احترام الجميع وجعلته شخصية انتهازية منفرة لا عهد لها ولا ذمة ولا مصداقية من خلال سعيه الى تحويل حلفائه الى أعداء وتحويل معارضيه الى أصدقاء يحملون بذور التناقض والعداوة بصورة أفقدته احترام الجميع وجعلته شخصية مستفزة تتنافى مع شخصيته التي نصت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.. يضرب المؤتمر بالمشترك ويضرب المشترك بأنصار الله ويعمل على التحول من رئيس انتقالي وفاقي الى رئيس ديكتاتوري لا يمتلك قاعدة شعبية ولا عسكرية ويسعى جاهداً الى ضرب الشمالي بالجنوبي وضرب الجنوبي بالشمالي وتمزيق الشعب الواحد الى فدراليات لا تمتلك المقومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحققة للأمن والاستقرار، أما على الصعيد الخارجي فقد أشعر شعبه أنه لا يعتمد عليه بقدر ما يعتمد على الدعم الخارجي والدول الراعية للمبادرة الخليجية.. وراح يتأرجح بين ولائه المطلق للأمريكان وحلفائهم وولائه المطلق للدول الخليجية متخذاً من إيران البعبع الذي يخوف به هذه الدول منفردة ومجتمعة.
حقاً لقد ركن هذا الغبي الى الدعم الخارجي فراح يستقوي بوقاحة على شعبه وجيشه، فأوعز لوزير دفاعه أن يعمل مع السعودية والأمريكان على إعادة الهيكلة وتدمير ما لديه من مؤسسة عسكرية وأمنية قوية.
ولم يكتفِ بإضعاف جيشه وتدمير آلته العسكرية بقدر ما تجاوز ذلك الى تمزيق شعبه الواحد الى ستة أقاليم متناحرة ومتناقضة، وزاد على ذلك بأن جعل الجنوبي يساوي ستة شماليين في حساباته السياسية الخاطئة التي وضعت المسمار الأخير في نعش الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبي والتداول السلمي للسلطة.
هذا رئيس لا يستحق من شعبه كل تلك الثقة التي أعطيت له ولا يستحق من الدول الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة كل ما منحته من التأييد والدعم لأنه لا يفكر إلا بنفسه وكيف يصبح حاكماً لليمن الضعيف مدى الحياة، ولأنه لا يحب إلا نفسه نجده يختتم حياته في إباحة شعبه لدول العدوان فريسة سهلة لما لديهم من المقاتلات القادرة على الإبادة الجماعية والدمار الشامل تحت شعار «أحكمكم أو أقتلكم وأدمر كل ما لديكم من البنية التحتية المدنية والعسكرية والأمنية»، لذلك أدرك الزعيم علي عبدالله صالح أن الحوار مع هذا الرئيس ومؤيديه هو حوار مع حفنة من العملاء والخونة لشعبهم ووطنهم، وخيرٌ لهذا الشعب وقواه الوطنية أن يتحاوروا مع أعدائهم الذين وجدوا أنفسهم تحت وطأة الخوف من إيران متورطين في حرب عدوانية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
أخلص من ذلك إلى القول إن الصواب فيما نطق به زعيم وحكيم اليمن الرئيس علي عبدالله صالح- حفظه الله- الذي يدرك أن الحوار مع آل سعود أهون من الحوار مع عملائهم الذين يتقمصون دور العاشق الكذاب وهم يدركون أنهم لا يمتلكون من إرادتهم الحرة سوى الاتهامات الكاذبة.
|