عبدالرحمن مراد - < قيل إن المبعوث الأممي جاء الى صنعاء خلال ما سلف من أيام ولم يحمل جديداً سوى تجريب وجاهته في إطلاق بعض الذين تم احتجازهم لدواعٍ أمنية، أو بعض من تم أسرهم في معارك الكرّ والفرّ بين الذين يرفضون الاحتلال والذين يحملون الاحتلال على أكتافهم وفي فوهات بنادقهم تحت عناوين كبيرة وبمفاهيم تتناقض مع المدلول وحركة الواقع.
لم تعد الأمم المتحدة ذات معنى أو قيمة اعتبارية فقد معناها وقيمتها، وكانت اليمن هي المكان الذي ذابت فيه أسطورة مجلس الأمن الدولي واسطورة الأمم المتحدة، وكذلك سوريا والعراق ومثلهما ليبيا، واتضح للعيان أن الأمم المتحدة التي كانت تبدو لنا كالعصى الغليظة أصبحت قطعة بلاستيكية في لعبة الشطرنج الدولية التي تديرها الشركات العالمية الكبرى ومن وراء تلك الشركات الصهيونية العالمية التي بلغت كمال علوها في الأرض وفق وعد الله في كتابه المقدس القرآن الكريم وربما في توراتهم، واتضح لكل ذي لبٍّ أو بصيرة أن إسرائيل أفصحت عن وجودها في التفاعل اليومي لمفردات العدوان الذي أخذت السعودية على عاتقها مسؤولية صدارته وإعلانه وتحمُّل تبعاته القانونية والأخلاقية، في حين تظل إسرائيل حاضرة تحت غطاء آل سعود من خلال تجريب الأسلحة المتطورة والحساسة ومدى فاعليتها ومن خلال الخبرات الفنية والعسكرية والتعاون اللوجيستي، والأدهى من خلال التفوق الأخلاقي الذي يحط من النظرية الأخلاقية الإسلامية ويرفع من قدر وشأن النظرية الأخلاقية الاسرائيلية، وقد تفوَّهت أبواق الساسة الاسرائيليين بمثل ذلك وقالوا إن ما يقوم به نظام آل سعود تجاه شعب اليمن، إسرائيل تربأ بنفسها أن تمارسه مع الفلسطينيين، وتلك الأبعاد الأخلاقية والثقافية والحضارية ستكون ذات أثر في قابل الأيام على القضية الفلسطينية، والقضية الفلسطينية باعها الذين باركوا العدوان على اليمن، إذ كان المفترض بالقادة الفلسطينيين أن يكونوا أكثر شعوراً بمظلومية أهل اليمن لأن المظلوم أحسّ بما يعانيه من يماثله في الظلم، لكن أن يسارع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى تكريم ملك المملكة العربية السعودية في ظرف كهذا.. دماء أهل اليمن تنزف فيه وأشلاؤهم تتناثر، وعمرانهم يهدم، ومنازلهم تباد وتصبح أطلالاً وأطفالهم يموتون ونساؤهم ما بين ثكلى وأيّم، فذلك دالٌ على أنّ فلسطين لا تحفظ معروفاًَ، ولا تشكر منعماً، ولا تحمد موقفاً، وقد خامر الناس في اليمن إحساس طاغٍ مفاده أنّ إسرائيل تواجه إرهاباً ومن حق إسرائيل أن يكون لها موقف يحفظ لها أمنها واستقرارها، غداً سنرى فلسطين تباد، بعد أن تمكّن اليهود من تحييد مشاعر المسلمين وبعد أن ساعدهم الفلسطينيون أنفسهم في الوصول الى مقاصدهم التي سوف تبرر حركة الإبادة وتحت ذرائع شتى ستجد لها متنفساً في قلوب الناس وفي مشاعرهم، فالغباء البدوي الصحراوي الذي عليه حكام الخليج والسعودية كان مطية الصهيونية العالمية في تحقيق مآربها والوصول الى الغايات التي لم تكن لتبلغها بدون حروب طاحنة وأموال باهظة لولا الغباء الذي وجدوه في حكام العرب من الأعراب في الخليج وصحراء نجد وبمساندة بعض الأدوات الإقليمية الذين باعوا ضمائرهم للدولار الأمريكي والريال السعودي.
ويبدو أن المملكة العربية السعودية قد كشفت عن ساقيها وهي تقرأ تقارير الصروح الممردة للاستخبارات، ولو كانت تعقل لعلمت أن تقديرات تلك الأجهزة الاستخبارية لم تكن صائبة وأن العدوان على اليمن قد قارب على العام دون أن يحدث أي تقدم وكل الذي حدث هو النتائج العكسية للعدوان على بنيته التحالفية التي أظهرت المواقف الأخيرة من إيران وقطع العلاقات معها تصدعها، كما أن انعكاس الأحداث على البناءات الثقافية والاجتماعية في المملكة كان منذراً لها بالانهيار القريب، وقد كتب الكثير من أصحاب الضمائر في الصحف العالمية الواسعة الانتشار عن المصير المجهول الذي ينتظر المملكة العربية السعودية وكتبوا عن غباء محمد بن سلمان، ولكنهم كدأبهم دائماً يشترون المواقف وهم ينفقون الأموال على الامم المتحدة ومجلس الأمن لذات الغرض، لذلك ظل ولد الشيخ يراوح مكانه وتحول الى ساعي بريد بين الرياض وبين صنعاء، وهذا ما دلّ عليه الملف الذي حمله أثناء زيارته لصنعاء، ويبدو أن دور ولد الشيخ قد انتهى قبل أن يبتدئ، وستبقى اليمن، فالله ليس بغافلٍ عما يعمل الظالمون.
|