توفيق عثمان الشرعبي - < الدور الذي تقوم به القبائل اليمنية في مواجهة العدوان يأتي امتداداً من الجذور التاريخية للأدوار العريضة والعظيمة التي حفظتها صفحات التاريخ للقبيلة في الذود عن حياض الوطن جنباً إلى جنب مع الدولة القائمة في مختلف الدهور والعصور..
دور القبيلة اليوم يعصف بالذهنية المقيتة التي حاولت في أكثر من تحيَّز فصل القبيلة عن الدولة وتصنيفها خطأً بأنها العامل الفاعل في عرقلة بناء دولة حقيقية تخضع للقانون..
القبيلة اليوم أثبتت للمنحازين ضدها قبل غيرهم أن دورها أعظم وأقدر من الأدوار الباهتة والعاجزة التي تقوم بها المكونات السياسية في التعامل مع الظرف الراهن الذي يهدد بقاء الدولة ويفكك كيان المجتمع ويمزق الوحدة الوطنية..
وهاهي الدولة اليوم تتساقط في المحافظات التي عملت منذ أكثر من خمسين عاماً على فك الارتباط مع القبيلة وتجاوز تاريخها الاجتماعي، في حين تزداد صلابةً وصموداً في المحافظات التي حافظت فيها الدولة على تعايشها مع القبيلة واحترام تقاليدها وأعرافها ومُثلها العليا التي تتجلى اليوم في أنصع صورها وهي تنتصر للمشاريع الحديثة وأولها بقاء الدولة وتقديم التضحيات النفيسة في سبيل سيادة ذلك المشروع واستقلالية قراره..
وفي حين ذابت القوى التغييرية والتحديثية وتلاشت شعاراتها الرنانة وطموحاتها في بناء دولة مدنية حديثة- والتي كانت القبيلة أهم المساند لها لتحقيق ذلك- في حين ذابت وتلاشت تلك القوى اليوم أمام المشروع العدواني بقيادة السعودية لإفناء مشروع الدولة اليمنية- حضارياً ومدنياً ووحدوياً و.. و.. الخ.. بقت القبيلة ثابتة وصامدة ومضحية بأبطالها وأعيانها وكبرائها لمواجهة هذا العدوان الغاشم الآثم..
وها هي الوقائع والفجائع التي حلت ولاتزال على وطننا وشعبنا تكشف حماقة وتحامل أدعياء التحديث والقومية والأممية ممن كانوا يصمُون القبيلة بالتبعية والارتزاق والارتهان لجارة السوء السعودية، وأنهم كانوا يُسقطون بشاعتهم وحقارتهم وتبعيتهم وعمالتهم هم على شرفاء القبائل.
كما فضحهم العدوان أنهم هم من كانوا يتآمرون على الدولة ويقفون حائلاً بينها وبين المواطن، بل هم وأحزابهم من كانوا يتآمرون على الأنظمة والحكام..
كما أن على أفكارهم العفنة وشعاراتهم المقيتة ورؤاهم الضيقة كانت المشاريع الوطنية تلقى حتفها وفي مقدمة ذلك سعيهم منذ 2006م ومن قبل ذلك لوأد الديمقراطية..
وفي ظل تكشُّف كل هذه الحقائق تزداد القبيلة استشعاراً لدورها واستدعاءً لتاريخها وتحملاً لمسؤوليتها وتقدم الدور اللائق بها والمتناسب مع مجتمعها والمتناسق مع تاريخها إلى جانب الدولة ومؤسساتها..
وهذا الدور يؤكد أن القبيلة تستند في مواقفها على موروث اخلاقي وإنساني لا يساوم على الشرف والكرامة ويأبى الضيم والذل ويحتقر الخيانة والعمالة والمهانة، ولهذا نجد زعماءها وأبناءها انخرطوا في الدولة للدفاع عن سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها ورفضوا المساومة والترغيب والارتزاق الذي قبل به الكثير ممن كانوا يتغنون بالوطنية والدولة والشعب والقومية والمدنية والاستقلال والوحدة .. إلخ..
القبيلة أثبتت في هذه المحنة أنها أشرف وأفضل من كثير من الأحزاب والتنظيمات والمكونات السياسية، وأثبت غالبية كبرائها وأعيانها ومشائخها أنهم أرقى وأتقى وأنقى من كثير من القيادات السياسية وأدعياء النضال والتدين والسلمية..
