الميثاق نت -

الثلاثاء, 23-فبراير-2016
محمد علي عناش -
في يوم الأربعاء الموافق 17 فبراير 2016م ودعت الأمة العربية والإسلامية علماً من أعلامها المخضرمين الكاتب والمفكر الكبير محمد حسنين هيكل بعد حياة طويلة حافلة بالعطاء السياسي والفكري الناضج والمتجدد وحافلة بالمواقف القومية والإنسانية الصادقة التي جسدت قيم ومبادئ رجل كان بحجم الأمة العربية وضميرها النابض وعقلها المتفتح والمتطهر من خبث السياسة وإغراءات السلطة، كما كان ذاكرتها القوية والصادقة التي واكبت أحداث الأمة العربية والإسلامية لثمانية عقود، وأرَّخت لكل تجاربها وتحولاتها وانتصاراتها وانكساراتها، بمهنية وأخلاق عالية، وبعقل ثاقب عبقري الرؤى والاستشراف، قومي الانتماء إنساني التحليق والتطلع.. انتمى هيكل للمدرسة الناصرية وحمل مشروعها الحضاري وعاش تجربتها ونجاحاتها وانكساراتها، فاعلاً فيها وناقداً لانحرافاتها ومصححاً لمساراتها ومجدداً في رؤاها ونظريتها، لذا لم يتقوقع ويتحجر داخل التنظيم والنظرية، كما تقوقعت وتحنطت الكثير من النخب والقيادات داخل التيارات القومية واليسارية والإسلامية، بل كان فارداً جناحيه محلقاً في فضاءات رحبة حاملاً في جعبته مشروعاً كبيراً من منطلق قومي ومزاج ناصري تتكامل وتتواصل فيه ثلاث دوائر، الدائرة الوطنية والدائرة القومية والدائرة الانسانية.. ولذلك فالمفكر محمد حسنين هيكل، عندما هاجم ثورات ما يسمى بالربيع العربي ووقف ضدها، لم يكن ذلك من فراغ ولم يكن مستأجراً من الأنظمة، وإنما كان نابعاً من رؤاه الناضجة ومن تجربته الطويلة والعميقة في قراءة الواقع العربي وتحولاته التي عايشها على جميع الأصعدة، ومن معرفته الواسعة بطبيعة القوى الفاعلة والمؤثرة في الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، واتجاهاتها وأهدافها الحقيقية، كل ذلك أكسبه قدرة كبيرة على قراءة التناقضات والانحرافات التي امتلأت بها هذه الثورات الفوضوية، واستشراف آفاقها ومستقبلها ومآلاتها الكارثية على الأمة العربية.. من هنا خرج هيكل مبكراً بجملة من الاستخلاصات والتقييمات والتنبؤات عن هذه الثورات الفوضوية، هي كما يلي:
1- إن هذه الثورات افتقدت شروط ومواصفات الثورات المستقبلية، ولا تنتمي لأي من الثورات الكبيرة واضحة الأهداف والمسارات، وإنما مولود هجين من الأهداف والشعارات والقوى، مولود تضخم بسرعة وأصبح يمارس فعلاً ثورياً هائجاً ومجنوناً، يندفع بقوة نحو المجهول بقيادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين..
2- إن هناك مشروعاً تدميرياً ينمو ويتحرك في الساحات والشوارع ويتنقل من بلد عربي الى آخر، رافعاً شعار الحرية والديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان، لإسقاط الدولة العربية القومية، تتبناه وتموله وتقوده دول عربية بالغة الثراء وبالغة التخلف والرجعية والتبعية..
3- حوامل هذه الثورات نمط مشوَّه من التحالفات الثورية، اجتمعت والتقت وتآلفت فيها ترويكا من التيارات المتناقضة من أقصى اليسار الى أقصى اليمين، لذا افتقدت المشروع الناضج وافتقدت الموضوعية وانتهجت مساراً لاعقلانياً في اندفاعها ومطالبها..
4- هذا النمط من الثورات يسقط الجانب الأخلاقي في الفعل السياسي ويدوس على الثوابت الوطنية والقومية..
5- هذا النمط من الثورات بقدر ما ينتج الانتهازي والمتاجر بالشعارات، ينتج الأصولي والإرهابي ويهيئ له أسباب السيطرة والتمكين.. ولذا لا غرابة أن تعرض هيكل لحملة اعلامية شرسة من جميع هذه القوى وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، التي اتهمها بتنفيذ أجندة تآمرية في المنطقة العربية، وبسعيها الحثيث للسيطرة على الحكم بمختلف الوسائل اللامشروعة، وإثارتها النعرات والصراعات الطائفية والمذهبية، وعلاقتها المباشرة وغير المباشرة بالجماعات والتنظيمات الإرهابية، كما اتهمها بالإفلاس في المشروع وبالفشل في الحكم وإدارة شئون البلدان، وفي هذه المسألة قال هيكل"ظل الإخوان المسلمون ثمانين سنة يفكرون كيف يصلون الى السلطة، لكنهم لم يفكروا لحظة واحدة كيف يحكمون".. الأنظمة العربية الرجعية التي تتبنى مشروع الفوضى العربية، كان يزعجها هيكل ويرعبها بأطروحاته ومواقفه التي كانت تجد لها صدى واسعاً في الساحة العربية، لذا لم يسلم منها، حيث تبنت حملة شرسة ضده وحرضت عليه إعلامياً وسياسياً ودينياً، فهناك من كفَّره وهناك من أحرق مكتبته، وهناك من اتهمه بأنه رافضي ويتبنى المشروع الإيراني في مصر، وهي تهمة سمجة جاهزة ومعلبة، تطلقها السعودية وكهنتها على كل من يعارض وهابيتها ومشروعها التدميري في المنطقة.. ونظراً للتحولات الخطيرة والكارثية التي شهدتها المنطقة العربية خلال هذه السنوات الخمس التي مرت، عاش هيكل أقسى وأصعب فترات ومراحل حياته، عاش فيها متحسراً ومتألماً على الواقع الجديد للأمة العربية الذي تدمرت فيه منجزاتها وتمزق نسيجها الاجتماعي والثقافي، وغزاها قوم كالأشباح ومصاصي الدماء، أتوا من أنفاق التاريخ المظلم، وتسربوا من فجوات وثقوب ثورات الفوضى العربية، رافعين رايات سوداء وسكاكين، كي يذبحوا أبناء دينهم وجلدتهم باسم الإسلام الذي تخلَّق من رحم صحراء الدرعية في نجد، ويبيعوا نساء معارضيهم في سوق نخاسة..
رحل هيكل ضمير الأمة وعقلها العبقري، متحسراً وفي نفسه وقلبه ألم وحزن شديد على اليمن، التي تتعرض لأبشع وأقذر عدوان بربري شُنَّ في التاريخ دمر فيها- كما قال هيكل- منجزات قرن من الزمان، فقط لأنه أراد أن يكون حراً وأبياً ولأنه واجه الإرهاب ومصاصي الدماء ببسالة وعنفوان، وبقدر ألمه وحزنه، مات هيكل متفائلاً بأن اليمن واليمنيين سوف ينتصرون ويحدثون تحولاً عظيماً في المنطقة، محذراً دول تحالف العدوان ومن يدعمهم بأن اليمن »بركان هامد في جنوب الجزيرة العربية أذا ما انفجر سيعم المنطقة بكلها«.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-45237.htm