احمد فرحان - < خمس سنوات مرت على النموذج اليمني لما سمي بثورات الربيع العربي.. خمس سنوات عجاف كانت كافية، ثبت فيها أن ربيع الاخوان لم يكن الا خريف الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب اليمني الذي لم يكتفِ اخوانجيو اليمن وحلفاؤهم في اللقاء المشترك أن يستبقوه خريفاً بل حولوه الى شتاء مشتعل بنيران الأزمات والصراعات والحروب والإرهاب وفوضى لا تنطفئ، والغاية السلطة في ذاتها ولهم وحدهم لا شريك لهم، ولأنهم كذلك، فقد فشلوا في الاستمرار بمشروعهم التآمري وعجزوا عن الاحتفاظ به ليس هذا فحسب، بل جلبوا للبلاد والعباد مآسي وكوارث تجسد حقيقة تكوينهم وطبيعتهم التي لا تؤمن الا بالجماعة ومصلحة الجماعة ومشروع الجماعة، ولا وجود في قاموسها وأدبياتها لمفهوم الوطن أو الشعب أو الحرية أو الديمقراطية، ناهيك عن الثورة والتغيير، لكن لا بأس إذا كان ذلك صالحاً للاستخدام مؤقتاً في سياق بلوغ أهدافها غير المشروعة التي تحققها مرحلياً الصفقات واستراتيجي التآمر.
لهذا عندما يرتد عليهم تآمرهم ويقعون في شر أعمالهم لا يعترفون بأنهم أخطأوا أو أخفقوا وبالتالي يستشعرون الحاجة الى مراجعة ما قاموا به أن سبباً موجوداً في قناعاتهم المسبقة هو أن الآخر السياسي العلماني الكافر الملحد أو المجتمع الذي يكفّرونه وهم جاهزون لاستباحته بالارهاب حتى يصبح لا خيار أمامه الا الخضوع لشرهم باعتباره الخير الوحيد حتى لا يحيق به عقاب الوقوف في وجه من يعتبرون أنفسهم أنهم الفرقة الناجية الذين يحق لهم التحالف مع الشيطان لإعلاء الاخوان، وفي هذا المنحى يأتي تأييدهم واستقواؤهم بالعدوان السعودي ضد الوطن والشعب اليمني.
وفي هذا المنحى تختزل حكايات 11فبراير 2011م الذي مثّل مخرجاً غير متوقع لصراع السلطة بقيادة أحزاب اللقاء المشترك وعلى رأسهم الاخوان مع الزعيم علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام وحلفائه، ووضح الطوطم الأكبر للجماعة في ساحة الجامعة بقوله: «لقد أعيتنا الحيل» مع أن تلك القيادات كانت مدموجة في إطار النظام السياسي الديمقراطي التعددي.. وكانت قيادة الاخوان خاصة جزءاً من السلطة وشريكاً فيها لسنوات طوال، أي أنها لم تتعرض لما تعرضت له جماعتهم في بعض الدول العربية من علاقات استخدام سياسي بالفرض أو تتعرض الجماعة للمطاردة والاعتقال والإقصاء أو التهميش الذي سببه في الغالب الطبيعة الارهابية الاجرامية التي تلجأ اليها هذه الجماعة التي كانت تواجه ذلك بالسعي الى عقد الصفقات التي كانت بكل تأكيد آنية أو مؤقتة بحكم انتهازية جماعة الاخوان أو انتفاء حاجة الأنظمة استمرار العلاقة بهذا الشكل.. في اليمن ولاسيما في فترة تحمّل الزعيم علي عبدالله صالح لقيادة الوطن قبل الوحدة كان الاخوان وكل القوى السياسية في الساحة الوطنية جزءاً من النظام وشركاء في السلطة، ذلك أن المؤتمر الشعبي العام جمعهم تحت مظلته وكان الإطار الجامع لكافة القوى السياسية في الساحة الوطنية.. بعد الوحدة وفي ظل خيار الديمقراطية التعددية وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان عاد كل اتجاه داخل المؤتمر الشعبي الى أصله ليبقى التنظيم السياسي الوطني اليمني محتفظاً بطابعه الديمقراطي المعبر عن تطلعات غالبية أبناء اليمن الذي تحمل على عاتقه إنجاح التجربة الديمقراطية الناشئة عبر التمسك بالشراكة الوطنية المؤسسة على قناعة أن ذلك يعمقها ويرسخها كواقع سياسي يمني جديد تقوم عليه دولة اليمن الموحد المتطور والمزدهر.
هذا المسار لم يتقبله حزب الاصلاح «الاخواني» منذ البداية لأنه يتناقض مع توجهه المتشدد الرافض للآخر وظل يتعاطى معه بانتهازية برجماتية تبريرية رجعية متخلفة، ويكفي لتأكيد هذه الحقيقة الاشارة الى المعركة التي خاضوها ضد دستور دولة الوحدة.. وهكذا كان تعاطيه مع مجمل الشأن السياسي الوطني.
وللوقوف على تجليات صورة هذه الجماعة الأكثر وضوحاً علينا النظر الى خلافاته وعداءاته وتحالفاته طوال تاريخ الاخوان السياسي عربياً وإسلامياً والتي تتكثف في العقود الثلاثة الأخيرة من النهج الديمقراطي باليمن.. وبالطبع لا تختلف عنه كثيراً والتي اختلفت معه في تكتل اللقاء المشترك المفتقر الى أي قاسم مشترك سواء العداء للزعيم علي عبدالله صالح أو هوس الوصول الى السلطة الجنوني حتى ولو كان الثمن تدمير اليمن وتقسيمه وتفتيته وإفناء شعبه بقوة العدو الخارجي وحرائق فتن الصراعات والحروب الداخلية العبثية المناطقية والطائفية والمذهبية التي تتجسد اليوم في أبشع مظاهرها الاجرامية الوحشية الارهابية في عدوان التحالف السعودي التي هي حرب إبادة لشعب عربي مسلم مسالم ولوجوده الجغرافي وتاريخه الحضاري العريق.. إنه عدوان يستهدف اليمن الارض والإنسان في ماضيه وحاضره ومستقبله.
