فيصل الصوفي - ذكر محمد بن اسحاق- وهو أول من كتب كتاباً في السير والمغازي (ولد عام 85 هجري"- أنه لما اختلفت قبائل قريش حول أحقية كل منها في شرف وضع الحجر الأسود بركن الكعبة، اتفقت على تحكيم محمد بن عبدالله، وكان ذلك قبل البعثة بخمس سنوات، فحكم الرسول باشتراكها معاً في رفع الحجر، وقبلت قبائل قريش بحكمه، فصاح شيخ نجدي قائلاً: يا معشر قريش، قد رضيتم أن يليه هذا الغلام، دون أشرافكم وذوي أسنانكم.. وذكر أيضاً أنه لما قرر شيوخ قبائل قريش تدبير خطة للتخلص من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، اتفقوا على الاجتماع في دار الندوة بمكة، وعند باب الدار قابلهم شيخ جليل حسن المظهر يرتدي ثوباً غليظاً، فسألوه: من الشيخ؟.
فقال: شيخ من أهل نجد، علم بخبركم فحضر يسمع، وعسى ينفعكم برأي ونصح، فأدخلوه معهم، وبدأوا يتشاورون حول كيفية التخلص من الرسول، فمن قائل نحبسه في مكان لا يعلم به أحد، ويبقى في الحبس حتى الموت، ومن قال بل نطرده من مكة، وكان الشيخ النجدي يقول لهم: ليس هذا برأي، ليس هذا برأي، انظروا في رأي آخر، فلما قال أبو جهل:نختار من كل قبيلة شاباً جلداً نسيباً، لهم سيوف صارمة فيضربوا محمداً ضربة رجل واحد، فيقتلوه، وتفرق دمه بين جميع هذه القبائل، ولن يجد بنو عبد مناف سوى القبول بالدية، لأنهم لا يقدرون على قتال جميع هذه القبائل، فقال الشيخ النجدي: هذا هو الرأي!! وقال ابن اسحاق إن هذا كان ابليس لعنه الله، ظهر لهم بمظهر شيخ جليل من نجد..
وقد قلت في مكان آخر: ولماذا لم يكن شخصية نجدية حقيقية، ولماذا اختار ابليس أن يتقمص شخصية رجل من نجد، وأيضاً لماذا عمد كُتَّاب الكتب المدرسية على حذف اسم ذلك الشيخ النجدي ودوره، رغم أنهم عند تأليف كتب السيرة لطلاب المدارس، اعتمدوا على سيرة ابن اسحاق التي اعتمد عليها ابن هشام بدوره عند تأليف كتابه المعروف بسيرة ابن هشام..العلاقة بين أهل نجد ورسول الإسلام، والإسلام نفسه، علاقة عدائية منذ البداية، وأعتقد أن الوهابية السعودية النجدية اليوم وريثة أسلافها في علاقتها بالمسلمين..في واقعة بئر معونة، حدث أن رجلاً من نجد يُدعى ابو براء عامر بن مالك، قدم إلى الرسول.
وقال له: يا محمد، لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد، يدعونهم إلى أمرك.. هكذا خاطب الرسول: يا محمد.. أصحابك.. أمرك.. فهو لم يعترف برسالة محمد، ولم يسلم، ولكنه تطوع بتلك النصيحة لأمر آخر..فقال له الرسول: إن ارسلتهم، فإني أخشى عليهم أهل نجد، فقال النجدي: أنا لهم جار، هم في عهدي، فأرسل الرسول عدداً من الصحابة معظمهم من حفظة القرآن، ففتك بهم أهل نجد، وقال الرسول بعد ذلك: هذا عمل أبي البراء، وقد كنت لهذا كارهاً متخوفاً.. وهذه الواقعة، هي التي كانت سبباً في البدء بجمع القرآن، لأن أهل نجد قتلوا معظم حفظته، فخشي الرسول أن يهلك بقية الحفاظ والقرآن في صدورهم..
لقد استعصت نجد طيلة حياة الرسول، ومن بعده، وكان مسلمة الحنفي (مسيلمة الكذاب)، يعتبر نفسه نبياً مرسلاً من قبل ولادة الرسول، وظل زعيماً لحركة رفض الاسلام، يقود قبيلة بني حنيفة وغيرها من قبائل اليمامة التي تقع في قلب نجد، وفي آخر أيام الرسول كتب إليه يقول: من مسلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، السلام عليكم، أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر(النبوة) معك، وأن لنا نصف الأرض (نجد)، ولكم نصف الأرض (الحجاز)، ولكن قريش قوم يعتدون..
فرد عليه الرسول برسالة:: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.. وتوفي الرسول وأمر مسيلمة في نجد يستحكم، ولم يقض على حركته إلا في زمن الخليفة أبي بكر، ومع ذلك فإن أتباع مسيلمة، لم يُمنعوا سوى من المشاركة في الفتوحات الإسلامية، بينما لعبوا أدواراً مهمة في الحياة الاجتماعية والسياسية وإدارة الدولة ودواوينها، وعظم دورهم في عهد الأمويين، حركة وفكرا، والوهابية السعودية النجدية هي سليلتهم.. هذا ما يقوله التاريخ لمن يقرأه.
|