محمد علي عناش - بعد أيام ستحل الذكرى الخامسة لـ11فبراير المشؤوم التي يسميها الخونة والمرتزقة والكثير من المغرر بهم بالثورة، وسيظل شعبنا اليمني يسميها بالأزمة والجائحة الفوضوية التي عمت المنطقة العربية في 2011م وامتد تأثيرها الى اليمن.. بالتأكيد سيحتفل أغبياء وخونة بـ11فبراير ويصرون على تسميتها بالثورة، حتى الإرهابي الداعشي جلال بلعيدي كان سيحتفل بها لو لم يُقتل قبل أيام، كونه كان أحد ناشطيها في ساحة التغرير بصنعاء.. تقف مذهولاً أمام هذه الكائنات التي ماتزال تجتر سخافات وخزي وعار مايسمى الربيع العربي طوال هذه السنوات العجاف والكارثية التي سقطت فيها الأخلاق أكثر من سقوط الأنظمة، وتستمر في نكء جراحات الوطن والأمة الغائرة، وكأنه لم يحصل شيء في سوريا واليمن وليبيا والعراق نتيجة هذه الجائحة والوباء الإخواني الصهيوني الذي تفشى في البلدان العربية بتمويل ودعم خليجي.. سيحتفلون بهذه الكارثة في الداخل كما سيحتفل بها من هم في فنادق الرياض ويوزعون هداياهم ومباركاتهم للشعب اليمني صواريخ وقنابل عنقودية، لأن منسوب عدم الخجل مرتفع لديهم، لكن من المخجل أن تستمر شريحة المثقفين في اجترار الخيبات وتسويق الأوهام وتمجيد حدث كان حلماً سرعان ما انقلب الى كابوس والى كارثة مستمرة في الهدم والتدمير واسقاط القيم والأخلاق وإنتاج المآسي والفجائع اليومية، وأكبر كارثة سقوط الدولة واستدعاء عدوان غاشم يقتل الأبرياء ويدمر منجزات قرن من الزمان، أنها تغريبة يمنية بدأت بحلم رمادي وأمتلأت بالمآسي والخيانات والثورات على العقل والضمير والإنسانية والدين والقيم وكل شيء جميل، تغريبة شعب احتشد العالم كي يقتلوه ويقتلوا حاضره وماضيه ومستقبله دون أدنى سبب..
ماذا تبقى من هذا الحدث المشؤوم كي تحتفوا به؟سوى تغريبتنا اليمنية الراهنة، وسوى أرشيف مظلم وبائس من الشعارات الجوفاء التي تحيونها اليوم على ركام هائل من الجماجم وتلال شاهقة من الخرائب ومدن مهدمة صارت تسكنها الأشباح وتتعربد على سمائها مريم المنصوري وطائرات الأباتشي باحثةً في أزقتها وشوارعها وحاراتها المهجورة عن فريسة آدمية أو حيوانية أو أي شيء يذكر أنه كان لها حاضر وماضٍ وحياة تعج بالطموحات والقصائد والمواويل والأحلام المندفعة نحو المستقبل ببراءة وهمة وثقة الإنسان اليمني الذي يمتد بجذوره الحضارية الى أعماق التاريخ.. إن الثورات تقاس بالنتائج والتحولات العظيمة التي تحققها في جميع الاتجاهات، هذه هي الثورات التي تخلدها ضمائر الشعوب وذاكرتهم الجمعية.. بينما 11فبراير افتقد منذ شهره الأول لكل مواصفات ومؤشرات الثورة الحقيقية..
دعونا من الشباب، فهؤلاء حلموا حلماً جميلاً بالتغيير، وعبروا عن حلمهم بأدوات بسيطة بالهتافات والكتابة على الجدران والصحف والانزواء داخل الخيام كسقف لايمكن تجاوزه حتى الى منصة الساحات التي لم يملكوها وليس لهم حق فيها ولم تعبر عن أحلامهم، بل كانت ملك أطراف طامعة في السلطة ومعبرة عن أهدافها وغاياتها ومنفذة لمخططاتها التي كانت تدار وتصاغ من غرف عملياتها في معسكر الفرقة ومجلس حميد الأحمر ومقرات الإصلاح وجامعة الإيمان..
الشباب حلموا فقط بالتغيير لكنهم لم يثوروا ولم يتحولوا الى قوة ثورية حقيقية في الساحات، وإنما أداة تم أستخدامها من قبل قوى انقلابية وانتهازية طامعة في السلطة من مختلف الاتجاهات المتناقضة بقيادة الإصلاح وأجنحته العسكرية والقبلية والدينية، في تنفيذ المسيرات الصدامية التي كانت تصاحبها كتائب مسلحة من جنود الفرقة وطلاب جامعة الإيمان، تم استخدامهم في توفير الدم الثوري ليتم استثماره في تسويق الأهداف ومخطط الانقلاب.. تم جرهم وإخراجهم من خطاب العقل والمنطق والموضوعية الى خطاب العاطفة المشحونة بالكراهية وخطاب التضليل والكيد وشخصنة قضية ومشكلة البلد، لم تعد ثورة التغيير لديهم، مشروعاً وفلسفة لصناعة تحولات عظيمة في البلد، وإنما تم اختزالها واختصارها في شرط وحيد وهو رحيل الحاكم، والذي رحب بالأمر وأبدى استعداده لرحيل آمن من السلطة، لكن العاطفة المشحونة بالكراهية والوعي الذي تصلب، كانا قد فقدا القدرة على استيعاب معنى الرحيل الآمن وأهميته في ذلك الظرف.. الثورة أخلاق ومشروع وتناغم في الأفكار، الثورة إرادات وأدوات نزيهة، الثورة ثوابت وطنية وقومية وإنسانية، الثورة كل هذه المقدمات من القيم والمبادئ كي تأتي النتائج عظيمة.. اليوم جميع قيادات 11 فبراير في فنادق الرياض، فهل الخائن كان سوف يصنع ثورة مستقبل.. هل الانحطاط الذي يجري في دمائهم سوف يصنع حدثاً عظيماً، بالتأكيد لا ولذا اختطفوا حلم الشباب وانقلبوا بهم وجردوا حلمهم من كل أساسيات الثورة والتعبيرات الوطنية، 11 فبراير ليس ثورة، هو عار، هو جزء لايتجزأ مما حدث ويحدث في ليبيا وسوريا والعراق، النتائج واحدة لأن المخطط والمشروع واحد، ربما أن المقاومة الشعبية لهذا المشروع التدميري في اليمن كانت قوية ومتماسكة، ولهذا تم استدعاء حلف دولي بقيادة السعودية للتدخل العسكري المباشر وشن عدوان سافر يقتل اليمنيين ويدمر اليمن أرضاً وإنساناً وحضارة.
|