هذا هو السياق الذي ينبغي فيه استيعاب أزمة 2011م والتي يحلو للبعض أن يؤرخ لها بيوم 11فبراير ويعطيها صفة الثورة بينما هي ليست إلا واحدة من ثورات الفوضى الامريكية الصهيونية «الخلاقة» الحاملة لنذر خريف العرب والمسلمين الذي يسعى من خلاله أعداؤهم في نهايته الى أن يعلنوا موتهم -شعوباً وقومية وأمة- وهو خطر أدركه من وقت مبكر الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه ومعهم جميع أبناء اليمن الشرفاء الأوفياء المخلصين المحبين لوطنهم الذين كانوا دوماً الحامل الصادق للمشروع الوطني التغييري التطوري في ظل راية الوحدة والديمقراطية والقوى الحقيقية الناهضة به الحامية له المدافعة عنه المستعدة أبداً للتضحية في سبيله والتي لم تكن السلطة بالنسبة لها سوى وسيلة لتحقيقه وإنجازه، من أجل ذلك قدمت التنازل عن السلطة للحفاظ عليه واستمراره وفقاً لنهج الديمقراطية السياسية التعددية بما تعنيه من حرية رأي وتعبير وتداول سلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وعلى أسس اعتماد قيم ومبادئ شعبنا الدينية والحضارية الانسانية القائمة على التسامح والتلاقي والحوار، وهذا ما كان لتجنيب شعبنا ووطننا المآلات الكارثية والمصير المجهول الذي كان واضحاً في تداعيات أحداث أزمة 2011م والتي سعى الزعيم علي عبدالله صالح لتجنبها بدعواته كافة أبناء اليمن بكل أطيافهم السياسية الى الحوار الداخلي بعيداً عن أية تدخلات خارجية مدركاً المخاطر التي كانت حاضرة ومستوعبة في وعيه الوطني والى ما يمكن أن تؤدي.. وعندما أصر حزب الإصلاح الاخواني وشركاؤه على التآمر على الوطن وقتله وتدميره وكانت جريمة مسجد النهدين التجسيد الأكثر وضوحاً لبشاعة تلك القوى والتي تبين حجم وكمية الحقد الهائل المثقلة به عقولها وقلوبها الخبيثة السوداء ليس على الزعيم ولا على المؤتمر الشعبي العام فحسب، بل على الوطن والشعب اليمني، فكانت ألطاف الله وحكمة الزعيم الذي لم يبالِ بأهوال آلامه ومعاناته الناجمة عن تلك الجريمة الشيطانية الارهابية ليطمئن ويطمئن شعبه ووطنه قائلاً: «إذا أنتم بخير فأنا بخير»، بمجرد أن يتماثل للشفاء يخرج مجدداً ليؤكد أنه أكثر إصراراً على الحل السياسي السلمي وعلى انتهاج طريق الحوار الذي جعل منه جوهر مضمون المبادرة الخليجية والتي قبل بها الطرف الآخر لمرحلة مؤقتة يستغلها في الاستيلاء الناعم على السلطة وبناء مشروعه الخاص الذي كما هو واضح اليوم قائم على العمالة والخيانة وتدمير الوطن وتمزيق أبنائه، وهذا ما كان يستشعره الزعيم ويخشاه.. لهذا في حفل التوقيع على المبادرة الخليجية أشار الى أن العبرة بالتنفيذ المشروط بأخذها في كليتها وفقاً لآليتها المزمنة ويسلم السلطة سلمياً بعد الاستفتاء على المرشح الوحيد باعتباره رئيساً توافقياً الخائن الفار عبدربه منصور هادي، وثبت أنه لم يكن الا خائناً وضيعاً ومرتزقاً رخيصاً، فأوصل اليمن الى الأسوأ والأبعد من كل التوقعات إذ لم يكتفِ ومعه الاخوان وانتهازيو المشترك بتأجيج نيران الصراعات الداخلية لتمرير مشروع تقسيم اليمن وتمزيقه الى كيانات متناحرة بل استدعى العدوان السعودي الذي استجلب كل قوى الشر في العالم من أجل سفك دماء اليمنيين وإبادتهم إشباعاً لأحقاد نظام أسرة آل سعود وتنفيذاً لمشروع الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد..
الخاتمة :يمكن أن نختزلها في ماذا بعد خمس سنوات على 11فبراير لمعرفة ان كان هذا اليوم عنواناً لثورة أم لمؤامرة على اليمن الوطن والشعب.. بدايةً علينا أن ننظر ملياً لمشهد العدوان السعودي البربري الوحشي الغاشم على اليمن لنعرف حقيقة الأطراف التي استجلبت العدوان وتتخندق معه لقتل اليمنيين وتدمير اليمن ومن يقف في صدارة صفوف المدافعين عن سيادته ووحدته وحريته واستقلاله لتعيش أجياله بعزة وكرامة.. في وطن يتسع لكل أبنائه وفي ظل دولة مدنية ديمقراطية قوية وقادرة وعادلة.
|