كما قدم أبناء القبائل في كل الجبهات وما وراء الحدود صموداً اسطورياً وملاحم بطولية نادرة لا يشوبها الادعاء، مقزّمين بذلك جنرالات طالما تباهوا بمكانتهم وأهميتهم وبطولاتهم وضرورتهم لسلامة الوطن وسيادته واستباحوا الوطن ونهبوا خيراته بحجة أهميتهم للوطن!!
وأمام كل ما يجرى في اليمن من جرائم إبادة وما يحاك للوطن من مؤامرات تمزيقية واستعمارية وما يقابل ذلك من عنفوان قبلي وتضحيات لم يعد مقبولاً التشكيك بأهمية دور القبائل اليمنية، وضرورة تقوية كياناتها وتفعيل وجودها المساند لبقاء مؤسسات الدولة قادرة على القيام بمهامها وخصوصاً ما يتعلق بالدفاع عن حياض الوطن ومكاسبه العليا كما هو حالها اليوم أمام العدوان البربري الإباحي الذي تقوده السعودية..
ولابد من الاشارة هنا إلى أن القبيلة في هذه الأحداث تعمل بحرفية عالية لاستعادة دورها ومكانتها ونفوذها الذي سعت بعض القوى والمكونات السياسية لاستلابه لصالحها خلال السنوات الماضية في إطار مؤامرة داخلية وخارجية على اليمن نعيش فصولها البشعة وسيناريوهاتها القذرة اليوم.. وبالتالي فالقبيلة تستعيد قوتها وتستحضر تاريخها السبئي الضارب في أعماق التاريخ لأكثر من ثلاثة آلاف سنة..
لقد وجدت القبيلة في هذا الواجب الذي تقوم به لحماية وطنها الذي خذلته الكثير من المكونات المقلدة والكثير من الكائنات «المعتلفة» لسنوات ثرواته وموارده- وجدت في هذا الواجب التوقيت الصح والمكان الصحيح لإزالة الانقسامات وبلورة الزعامات والعودة إلى الوجدان الجمعي بحشد البطولات.
وبكل تأكيد أن جرائم الإبادة والمجازر الوحشية التي يرتكبها العدوان الهمجي بحق اليمنيين الأبرياء وكذلك الدمار الشامل لمقومات الحياة يفرض علينا تحشيد مقومات القوة وبناء أركانها سواءً القبيلة أو الجيش أو الوعي الجمعي وعدم المراهنة على مكونات مؤدلجة أو قيادات نفعية لاستعادة حقنا المنتهك وتضميد شعورنا المجروح..
وهذا يجعلنا نعترف بإجلال تام بعظمة وأهمية ما تقوم به القبيلة اليمنية إلى جانب الجيش المسنود باللجان ومعهم كل الشرفاء من القوى الوطنية، بل ونؤكد أن الدور البطولي للقبيلة في مواجهة صلف العدوان هو تعبير عن سيادة الدولة وعامل مهم لصناعة مستقبل وطن قادر على حماية سيادته وكرامة شعبه وتجاوز أعدائه خصوصاً وقد اتضح لكل ذي لبٍ أن تغييب دور القبيلة والعمل على إضعافها كان في إطار التهيئة للإطاحة باليمن وسهولة تمزيقه..
خلاصة القول.. إن القبيلة تضطلع بدور بطولي عظيم في مواجهة العدوان وصد الغزاة والمرتزقة والتنكيل بهم في كل الجبهات إلى جانب قوات الجيش واللجان، وتقدم ملاحم بطولية تعزز من قناعتنا ورهاننا على دورها الذي يعد الأهم على أرض الميدان..
التحية والإجلال للقبائل اليمنية ولأبنائها العظماء الصامدين في وجه الأعداء والإغراء..
التحية للقبائل اليمنية مصنع الرجال وملهمة الأبطال ومفتاح النضال..
التحية للقبائل اليمنية التي لا تخلف وعداً ولا تخون عهداً ولا تخطئ مجداً ولا تدخر جهداً..
التحية للقبائل اليمنية وهي تخوض أشرس المعارك وتمرغ كبرياء وغطرسة العدوان في كل جبهة وميدان..
التحية للقبائل اليمنية التي علَّمتنا أن الرجال الشجعان هم من يجيد القنص والطعان..
التحية للقبائل اليمنية التي عرَّت أدعياء القومية.. وفضحت دعاة الوطنية وكشفت زيف الجنرالات الورقية..
التحية للرجال الرجال من زعماء وأبناء القبائل الأبطال المعفرين بالرمال والصامدين في الثغور وعلى قمم الجبال..
|